مع اقترابها من إريتريا، مصر تتطلع إلى تطوير وجودها الاستراتيجي في المنطقة

0 102

رصد ــ السودان نت

تتحدث تقارير عن تقارب محتمل بين مصر وإريتريا بعد أن جمعتهما علاقات متوترة في السنوات الأخيرة. وتشير هذه التقارير، التي لم تؤكدها مصادر رسمية من البلدين، إلى أن القاهرة وأسمرة تناقشان أسس قاعدة بحرية مصرية جديدة في جزيرة نورا، قبالة الساحل الإريتري.

ترفض القاهرة فكرة إنشاء قواعد خارجية بسبب الحساسيات السياسية لكنها تواصل الاستثمار في استراتيجية جديدة لتعزيز قوتها البحرية. لكن، تشير التقارير إلى اتفاق بين القاهرة وأسمرة بشأن احتمال الانتشار المصري في جزيرة نورا.

تقع إريتريا عند مدخل البحر الأحمر الجنوبي ما يمنحها قيمة استراتيجية مهمة. أدى الاهتمام الدولي المتزايد والمنافسة في البحر الأحمر وحوله، مع اختناق باب المندب في الجنوب وقناة السويس في الشمال، إلى توليد جهود جديدة مصرية وسعودية على مستوى هندسة الأمن البحري في المنطقة.

في يناير الماضي، تقدمت السعودية لبناء تكتل جديد عندما وقّع ممثلون من 8 دول على ميثاق لإنشاء مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن. بالنسبة إلى مصر، يأتي هذا التطور كجزء من استراتيجية لاستعادة نفوذها والاضطلاع بدور أمني أكبر في المنطقة (وخاصة في المجال البحري).

وشهدت مصر مخاطر جديدة مع انفجار الأوضاع في اليمن وعدم الاستقرار في ليبيا ومع القرصنة البحرية قبالة القرن الأفريقي. كما تبقى سياسات القاهرة مدفوعة بالتحركات العسكرية الجديدة في المنطقة الأوسع التي تزايد الوجود الإيراني والتركي فيها.

وتحرّك تركيا، التي أبرمت اتفاقية حدود بحرية مع ليبيا في ديسمبر 2019، أكبر قاعدة عسكرية خارجية تابعة لها في الصومال. ونالت صفقة طويلة الأمد حول ميناء سواكن من السودان قبل سنتين.

القاهرة ترفض فكرة القواعد الإقليمية الخارجية بسبب الحساسيات السياسية لكنها تواصل الاستثمار في استراتيجية جديدة لتعزيز قوتها البحرية

وفي الفترة الأخيرة، زادت اكتشافات الغاز الضخمة في شرق البحر المتوسط من التوترات حيث تدّعي أنقرة بأنها الأحق بالموارد الموجودة قبالة ساحل قبرص. وتجمع اتفاقيات مصر مع إسرائيل وقبرص لتوريد الغاز الطبيعي عن طريق السفن وعبر خطوط الأنابيب من الحقول البحرية. وتعالجها قبل أن تعيد تصديرها من محطات إسالة الغاز في إدكو ودمياط.

وفي 2019، عقدت مصر منتدى غاز شرق المتوسط بمشاركة من دول كالأردن وقبرص واليونان وإيطاليا في محاولة لإقامة تعاون إقليمي على مستوى سوق الغاز المتوسع في المنطقة.

كما يمكن أن تشير ثروات الغاز المحتملة في البحر الأحمر إلى وجوب اتخاذ قرارات أمنية إضافية بعيدا عن تلك المعتمدة لضمان حرية الملاحة.

واستجابة للديناميات الأمنية المتطورة في المنطقة، تستثمر القاهرة في تحديث أسطولها البحري القديم الذي يعود إلى الحقبة السوفييتية، وذلك لإعادة تأكيد نفسها كقوة بحرية.

وفي سنة 2016، دعمت مصر أسطولها بسفينتين حربيتين من طراز “ميسترال” لتصبح مراكز قيادة للأسطولين الشمالي والجنوبي اللذين أنشأتهما البحرية المصرية حديثا. وأضافت القاهرة فرقاطة فريم متعددة المهام ويقال إنها تعمل على شراء فرقاطتين أخريين من شركة فينكانتيري الإيطالية المملوكة للدولة.

كما أبرمت اتفاقيات لتلقّي ست فرقاطات “ميكو إيه 200” ألمانية الصنع، وأربع فرقاطات من طراز “جوويند”، سيتم بناء ثلاث منها في الإسكندرية، وتنتظر تسليم 20 زورقا للدوريات.

وتعمل مصر على تطوير قواعد مشتركة ذات موقع استراتيجي على ساحلها الشمالي الغربي بالقرب من حدودها مع ليبيا، وفي رأس بناس على الساحل الجنوبي الشرقي المطل على البحر الأحمر، وفي بورسعيد بالقرب من قناة السويس.

قد تحتاج القاهرة إلى مراجعة سياستها التقليدية والنظر في تطوير وجودها الاستراتيجي بطريقة تمكّنها من إبراز قوتها وتوسيعها من خلال التعامل مع شركاء مثل إريتريا. ومع ذلك، يسبب انحياز إريتريا المتنامي إلى مصر مخاوف إثيوبية وسودانية.

اندلع نزاع حول سد النهضة الإثيوبي بين القاهرة وأديس أبابا، وهو ما يهدد الأمن المائي في مصر. وتبقى العلاقات بين السودان، الذي يدعم السد، معقدة مع القاهرة بسبب نزاع لم يحل بشأن مثلث حلايب الذي يقع بالقرب من قاعدة رأس بناس الجديدة في مصر.

في المقابل، تبقى إثيوبيا غير ساحلية ولا تتمتع بأيّ خط ساحلي منذ أن انسحبت إريتريا منها في 1993 إثر نزاع عنيف أودى بحياة أكثر من 80 ألف شخص. وشهد الطرفان العديد من الاشتباكات الكبيرة كان آخرها في 2016.

وبعد بناء واحدة من أقوى القوات الجوية والبرية في أفريقيا، تثير رغبة أديس أبابا في إعادة بناء قدرة بحرية لحماية مصالحها في البحر القلق في إريتريا. ونظّم السودان وإثيوبيا عملية عسكرية مشتركة على طول حدودهما. وأرسلت الخرطوم الآلاف من القوات إلى حدود البلاد مع إريتريا ردا على نشر القوات المصرية في البلاد قبل ثلاث سنوات.

ترفض مصر الاعتراف بأيّ نية في التدخل في إثيوبيا والسودان. وعلى الرغم من حل البعض من الخلافات الرئيسية المتعلقة بالسد مع إثيوبيا عندما استضافت واشنطن محادثات شملت البنك الدولي، تبقى أدلة غياب الثقة بين الجيران الأفارقة قائمة وقوية.

فمع توسّع دور مصر في الأمن البحري الإقليمي، يجب أن تُبرز استراتيجيتها المستقبلية مشاركة أعمق في المسائل العسكرية مع شركائها الأمنيين مثل إريتريا. كما ستتعين عليها مواجهة نفس خصومها التقليديين الذين دفعوها إلى تعزيز وجودها العسكري الدولي في المقام الأول.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.