الوجه الآخر لجائحة كورونا
كتب د. النور حمد:
وسط حالة الفزع التي تنتظم العالم، الآن، تحت وطأة تفشي فيروس كورونا القاتل، تنصرف الأذهان، بسبب المخاوف، بعيدًا عن تأمل الجوانب الايجابية، لهذه التجربة القاسية. ولكل تجربة، مهما كانت فداحتها، جوانبٌ ايجابية. تحت عنوان، ” كيف سيبدو العالم عقب جائحة كرونا”، أعدت مجلة “فورين بوليسي”، الشهيرة، استطلاعًا للرأي، استنطقت فيه اثني عشرة مفكرًا بارزًا. وخلاصة ما احتواه ذلك الاستطلاع، أن هذه الجائحة ستغير العالم، الذي نعرفه، إلى الأبد.
أيضًا، قدمت قناة Wionews التلفزيونية الهندية، تعليقًا، ورد فيه أن بقاء الناس في منازلهم، أعاد للطبيعة بعضًا من عافيتها. وعلى سبيل المثال: عادت الدلافين إلى ساحل البندقية، بعد أن اختفت، من المرفأ، بسبب بواخر السياح التي كانت تزحم المكان. كما عرضت القناة وزة، مع صغارها، وهي تعبر، مطمئنة، مهبطًا للطائرات في أحد المطارات. أيضًا، استعادت مختلف الحيوانات حريتها في الحدائق العامة، بعد أن خلت من الناس. كما ذكرت القناة، أن السماء رجعت زرقاء، بعد أن قلت نسبة التلوث في الجو، بسبب اختفاء السيارات من الطرقات، وتوقف حركة الطيران في كثيرٍ من أجزاء العالم. وخلصت القناة إلى أن واحدًا من الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الجائحة، هي ضرورة تحقيق تساكنٍ عادلٍ بين البشر، والأحياء، التي تعيش في محيطهم. وكذلك، إعادة النظر في مجمل علاقة البشر بالبيئة، بعد أن اختلَّت كثيرًا.
لقد كان من الضروري أن يحدث أمرٌ جلل، لا يقع في نطاق وهم السيطرة، الذي رسخته حقبة الحداثة في عقول المفكرين، والسياسيين والاقتصاديين. فأصبح كثيرٌ من الناس يظنون أن من الممكن، باتباع بعض الاجراءات، والمعالجات، وعبر التطوير المستمر، وهندسة المجتمع، وفقًا لرؤى الرأسمال، يستطيع البشر أن يتحكموا في الطبيعة، من حولهم، وكذلك، في العلاقات التي تحكم صلتهم ببعضهم. جوهر هذا المفهوم، في العقيدة الرأسمالية، هو، باختصارٍ شديد: قهر الطبيعة، وقهر الإنسان، بلا حدود.
ضرب هذا الفيروس وهم السيطرة هذا، في مقتل. كما نسف في أيامٍ معدوداتٍ، الشح والتقتير الرأسمالي، المعهود، وتقديم الربح على رفاه الإنسان، والتقاعس المخزي للدولة عن تقديم الخدمات الصحية. فوضع الخدمات الصحية، في يد القطاع الخاص، وتركها لقوى السوق، تسبب في عجزٍ فاضحٍ في الاستعداد لمواجهة الكوارث. فبانت عورات مفهوم الدولة، ودوها، كما في أمريكا، كأبشع ما يكون. تناقش أمريكا، حاليًا، ضخ 2 تريليون دولار، لتحفيز الاقتصاد، لكي يتجاوز آثار هذه الجائحة. فقد تعرضت الأعمال التجارية؛ كبيرها وصغيرها، لخسائر فادحة. وأخذت الأسهم في البورصة في الانخفاض، مما يهدد استثمارات الملايين بالتراجع، أو بالتلاشي. كما أن معدلات البطالة سوف تزداد بسبب تعرض الشركات، وسائر الأعمال التجارية، للخسائر. ويمكن القول، إن هذه الجائحة سوف تعيد تعريف دور الدولة. كما ستغير العقيدة الرأسمالية، بحيث تصبح الأولوية للإنسان، وليس للربح.