محمد جلال هاشم: كيف تتنادون لموكب في سبت اليهود!
كتب د. عبد الله علي إبراهيم:
(يطرق إذني هجاء الدكتور محمد جلال هاشم، الزعيم في منظمة كوش والكتلة التاريخية ونائب وفد الجبهة الشعبية (الحلو ويسميها الحركة الشعبية في الميدان بينما يسمي حركة عقار هي الحركة الشعبية أونلاين) لمفاوضات الحكومة في جوبا، لوفد الحكومة وقحت ورميهم بالجهل حتى فضّل عساكر الحكومة الانتقالية عليهم. ومحمد جلال رجل يعتقد في نفسه الحكمة وفصل الخطاب. وكنت نشرت قبل نحو سنة نقداً لاعتراضه الشديد على قيام موكب 6 إبريل فالاعتصام استعرض فيه ملكاته في رسم التكتيك لجهاليل قحت. وبالطبع لم يسمع منه أحد. حمدا لله. ونجح الموكب وصار الأمر تاريخاً.
لا أعرف دور محمد جلال في رسم تكتيكات التفاوض في الحركة الشعبية. ولكني أنصحهم بأن يكون سماعهم لهم بنص عاقل ونص مجنون بعد سماعي لخطبته العصماء عن تشليع السودان شذر مذر لو لم تتنزل العلمانية برداً وسلاما. ولي نصح لهم استمده من المرحوم مصطفى سيد أحمد ونحن في مدني. قال لي يومها إنه، متى غنى، كان حريصاً أن يرصد حركة من يتوافدون عليه رقصاً وتبشيراً. فإذا رأى منهم أطرقاً أسرع نحو ضارب الطبل فغطاه ليحول دونه ودون رؤية الطروب الأطرق. فالغناء يفسد من الطبل. فغطوا يا أولي الألباب في الحركة الشعبية (في الميدان) ما بين محمد جلال والتفاوض تغنموا).
صك سمعي لغة في كتابات وأقوال زملاء في الحراك القائم. فبعضها لا يختار من الالفاظ الدالة على حالة إلا أقصاها. وكنت نقدت “خطيرة” الشيوعيين قديماً لأنها تُعلي سقف كل حالة منبئة بشيء، قلّ أم جلّ، من خطر إلى “خطيرة”. وكان بوسع المرء أن يقول “مشفقة” أو “مقلقة” أو “منذرة” أو “مما يخشى منه”. كما أن في كتابات وأقوال هؤلاء الزملاء شيئاً من الوصاية على الحراك تنضح أستاذية. أما لغة التعالم واستعراض الخبرة والحنكة والاستصغار فواجدة. وكنت أخذت على عادل عبد العاطي بشدة إزرائه بالتجمع في فديو باكر له. فسماهم “تجمع الزفتين” لشغلهم الفطير الذي إن دل إنما يدل إما على غباء أو هبالة أو عدم خبرة أو تواطؤ. واغتر الزفتيين، في قوله، وصاروا فوق النصح “سدو دي بطينة ودي بعجينة”. وسخر من حرفتهم الثورية في مثل حشودهم في السوق العربي حشداً لا يقره الثوري ذي المراس. وقول كثير آخر عرضنا له في مقالة سلفت.
ووجدت محمد جلال هاشم من نفس مدرسة عادل عبد العاطي في التعالم على التجمع وجلده بلغة مبرحة . . . وبزيادة. فكتب في يوم 5 أبريل الماضي (2019) يحتج على قرار تجمع المهنيين تسيير موكب 6 إبريل للقيادة العامة. فاليوم، في قوله، يوم سبت عطلة كانت ستقل أعداد الحشد فيه. وفصّل محمد جلال حجته تفصيلاً نتجاوزه هنا. وعليه رأى في القرار خطأ قاتلاً وغير مغتفر يقدم خدمة مجانية للأجهزة الأمنية. فلن يكون للمتظاهر سبب للتواجد في المناطق القريبة من القيادة في يوم عطلة. وعليه جرده التجمع بذلك من حبك قصة للأمن لسبب وجوده تنجيه شرهم.
ورد محمد جلال الخطأ القاتل في قرار حشد 6 إبريل للجنة الميدان بالتجمع العامرة بالكوادر غير المدربة علاوة على استغلاقها التام و”انحسار قدراتها في التعلم من أخطائها”. فليس لهذه الكوادر خبرة عملية بالمظاهرات لميلادهم في دولة الإنقاذ التي خلت من المظاهرات إلا في سبتمبر 2013. علاوة على وجود من يخطط للمظاهرات من بينهم وهو من وراء البحار، أو من عادوا مؤخراً للسودان ” وهم بالتالي لا يعرفون جغرافيا الخرطوم الكبرى إلا من خرائط قوقل الأرض Google Earth. “. وهذا إسراف من حيث نظرت له.
ومعلوم الآن النجاح غير المسبوق لحشد 6 إبريل التاريخي. ولا غضاضة أن اعتقد محمد جلال غير ذلك في يومه لولا حموضة لغة كلمته والتعالم فيها. ولكن ما يمض المرء أن يعود محمد جلال في مقاله ليوم 13 إبريل يملي على تجمع المهنيين ما يستوجب عليه عمله في إطار الاعتصام. ولم يتفضل بكلمة ولو عابرة لا يذكر فيها خطأ تقديره عن فشل الموكب فحسب بل ليزيل وعورة لغته الكأداء بحق التجمع أيضاً. فعاد إلى التعالم على التجمع كأن شيئاً لم يكن. فرأى في قبول التجمع التفاوض مع المجلس العسكري وهناً. وهو “وهن سوف يدفع السودان ثمنا غاليا بسببه”. وقال إن في جلوس التجمع وحلفائه مع البرهان وحميدتي “عاراً” “إذ ليس بعد هذا من خيانة للثورة أكثر من هذا”. ورأى في إشادة التجمع بموقف الدعم السريع في حمايته الباكرة للاعتصام ايغالاً “في الضلالة إلى ما وراء خط إبليس”. وجاء محمد جلال، ضمن شروط عشرة ملزمة التنفيذ بواسطة المجلس العسكري قبل جلوس التجمع إليه، “أن يعلن عن ضرورة استعادة الوحدة مع دولة الجنوب الشقيقة، أكانت وحدةً اندماجية ام وحدة كونفدرالية بين دولتين مستقلتين”. ومن جانب واحد يا محمد!
اللغة مورد لبناء الزمالة في الأشواق والثقة في بلوغ الغايات. واستغربت لمن هم في ملكة زملائي في التعبير والسياسة معاً يسرفون في العبارة مثل هذا الإسراف بحق منظمة جددت الأمل في عروقنا القديمة وفي عروق التاريخ: أشعل التاريخ ناراً فاشتعل.