مدارس أم كناتين؟

0 64

كتب د. النور حمد

ما ينبغي أن يمر يومٌ، من هذه الفترة الانتقالية، من غير أن نتذكر فيه شيئًا، من ركام الانقاذ، من البلايا. فإبقاء ذاكرتنا حاضرةً، ومتَّقدة، على الدوام، يمنع الارتداد إلى الماضي، ويحول دون تكرار أخطائه. اندفعت الإنقاذ في خصخصة التعليم، اندفاعًا أهوجًا. رغم أن معظم كوادر الإسلاميين هم من أبناء الريف، الذين تلقوا تعليمًا مجانيًا في مدارس داخلية، أنفقت على معاشهم وسكنهم، بل وحتى على ترحيلهم إلى ذويهم، في العطلات. إلا أنهم تنكروا لهذا الكرم المجتمعي، الذي لولاه ما وصلوا إلى السلطة. بل، ما عرفوا عيش المدن، أصلا. ما أن أمسك الإسلاميون بالسلطة، التفتوا، إلى هذا النظام التعليمي التكافلي، العظيم، وقاموا بهدمه. فتحول التعليم من حق أساسي، إلى امتياز، لا يناله إلا من ملك المال. ومن لا يملك المال، عليه أن يبعث بفلذات كبده إلى المدارس الحكومية، حيث جعلوا التعليم شبيهًا بعدمه.

لأمرٍ في نفس يعقوب، انصاع الإسلاميون لسياسات البنك الدولي، في الخصخصة، بصورةٍ تتجنب أغلبية الدولة النامية تنفيذها بحرفية. ولم يكن غرض اتباع نهج الخصخصة تحقيق النمو، كما تزعم الرأسمالية. وإنما فتح الباب لمنسوبي الحركة الإسلامية، لامتلاك المدارس الخاصة، والمشافي الخاصة، ليغتني أفراد التنظيم. لم يكفهم احتكار مناصب الدولة، والتحكم في سلطة القرار، فأضافوا إلى ذلك، تخريب التعليم، والنظام الصحي، حتى يتحول الناس إلى مؤسساتهم، الصحية والتعليمية ذات الطبيعة التجارية. استخدم الإسلاميون سلطة القرار لتكسير مرافق الملكية العمومية، لتتحول الدولة برمتها، إلى مرتعٍ للنهب المنظم.

للمدرسة معايير تقوم عليها بنيتها المادية؛ من مباني، ومرافق، وميادين، إلخ. وتحسب المساحة الكلية للمدرسة بصورةٍ تتناسب مع عدد الطلاب. لذلك لا ينبغي أن يسمح بتحويل عمارة أُنشئت أصلا لتكون سكنيةً، أو تجاريةً، إلى مدرسة خاصة. لأن لحجرات الدراسة مقاييسها، وللممرات مقاييسها، وللميادين الرياضية المختلفة، نسبتها المتوافقة مع مساحة المبني، ومع عدد الطلاب. فلكل طالب مقدار محدد من الأمتار المربعة، يجري على أساسه حساب المساحة الكلية للمدرسة. فالمدرسة ليست مكانًا لحشو الأدمغة بالمعلومات. وإنما مجالٌ محسوبٌ، بدقة، لتحقيق النمو على مختلف الصُعد. فهناك النمو البدني، والنفسي، والعقلي، والجمالي، والروحاني، وغيرها. ويجب أن يخدم تصميم المدرسة، وتوفر مرافقها الفرصة لكل هذه الجوانب المتعلقة بالنمو.

أفقر الإسلاميون المدارس الحكومية القائمة، من كل شيء، حتى أضحت أشبه بالخرائب. كما أفقروا معلميها، بعد أن اجتذبوا كثيرين منهم، إلى مدارسهم الخاصة. ولم يفت عليهم أن يجعلوا من التعليم وسيلة للمباهاة، كما الأعراس. ينبغي، أن تعمل الفترة الانتقالية، وما يليها على مراجعة التعليم الخاص، وإعادة تأهيل التعليم الحكومي من جديد. لا بأس أن يكون هناك تعليم خاص، لكن، على أسس جديدة. ينبغي أن تنشأ المدرسة الخاصة مستوفية لكل المواصفات منذ البداية. فالمدرسة ليست كنتينًا يُفتح في أي مبنى أو بيت في الحي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.