الشرعية الثورية والشرعية الدستورية

0 116

كتب: د. النور حمد

الشرعية الثورية حالة، استثنائية، مؤقتةً، ولا ينبغي أن تصبح حالةً مستدامة. فإذا كانت الثورة تهدف أصلًا إلى إحداث تحولٍ ديمقراطي، فإن الشرعية الثورية تبقى، بالضرورة، حالةً مؤقتةً، عابرة. ولا تكون الشرعية الثورية حالةً مستدامةً، إلا في حالة الثورة التي تود أن تأتي بنظامٍ شمولي، كالنظام الشيوعي، الذي يهدف إلى ترسيخ واستدامة ديكتاتورية البروليتاريا، مثلا. لكن في الحالتين، تتحقق الشرعية الثورية، نتيجةً لتفويض الشعب، قيادة الثورة، عقب ثورةٍ شعبيةٍ، حاسمةٍ، أن تشرِّع، وتفعل ما تراه خادمًا لأهداف الثورة. فالثورة إنما تعني التقويض الكامل لأركان النظام القديم، أو هكذا ينبغي أن تكون. أي، أنها تلغي القوانين، والإجراءات، التي كانت تسند فساد النظام القديم، وتحول بين الشعب وبين إنفاذ إرادته.

إذن، لابد أن نفرق بين الشرعية الثورية، التي تأتي نتيجةً لثورةٍ تهدف إلى تحقيق تحولٍ ديمقراطي، وبين الشرعية الثورية التي تأتي نتيجة لثورةٍ تريد تغيير النظام القديم بنظام شمولي ديكتاتوري. فالثورة التي تهدف إلى تحول ديمقراطي، تنتقل من الشرعية الثورية، إلى الشرعية الدستورية. أما التغيير على نسق النظريات الشمولية، كالشيوعية، أو ما يشبهها، كالبعث العربي، بكل أطيافه، فإنها تنحو إلى جعل الشرعية الثورية، حالةً مستدامة. ولقد بلغ التدليس، في هذا المنحى، درجةً سُمِّيت بها الانقلابات العسكرية، التي حدثت في البلدان العربية، “ثورات”. من أمثلة ذلك: انقلاب جمال عبد الناصر في مصر، الذي سمي، “الثورة المصرية”. وانقلاب البعث في العراق، الذي سمي “ثورة تموز”. وانقلاب سوريا، الذي سُمي “ثورة آذار”، وقد تلته انقلابات أخرى. وكذلك انقلابا نميري وقذافي، في كل من السودان، وليبيا، اللَّذيْن سميا، “ثورة مايو”، “وثورة الفاتح من سبتمبر”. وأيضًا، انقلاب الإسلاميين في السودان الذي أسموه، “ثورة الإنقاذ”. أما ثورة الخميني التي كانت، بالفعل، ثورةً شعبيةً، فقد استبدلت النظام الملكي، الشمولي، بديكتاتوريةٍ، دينيةٍ، مدنية.

يبدو أن طيف اليسار العريض، الذي سيطر على قوى الحرية والتغيير، وأصبح الحاضنة السياسية، للحكومة الانتقالية، التي أعقبت ثورة ديسمبر العظيمة، لا يزال أسيرًا للتصورات الماركسية/البعثية للشرعية الثورية. انشغل اليسار بالفترة الانتقالية، وكأنه سيمارس شرعيةً ثوريةً مستدامة. لم تنشغل أي من مكونات قوى الحرية والتغيير، بما يعقب الفترة الانتقالية. فإذا لم تتحول الثورة، عبر تحالفٍ ثوريٍّ عريض، إلى قوةٍ انتخابيةٍ، كاسحةٍ، تكسب الانتخابات المقبلة، فإن كل الإجراءات التي جرى اتخاذها، عن طريق الشرعية الثورية، تبقى عرضةً للنقض بواسطة القوى المعارضة للثورة، حين تملك هي الشرعية الدستورية. ولا يبدو، إلى الآن، أن هناك ما يمكن أن يحول بين القوى المعارضة للثورة، وبين أن تكسب أول انتخاباتٍ تجري في الديمقراطية الرابعة. حين يحدث هذا، وهو الأرجح عندي، فإن الأمور ستعود، كرة أخرى، إلى نقطة الصفر. أثبت دروس التاريخ، أن قصر النظر، والانحصار في الأهداف الآنية، والتشرذم، تجهض الثورات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.