في انتظار الحاكم العام!!
(1)
لو أن مجلس الأمن الدولي، وعواصم القرار، والأمين العام وكبار موظفيالأمم المتحدة كانوا حريصين فعلاً على تقديم عون حقيقي للحكومة المدنيةوللشعب السوداني في مواجهة التحديات البالغة الخطورة التي تهدّد الفترةالانتقالية لأبدوا اهتماماً واستجابة فعلية لأولوياتها ولو بنسبة واحد في المائةمن الحماسة والاندفاع الذي أظهروه في الاجتماع العالي المستوى الجمعةالماضي الذي خلص سريعاً إلى ضرورة إنشاء بعثة للأمم المتحدة بنهايةمايو لتخلف بعثة يوناميد المنتهية ولاياتها بتفويض واسع لا ينقصه سوىإرسال حاكم عام إلى السودان ليقوم على تنفيذ استحقاقات الوثيقة الدستورية، لم لا وقد تبرعت الحكومة المنوطة بها القيام بهذا الواجب الوطني بدعم شعبي غير مسبوق باستدعاء تدخل دولي بلا مبرر متعجلة للإقرار بعجز ذاتي لم تكن مضطرة له أبداً، أو ربما لـ(حاجة في نفس يعقوب).
(2)
أدرك أن ما انتهيت إليه من خلاصة آنفاً صادم حقاً، ومخالف لتقاليد الكتابةالدبلوماسية الناعمة في شأن العلاقات الدولية، ولكن تبعات هذه التطوراتعلى السودان في حقيقة أمرها، لا تترك مجالاً لهذا الترف، والفرجة في وقت تكاد تنتقل فيه البلاد بعد أكثر من ستة عقود من الخروج من واقع(الاستعمار) إلى العودة على أجنحة (الاستحمار) بامتياز،ولم ألق هذا القولعلى عواهنه خبطة لازب، بل سأقيم بالدليل القاطع في هذا المقال وسلسلةتتبعه إن شاء الله، ما يؤكد أن هذه العجلة والاهتمام بالمسارعة إلى إيجاد موطئ قدم راسخ لبعثة سياسية دولية في السودان قد يكون له ألف سبب في حسابات بعض العواصم التي تقف وراء مشروع هذا القرار، لكن من المؤكد أنه لا يضع اعتباراً لأولويات الأجندة الوطنية السودانية في إنجاز استحقاقات الانتقال على النحو الذي يحقق تطلعات الشعب السوداني.
(3)
وحتى لا نبدو كمن يرجم بالغيب في تحليل هذه التطورات في وجه الدلائل المتزايدة على انحرافها مما يبدو (أهدافاً نبيلة) أشارت إليها وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة روزماري ديكارلو وهي تعلن في إفادتها أمام مجلس الأمن الجمعة الماضية (علينا أن نفعل كل ما بوسعنا لدعم الانتقال والشعب السوداني)، علينا أولاً أن ندقق النظر في إفادات تحمل إرهاصات خطيرة أوردها المندوب الدائم للسودان في الأمم المتحدة السفير عمر صديق في بيانه أمام الاجتماع ذاته، وأشير هنا إلى فقرتين لافتتين، فقد أوضح في الفقرة الأولى (التحسّن المطرد للأوضاع في دارفور، وأن الحكومة تبذل جهوداً كبيرة في هذا الإطار، وقد شرعت في وضع استراتيجية لحماية المدنيين، ومخاطبة جذور النزاع، وتعزيز حقوق الإنسان، وبناء سلام مستدام من منطلق أن الأولوية في ذلك تقع على عاتق الحكومة السودانية التي تملك الرغبة والقدرة للقيام بذلك).
(4)
أما الفقرة الثانية اللافتة في بيان المندوب الدائم فهي قوله (إن السودان قد تقدم طوعاً بطلب إلى الأمم المتحدة لإنشاء بعثة تخلف اليوناميد وفقاً لخطاب السيد رئيس الوزراء الثاني بتاريخ 27 فبراير 2020 الذي حمل رؤية كافة مكوِّنات الحكومة الانتقالية، والذي فصّل في توضيح نوع الدعم المنشود من المجتمع الدولي والأمم المتحدة للسودان بعد خروج اليوناميد، وبما ينسجم مع الأولويات الاستراتيجية للحكومة الانتقالية).
مضيفاً (لذلك فإن هذه البعثة يجب أن تُنشأ بشكل شفاف وتشاوري يضمن المِلكية الوطنية للبعثة وتكون وفقاً لمقتضيات الفصل السادس من الميثاق،مشدّداً على أن أي نقاش حول الفصل السابع، أو نشر عناصر شرَطَية أو عسكرية وفقاً له، لن يكون مقبولاً لدى الحكومة السودانية).
(5)
حرصت على إيراد هاتين الفقرتين تأكيداً على أي نقاش في هذا الأمر يجب أن يستند إلى علم بما يجري وراء الكواليس، منعاً للتناول السطحي لهذه القضية الذي يدور في كثير من الوسائط بحماسة مع أو ضد هذه التطورات دون وعي أو معرفة كافية بالخلفيات والمعطيات والتبعات والتداعيات المترتبة عليها.
والسؤال الملحّ الآن ما هو السبب الذي دعا المندوبية السودانية في الأمم المتحدة على إبراز هذه المواقف المنذرة في بيانها، على الرغم من أن كل هذه الترتيبات المعلنة المتسارعة الخطى تجري تحت لافتة أنها استجابة لطلب من السيد رئيس الوزراء، فما الذي حدث وغير بوصلة التوقعات؟
هذا ما أرجو الإجابة عليه في المقال القادم بإذن الله.