إبراهيم غندور: بروفسير خلاء
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
احتج صديق على صفحتي في الفيس بوك على البروفسير إبراهيم غندور في أمر لا يصح من أكاديمي في مقامه. فقلت مشاغباً “لعله بروفسير خلاء”. ولم يطرأ لي أن عبارتي الشليقة ستصدق. فلو يذكر القارئ أنه شاعت منذ ديسمبر 2019 كلمة له على صفحته بالفيس بوك طالب فيها بالإسراع بإعلان نتيجة التحقيق في مقاتل شهداء ثورة ديسمبر. وزاد يقرع قيادة قحت: “نرجو أن تسرعوا في التحقيق فيمن قتل الشهداء، نحن ننتظر ذلك لجنة وراء لجنة، الذين خرجوا يطالبون بالقصاص للشهداء، أنتم تركتم ذلك من خلفكم، كل همكم الآن الوظائف. تركتم دماء الشهداء الذين كانوا سبباً في أن تكونوا أنتم في السلطة الآن”.
في عبارة غندور تفكير غير سوي أو ملتو (crooked thinking) ليس من سمت البروفسير. ولا يحتاج المرء في مواجهة عدم استوائها سوى القول: “وأنت مالك؟”. فقاتلهم لا تُضوى له نار وهو المؤتمر الوطني المحلول الذي تريد انعاشه في غلاط صريح مع التاريخ قبل أن يكون تحدياً للدولة تقع به تحت طائلة القانون. ونصبت نفسك رئيساً له من بعد خمول عودتك لهيئة التدريس وكان رئيس المؤتمر نحاك بلا حنان من مناصبك في الوزارة والمؤتمر الوطني نفسه لأنك جرؤت تلتمس ميزانية لوزارة الخارجية علناً. وقلت يومها إنك غادرت المسرح السياسي عائداً إلى “الطبشيرة”. وتأبى الفطرة السليمة مثل التواء فكر غندور من وراء مطلبه المغرض. وتجد أدناه بعض الأمثال السائرة على لسان عامة السودانيين تستهجن مثل مطلبه:
-شهراً ما ليك فيهو نفقة ما تعد أيامو
-التركي ولا المتتورك
-تقتل القتيل وتمشي في جنازته
-ضيق النفاسة على جنى الناس.
وكثير غيرها.
وبالطبع لا يقصد غندور هنا صدقاً التحقيق في مقاتل الشهداء. فغاية الأمر هو النيل من قحت التي رمت بنظام المؤتمر الوطني، حزبه، إلى قارعة الطريق. ومتى كان هذا مأرب غندور فيؤسفني القول إنه إنما يبتذل التحقيق ابتذالا. وهو ما لا تنتظره من طبيب ناهيك من مسلم وأكاديمي وسياسي تهادته مناصب دولة الاستبداد.
وفي السياق احتج غندور في تغريدة أخيرة على أمثالي ممن طالبوا بالتحقيق معه في الانتماء إلى حزب محلول. ولم يصدق في النقل عنا لقوله إننا أردنا منعه من “ممارسة حق(ه) الطبيعي حتى في التعبير عن رأينا” بينما غاية مطلبنا منعه الحديث باسم جماعة محلولة أوسعت شباب السودان قتلاً قبل أن تأوي إلى مزبلة التاريخ. وهم من طالب غندور التحقيق في مقتلهم برأفة منافقة. فَعَبّر يا غندور ما شئت عن نفسك. وصح في الرُبى والوهاد. ومتى اتفق لك أن تستعيد المؤتمر الوطني وتعبر عنه بذريعة حق التعبير فأعرض مسألتك على القضاء . . . وبس.
ترسف طائفة كبيرة من قيادة المؤتمر الوطني المحلول مثل أنس لغاليغو في وهم أنه لم يولد بعد الذي يزيحهم من ميدان السياسة. فثورة ديسمبر في عقيدتهم حلم مزعج صحوا منهم ليستأنفوا حزبهم لا ضرر ولا ضرار. وربما طرأ لهم أن وجودهم خارج السجن ترخيص لهم ليرتكبوا ما شاءوا من الموبقات. ولكن عليهم ألا يغرب عن بالهم أنهم أعانوا على النظام التي تجري محاكمة رموزه. فهم شركاء في الجرم. وعقوبتهم التي اتفقت للثورة هي حل حزبهم ليصيحوا في الربى والوهاد إن أرادوا.
تثير مقالة أخيرة للكاتب الأمريكي المحافظ جورج ويل عن الرئيس ترمب اهتماماً كبيراً في الدوائر السياسة. وفيها مشابه لما أنا بصدده هنا. وجاءت الكلمة بعنوان “لابد لترمب أن يغادرنا وفي معيته من أعانوه على أمره”. واستغرب الناس من كاتب محافظ يقسو لا على ترمب وحده بل على أزلامه. فقال إن على الناخبين الأمريكيين أن يسقط من مكنوا له من أعضاء الكونغرس في الانتخابات في نوفمبر القادم. ولم يخف احتقاره لهم بل واشمئزازه منهم. فوصفهم بأنهم الذين ما يزالون “يتقافزون عند ركبتي ترمب بجوع كلبي للتربيت على جسدهم”. وسمعته يقول لمذيعة على سي إن بس سي إن العقوبة المستحقة لهم هي نفس عقوبة الوالدين للطفل المشاغب وهي العزل لوقت معلوم (time out).
ولم نزد مع المؤتمر الوطني عن عزله حتى يرعوى. ولو كان بالسودان ديمقراطية تداول السلطة تحت الإنقاذ لكان عزله كحزب معارض بحكومة ظل. واضطررنا بالنتيجة لخلعه خلعاً كضرس مسوس بثورة فادحة التكلفة. فلا يتوهمن غندور والعشرة الكرام ممن تحلقوا عند ركبة البشير بشره كلبي ليربت لهم على أعناقهم أن “تايم أوتن” هذر.