حمدوك.. هذا كل ما يتوقعه الشعب بشأن قراراتك المرتقبة

0 70

كتب: صلاح شعيب

 

جميل أن يستبق رئيس الحكومة د. عبدالله حمدوك مسيرات الثلاثين من يونيو بخطاب استهدف إشفاء غليل الثائرين عشية ما مقبل الحدث. ولعل توقيت بث الخطاب، ومضمونه، نفسه يحمل دلالة على شئ. فلا بد أن حمدوك قد أدرك تقصير حكومته لعوامل ذاتية، وموضوعية، في كثير من الملفات، وسعى لطمأنة الشارع بأنه سينهض هذه المرة مكشراً عن أنياب الحكومة. وليكن. فالمتوقع أن تكون وعود حمدوك هذه المرة مستجيبة لتطلعات هذه الملايين التي صبرت على الحكومة، ومكونها، ولم تنقلب عليهما بعد.

فلا بد لحمدوك أن يفرض شخصيته على تنمرات المجلس السيادي في جزئيته العسكرية، على الأقل، وقوى الحرية التغيير على بعض سياسته، وإلا فالأشرف له، ولوزرائه، تقديم الاستقالة إن لم يقدروا على فرض الإصلاح بمنظورهم. فلا حاجة لحمدوك، ووزرائه، للبقاء إذا كانوا يستجيبون لتنفيذ سياسات عليا لا يقتنعون بها.
إن الشعب يتوقع أن تأتي قرارات الحكومة المرتقبة لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية، وأهمها المجلس التشريعي، والمفوضيات، وحكام الأقاليم. والثابت أن الحكومة، وجهات أخرى، تتحمل مسؤولية التأخير في هذا الاستكمال الحيوي. بل إنها تتحمل الجزء الأكبر. فقد كان أمام حمدوك الفرصة لتحقيق نجاحاته بأن يفرض على الشركاء أمر تعيين الولاة، وعضوية التشريعي، ورؤساء المفوضيات، حتى إن تم التوصل للسلام يمكن كذلك استكمال العضوية. ولم يكن هناك شئ يمنع اتخاذ إجراءات كهذه، خصوصا أننا لا ندرك حتى هذه اللحظة مصير مفاوضات السلام التي تجاوزت الفترة التي وعد بها حمدوك لإنهائها. ولعله من شأن هذه الاستكمال الدستوري أن يعجل بتحقيق تقدم في ملف السلام.

إن تفعيل العدالة بند مهم ضمن شعارات الثورة. فبعد عام من إمساك الحكومة بزمام الأمور ما يزال البطء غير المبرر هو ديدن حركة النائب العام، برغم مجهوده المثمن جداً. فنحن نتفهم ضرورة التأني في إجراءات تقييم القضايا، وأخذ التحريات، وتجميع البينات، ورفعها لمنصة التقاضي. ولكن لا يمكن تخدير الرأي العام بتكوين اللجان ثم تنتظر من الناس تناسيها مع الزمن. ونذكر هنا أن هناك العشرات من اللجان، والتي من بينها واحدة معنية بالتشويش على خطاب حمدوك نفسه حين قطع التيار الكهربائي، فما الذي يجعل هذه اللجنة تقضي ستة أشهر دون معرفة الجاني.؟!

أما بالنسبة لقضايا مناطق النزاع فما تزال حكومة الثورة مرتبكة في تحديد تسليم، أو عدم تسليم، المتهمين للمحكمة الجنائية الدولية. فعلى حمدوك أن يكون شفافاً، ويخرج للناس بإعلان موقف حكومته البائن في هذا الأمر الذي يخص الضحايا، ونأمل أن تأتي قراراته لتقضي بتسليم المتهمين للمحكمة. إذ لا نتوقع أنه إذا كانت لجنة واحدة من لجان الحكومة التي تبحث في جريمة اغتيال رئيسها تقضي عاما دون أن تخرج للرأي العام بتقريرها، أن تقدر الأجهزة العدلية للاقتصاص لجرائم الإبادة، وجرائم الحرب، التي ارتكبها قادة الإخوان المسلمين في إقليم دارفور، وبقية مناطق النزاع.

الحقيقة أنه لولا لجنة التمكين التي أعفت الحكومة من حرج اتخاذ قرارات ثورية لتنظيف جهاز الدولة لأصبح أداؤها صفرًا في التخلص من كادر الإخوان العدائي للثورة في القطاعين العام والخاص. فالإصلاح في الخارجية، والإعلام، والاقتصاد، تحديدا لم يكن بالمستوى المطلوب. وما يزال ممثلونا في المنظمات الإقليمية، والسفارات، ضمن من دارت حولهم شبهات في اغتيالات طلاب العيلفون، ومجزرة شهداء رمضان. ومثالًا، فما الذي يمنع الحكومة من المطالبة بسحب كمال حسن علي، وهو واحد من المتهمين بأنه من عتاة مجرمي النظام السابق؟ فهل مجرد مطالبة فقط تحرج البلاد مع الجامعة؟.

وبالنسبة لوزارة الإعلام والثقافة فما تزال الثورة بحاجة إلى فلسفة فكرية، إعلامية، تشارك فيها كل قطاعات المجتمع، والمختصون، لتتنزل على مستوى الأجهزة الرسمية، والخاصة، ومراجعة القوانين الإعلامية التمكينية التي ورثناها، وما برحت تحكمنا. كما أن هناك حاجة للاستعانة بكوادر ثورية على مستوى الكادر القيادي الوسيط في كل الوزارات، ودعم الإعلام الإليكتروني المعني بتثبيت مكتسبات الثورة. ونذكر بأن الثورة بحاجة إلى كادر إعلامي مدرب في الميديا الحديثة لحمايتها. وهنا ينبغي تعيين مئات الثوار الشباب في وزارة الإعلام لمواجهة أكاذيب الفلول، وللدفاع عن الثورة وهي تواجه بعشرات المواقع التحريرية الجديدة للفلول. وهذه المواقع التي تدس السم في الدسم تسعى إلى خلق رأي عام متذاكٍ لضرب مصداقية أداء الحكومة المهني، وذلك حتى يسهل ضرب التغيير إجمالا. أما أداء الوزراة المعنية بشؤون الثقافة، والسياحة، فحدث ولا حرج. ولم تستبن حتى الآن رؤى واضحة لتثوير هذين المجالين.

إن المتوقع من قرارات حمدوك أن تولي أمر الاقتصاد اهتماما كافياً. والواقع أننا ندرك ثقل التركة في هذا الجانب في ظل دمار مشاريع الإنتاج. ولا نغالي بأن تخلق الحكومة البديل في أشهر معدودات بالضرورة. وندرك، أيضا، أن لجنة التمكين قد أعانت المالية بموارد مستردة، وأن رئيس الحكومة، وطاقمه، بذلوا جهدًا على المدى البعيد لاسترداد العافية للاقتصاد السوداني بمدخل ترميم العلاقات الدبلوماسية إقليميا، ودوليا.

ولكن هناك اقتراحات اقتصادية بناءة طرحها اقتصاديون لم تجد آذانًا صاغية لدى وزارة المالية. ومع التسليم بمهمة التواصل مع العالم الخارجي نلاحظ إهمال الحكومة أمر المؤتمر الاقتصادي السوداني. إذ فيه تنصب جماع الرؤى الاقتصادية الشاملة، والمتفق عليها للتنفيذ، خصوصًا أن بلادنا تذخر بعقول اقتصادية من شتى المدارس. ولدينا الكثير من الخبراء المحليين، والدوليين، في هذا المضمار، وهم مستعدون للإسهام، ولا يقلون عن خبراء الحكومة معرفة بشؤون الاقتصادي الكلي، أو الجزئي، إن لم يفوقوهم معرفة، وثورية.

وأخير نأمل أن تأتي قرارت حمدوك، والجوهر فيها الضغط من أجل عودة جنودنا من اليمن الذين تآكل الأمة الآن من ثدييهم، ويا للخيبة!. فكل مكونات الشعب السوداني تدرك أن إرث البشير الارتزاقي على المستوى الجيوبولتيكي باقٍ، ما يزال. فثمن فك ضوائق الوقود، وتأمين الخبز، هو الدم الغالي الذي ينذرف من جسد قواتنا هناك. ويشرفنا أن نموت جوعًا من أن نرضى بأن تستطعمنا اليد التي تشتري دماء أبنائنا المغلوب على أمرهم، وهم يفترشون هضاب اليمن ويلتحفون رحمة صواريخ الحوثي. أنهض يا حمدوك، وطاقمك، لكرامتنا للضغط على العسكر، ووراؤك كل شباب هذه المليونيات، حتى ندفن هذا الخزي، والعار. ونحن في انتظار فحص قراراتك الموعودة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.