سيرة في مسيرة مهنية
كتب: جعفر عباس
فور انتهاء آخر امتحان لي كطالب في آداب جامعة الخرطوم حصلت على وظيفة مدرس لغة انجليزية بالمرحلة الثانوية، التدريس بعد الخروج من السجن وطلب مني مدير عام وزارة التربية دهب عبد الجابر ان أعمل جوكي: إذا حصل اضراب في مدرسة ما بسبب عدم وجود مدرس لغة انجليزية ذهبت اليها الى حين توفير معلم وثابت وخلال أشهر قليلة عملت في مداس الاحفاد والأم بنات والمعهد العلمي في ام درمان والطلحة الزراعية (المناقل)، ثم التجارة الثانوية الخرطوم، وفي عامي الثاني هناك كنت قد فزت بوظيفة ضابط إعلام / مترجم بالسفارة البريطانية بدرجة سكرتير ثالث ثم قررت الخارجية البريطانية الاستغناء عني لأن وجودي فيها يحرجها مع حكومة نميري بحكم انني دخلت السجن كمعارض لها.
وعادت العرجاء الى مراحها في وزارة التربية ونقلوني الى بحري الثانوية بنين وفي سنتي الثانية هناك تم اختياري لبعثة دراسية في بريطانيا لدراسة فنون التلفزيون وبعد العودة من هناك والعمل في التلفزيون، صرت مترجما في شركة أرامكو النفطية في الظهران بالسعودية، ولكن كان من شروط العمل عدم استقدام غير الامريكان لزوجاتهم للإقامة المستمرة، فتركت أرامكو وعدت الى السودان وعملت في مدرسة الكنيسة الأسقفية القريبة من مستشفى ام درمان، وذات يوم قابلت مصادفة زميل الدراسة عثمان عوض حمور، الذي استهجن تركي لأرامكو ثم فاجأني بعد نحو أسبوع بتأشيرة دخول الى قطرـ فطرت اليها وعملت مدرسا لأشهر قليلة ثم مترجما مع جريدة غلف تايمز الإنجليزية ومجلة الدوحة.
بعد 365 يوما في قطر سافرت مع زوجتي الى دبي لزيارة أختها وأثناء تقليب صحيفة الاتحاد الأماراتية وجدت عليها اسم صديقي طه النعمان واتصلت به في الجريدة وعرض علي زيارته في أبوظبي فتوجهت الى هناك وفي مبنى مؤسسة ا”لاتحاد” حيث كان يعمل عرفني بمحمد عمر الخضر مدير تحرير إمارات نيوز الإنجليزية الذي عرض علي العمل معه فخضعت لاختبار وخلال ساعتين كان قد قدم لي عرضا وظيفيا فرجعت مع المدام الى الدوحة حيث قمت بتشليع بيتي (اشترى الأثاث الصديق الراحل المطرب الرائع محمد كرم الله)، وبعد العمل 4 سنوات في الصحيفة الإنجليزية انتقلت الى الاتحاد العربية، وخلال تلك الفترة فزت بعطاء تعريب مؤسسة اتصالات الإماراتية وهي مهمة استغرقت سنتين، بنيت من حصيلتها بيتا في مربع 18 في الحاج يوسف، وخلال تلك الفترة قمت أيضا بترجمة كتابين عن صناعة النفط في الخليج من تأليف وزير النفط الاماراتي د. مانع سعيد العتيبة الى الإنجليزية وكتاب عن جغرافيا اريتريا لعثمان صالح سبي قائد احدى فصائل تحرير اريتريا.
ثم جاء وفد من مؤسسة الاتصالات القطرية الى أبو ظبي يبحث عن رئيس لقسم الترجمة وجلست للامتحان وفزت بالوظيفة واعتبرتني زوجتي مجنونا لأن الراتب كان أقل من راتبي في الجريدة ب600 ريال، ولكنني ركبت رأسي والتحقت بالمؤسسة القطرية وبعد سنة كرئيس لقسم الترجمة ضموا الي العلاقات العامة، وأثناء تلك الفترة ولدت الزاوية المنفرجة على صفحات جريدة الشرق ولما طلب تلفزيون بي بي سي العربي صحفيين خضت المنافسة وفزت بوظيفة واعتبرتني زوجتي “مجنون رسمي” لأن وضعي المادي والأدبي في قطر كان أكثر من مريح، ولكن ولأنني كنت وما زلت “راكب راس” فقد قلبت بالوظيفة لأنني كنت أدرك ان وضع اسم بي بي سي في سيرتي الذاتية لا يقدر بثمن، وبعد عامين هناك عدت الى مؤسسة الاتصالات القطرية ثم التحقت بقناة الجزيرة، وخلال عملي هناك تم تكليفي بالاشتراك في تأسيس وكالة الاعلام الخارجي بوظيفة مدير تحرير، وبعدها بسنتين كلفوني بتأسيس قسم الجودة التحريرية في الجزيرة وترأست القسم لتسع سنوات ثم تم نقلي الى مكتب رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية.
ليس الغرض من عرض جانب من سيرتي الذاتية هو التباهي، فلست ممن يتباهون بالوظيفة او الراتب، ولا يغيب عن بالي قط انني قروي وابن والدين بسيطين من بدين، وانني كنت استحم في الطشت حتى سن ال16 بنفس قطعة الصابون المستخدمة لغسل اواني المطبخ والملابس، وأنني عملت يوما ما في مختبر طبي مسؤولا عن استلام “العينات”، وعاملا في متجر احذية باتا اساعد الزبائن على ارتداء وتجريب الأحذية، ولكنني حامد وشاكر على كل نجاح وإخفاق في حياتي، وأهدي هذه السيرة لخريجي الكليات النظرية الذين لا تعدهم الدراسة الجامعية لوظائف محددة حتى لا يرفض الواحد منهم عملا بحجة “ليس مجالي”، فقد دخلت مجالي الترجمة والاعلام “عنقالي” أي بدون خلفية اكاديمية، وحققت فيهما نجاحا لم أكن أحلم به، ويكفي أنني الكاتب العربي الوحيد في قائمة موسوعة ويكبيديا للكتاب الساخرين في العالم في القرن العشرين (سكرين شوت)، وأرجو ان يجد فيها بعض الشباب ما يلهمهم العزيمة أو “الصبر والسلوان”.