حمدوك.. إلى مجلس السيادة!

0 87
كتب: عثمان ميرغني
أعتقد أن الدكتور عبدالله حمدوك استنفد كل فرصه للبقاء في منصب رئيس الوزراء قائدا لأخطر مرحلة من عمر السودان بعد الثورة.. ولكنه مع ذلك لا يزال رمزا جماهيريا، والأوفق أن يستمر فيصبح رئيسا لمجلس السيادة في دورته الثانية التي تبدأ مارس القادم، ويخلي منصب رئيس الوزراء لأحد رموز ثورة ديسمبر ليقود البلاد في ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية نحو تحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة..
الشهداء الشباب في عمر الزهور الذين قدموا أرواحهم ندية من أجل الوطن لم يفعلوا ذلك من أجل منصب أو شخص بعينه، بل لإرساء قيم وبناء دولة السودان الحديثة على أركان حكم رشيد، والواضح الآن بعد فشل دكتور حمدوك في مجرد الايفاء بوعد ناجز قريب قطعه على نفسه بنفسه أن يتخذ القرارات الحاسمة التي ينتظرها الشارع خلال أسبوعين، فإنه بذلك قدم أوراق اعتماد مغادرته للمنصب، دون أن يفقد رمزيته الثورية، بل مغادرة إلى أعلى، ليصبح رئيسا للسودان في النصف الثاني من الفترة الانتقالية التي أوشك نصفها الأول أن ينتهي.. فيصبح دكتور حمدوك رئيسا لمجلس السيادة، رمزا معبرا عن السودان داخليا وخارجيا، ويتيح الفرصة لمن يستطيع أن يحقق أحلام الشباب الذي صنعوا هذه الثورة.
د. حمدوك كان صريحا وصادقا مع الوفود التي زارته في أديس أبابا لإقناعه برئاسة أول حكومة بعد الثورة، اعترض حمدوك بشدة ولمدة أسبوع كامل رفض قبول تولي المنصب بل اقترح عليهم البحث عن أحد “ايقونات” الثورة ليتولى القيادة على أن يشارك هو في موقع آخر.. ربما مثلا وزيرا للخارجية..
الشعب السوداني بعد الاطاحة بالنظام الدكتاتوري الذي جثم على صدر البلاد ثلاثين عاما حسوما، كان يبحث عن “التغيير” الحقيقي، وعن قائد “ثوري” يحقق التغيير مسنودا بأكبر تفويض ودعم جماهيري في تاريخ البلاد، لكن للأسف د. حمدوك طوال “سنة أولى حُكم” تعامل مع الأمر وكأنه تعديل وزاري، ذهب “بكري” ثم “معتز” ثم “ايلا” وجاء حمدوك، لم يستطع أن يكتسب معايير “القيادة”، أن يكون “قائدا” لا موظفا في الحكومة.. رغم كل الدعم الكاسح من الشعب السوداني الذي لم يتوفر لأي مسؤول سوداني منذ رحيل الإمام محمد أحمد المهدي في العام 1885م.
من الحكمة النظر بمنتهى العقلانية للوضع في بلادنا، لم يعد في الامكان الرهان على حزبية أو عقائدية أو طائفية أو حتى عاطفة ثورية غير مسنودة بالموضوعية، لأن المركب توشك على الغرق، فالاقتصاد يزداد تدهورا وفشلت الحكومة حتى في مجرد تعيين الولاة أو تشكيل البرلمان.
ترفيع الدكتور حمدوك رئيسا لمجلس السيادة يحل أكثر من مشكلة، فهو يمنح الفرصة لإعادة هيكلة الدولة وفق أسس تراعي مستجدات ما بعد توقيع اتفاق السلام.
لن يخسر حمدوك شيئا أن يتحول من مجلس الوزراء إلى القصر الجمهوري، بل يزداد حب الشعب له.. ويفسح المجال للمياه الساكنة لتتحرك..!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.