نوازل الإنتقالية

0 106

كتب: العميد الطاهر أبو هاجة/ المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة

.

عندما قرأنا الوثيقة الدستورية بعيد التوقيع خلنا إنها ستطبق بسهولة ويسر .. ظننا أن تطبيقها على أرض الواقع ربما سياحة في روضة غناء.. عند المحك والتجرية ظهر شيطان التفاصيل.. الحق أن كثيرا من كبارنا واستراتيجيينا قالوا منذ وقت مبكر إنه من الصعب بلوغ أهداف الانتقال دونما وجود تيار وطني عريض.. تيار يحقق النظرة الشاملة للكوب ولايكتفي بالزاوية الواحدة.. قالت بعض الأصوات لاتحسبوا الانتقال تمرا أنتم آكلوه لن تبلغوا غايته حتى تلعقوا الصبر.. نعم الصبر على مكاره الانتقال المرة.
لن يتم هذا الانتقال وسيظل زمانه قلقا دونما تماسك مجتمع الدولة بكل أطيافه وأشكاله وألوانه.. الانتقال لن يكون سلسا دونما مجتمع مطمئن صلبة لحمته، قوي جيشه مرتفعة معنوياته يحسسه الجميع بأنه عظيم وأن مايقوم به محل تقدير واحترام. الانتقال يحتاج إلى أحزاب تختلف في الفرعيات لكنها تتواثق على الوطن والمنافسة الحرة والمبادئ الأصيلة للديمقراطية.. الأحزاب التي زاقت مرارة الإقصاء ينبغي أن لا تمارسه على الآخرين. الفترة الانتقالية ليست مسرحا ولا ميدانا ولاموسما للدغائن والتشاكس وتصفية الحسابات والصراعات والأخذ بالشبهات وتغذية القبليات والتنازع القاتل ولكنها أولويات تقدم على الثانويات وفرائض تؤدى قبل السنن.. ولا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم …..الآية.. أنظر إلى هذا الوصف الدقيق في قوة و دلالة الكلمات البلاغية تنازع.. فشل.. ذهاب ريح.. وأي ذهاب ريح هذا وما أفظعه عندما يتعلق بالأوطان، فكم من مواطن أضحى بلا وطن عندما ذهبت ريحه بالاختلاف والتنازع.. العرب تقول إن فلان ذهبت ريحه قمة المبالغة في الهلاك والضياع.
إذا كان النظام الديمقراطي تقوم فلسفته على اختيار وخيار الشعب وعلى الدستور كمرجع أساسي، فإن الوثيقة الدستورية الانتقالية رغم الاجتهاد المقدر تحتاج إلى مرجعية أوسع، فهي أي الوثيقة بدت وكأنها لم تسع النوازل ولم تقدر على استيعاب مستجدات الوطن القارة وتياراته الفكرية التي يخشى أن تعبث بأهوائه في حضرة من يهوى.
إن التيار الوطني العريض الذي غدى هم كثير من زعماء وقيادات السودان وصار ضرورة ملحة وقضية لايمكن تجاوزها سيما مع بروز بعض القضايا والموضوعات الملحة الكبرى التي تحتاج إلى توسيع وتمتين التيار الوطني العريض هذا التيار الذي أظنه يريد أن يطمئن على ثمة أشياء كشاكلة إجماع والتفاف السودانيين على غايات كبرى استراتيجية .. التأكيد على وحدة التراب السوداني ورفض ومقاومة استراتيجية تقسيمه وشرزمته .. تأجيل جدلية علمانية الدولة أو عكس ذلك من قضايا خلافية لحين انعقاد المؤتمر الدستوري وميلاد الحكومة المنتخبة. الأمن القومي السوداني ليس خطا أحمر فحسب وإنما قضية لايمكن التلاعب والتفريط فيها مهما كانت الفترة الانتقالية فهي جنين صغير يجب أن يكبر وينمو في رحم معافى وجو صحي لينجب لنا ديمقراطية حقة.. ديمقراطية بعد مخاض صعب لن نتجاوزه إلا بالصبر والعفو والعدالة الانتقالية.
إن الديمقراطيات الراقية والدول المتطورة لا تبنى إلا ببذر بذور الحب والتعاضد لأجل حياة أفضل لأجيالنا القادمة..
وفي هذه المقالة الصغيرة راق لي أن أختم برائعة المرحوم مصطفى سيد أحمد التي رأيت أنها تتماشى مع ما تناولت من موضوع:
إلا باكر ياحليوه
لما أولادنا السمر
يبقو أفراحنا البنمسح بيها
أحزان الزمن
نمشي فى كل الدروب الواسعة.. ديك
والرواكيب الصغيرة… تبقى أكبر من مدن
ايدي في ايديك نغني
ولا نحنا مع الطيور
المابتعرف ليها خرطه
ولا في ايده جواز سفر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.