السياحة المورد المُهمَل (8)
كتب: د. النور حمد
.
تحتاج الموارد السياحية إلى التنمية المستمرة. لذلك لا ينبغي أن نكتفي بالمواقع الأثرية وبالمحميات الطبيعية وبالأسواق الشعبية والمتاحف الموجودة التي تنقصها العناية اللازمة. وإنما ينبغي أن نسعى إلى توسيع هذه الموارد كما ونوعا. ولسوف أعرض في هذه المقالة إلى بعض النماذج. وأبدأ بنموذج من مدينة أليكساندريا بولاية فرجينا حيث أصبح مجمع الفنانين التشكيليين مزارا سياحية مرموقا. يحتل مجمع الفنانين هذا مبنى قديما يسمى مصنع الطوربيدات The Torpedo Factory، يقع على الضفة الغربية لنهر البوتاماك المطلة على العاصمة واشنطن دي سي. كان هذا المبنى المكون من طابقين مصنعًا للطوربيدات في فترة الحرب العالمية الثانية. في عام 1974 قام مجلس المدينة بتحويل هذا المبنى إلى محترف للفنانين التشكيليين. ويجري منح المساحة المخصصة لكل فنان بناءً على إيجارٍ مدعوم من مجلس المدينة، بعد أن تستوفي أعمال الفنان ضوابط وشروط استحقاق المساحة. يمارس عشرات الفنانين العمل التشكيلي في هذا المبنى ويعرضون فيه أعمالهم للبيع.
بالإضافة إلى أن هذا المبنى أتاح للفنانين ستوديوهات يمارسون فيها نشاطهم الفني، في موقع مرموق في جزء مدينة أليكساندريا المسمى “المدينة القديمة”، فقد أصبح المبنى مزارًا سياحيًا جاذبًا لعشاق الفن التشكيلي، ولمقتني اللوحات والخوف والتمثيل وغيرها. وقد وصل عدد الزوار السنوي لهذا المبنى 500,000 زائر في العام. وبما أن المبنى مطل على النهر فقد تحولت الساحة الفاصلة بينه وبين كورنيش النهر التي تضم مرسى للقوارب إلى منطقة حية للتنزه والإطلال على النهر، وعلى جسر وودرو ويلسون، وللتصوير. في الخرطوم وغيرها من المدن مئات الفنانين التشكيليين الذين يبحثون عن مكان كهذا المكان. وقد شاهدت على فيسبوك أعملا للفنانين السودانيين بالغة الروعة. يستحق هؤلاء الفنانون من وزارة الثقافة والإعلام ومن ورائها الدولة اهتمام مماثلا للذي أبداه مجلس مدينة أليكساندريا للفنانين المقيمين في المدينة. فالدولة حين تقيم مجمعا كهذا في موقع مرموق فإنها تستثمر على صعيدين: الأول الصعيد الثقافي والثاني الصعيد الاقتصادي. فالفن التشكيلي أصبح ثروة يخزنها هواة اقتناء الأعمال الفنية، كما يخزنون المعادن النفيسة.
أما النموذج الثاني فمكون من شقين ويوجد بدولة قطر. ولقد شاهدت قيام هذين النموذجين أثناء عملي في دولة قطر. ولم يستغرق بناء هذين الصرحين السياحيين الكبيرين سوى بضع سنوات. أحد هذين الصرحين هو سوق واقف والآخر هو مجمع كتارا الثقافي في مدينة الدوحة. جرت إعادة تشييد سوق واقف وهو اسم لسوق قديم في الدوحة بأسلوب العمارة القطرية التقليدية. وأصبح السوق مجمعا للحوانيت الصغيرة التي تبيع مختلف المصنوعات الشعبية، كما يضم غاليري للفنون التشكيلية ومجموعة كبيرة من المطاعم والمقاهي المتنوعة. وفي وقت قياسي أصبح هذا السوق بؤرة جاذبة للسياح ولسكان المدينة الذين يقضون نهاراتهم وأمسياتهم في مطاعمه ومقاهيه المختلفة. ولقد استضافت حفلات سوق واقف الراتبة عددا من المغنين السودانيين أذكر منهم أبوعركي البخيت وطه سليمان.
أما مجمع كتارا الذي جرى تشييده على ضفة الخليج، فهو حي ثقافي متكامل يضم مقرًا للجمعية القطرية للفنون التشكيلية، ومقرًا لجمعية المهندسين القطريين وغيرها من مقرات مجاميع المهنيين. كما يضم العديد من المطاعم والمقاهي، كما يضم دارًا للأوبرا. يقيم هذا المجمع العديد من المسابقات الفنية والأدبية ومعارض الفن التشكيلي المحلية ةوالأجنبية. ليست لدينا إمكانات أليكساندريا في فرجينيا ولا دولة قطر، لكن البداية ممكنة، واستقطاب الجهد الشعبي وجهد القطاع خاص ممكن دائما.
(يتواصل)