الفريضة الغائبة في السودان

0 71
كتب: عمر العمر 
.

كأنما نخبنا لا تدرك أهمية عنصر الزمن في الحياة السياسية. أولعلها لا تدرك أن السلطة السياسية كائن يعبر من الميلاد إلى النشأة ثم الموت حينما يتعرض للوهن. بهذا الفهم ما من سبيل أمام الدولة الوطنية غير التفاعل مع محيطها الإقليمي والدولي في بحثها عن التطور الحياتي. من اجل إكتساب المناعة الذاتية لابد للدولة من التسلح برؤية . حتى لا يلتبس الأمر ليس المستهدف بالرؤية الالتزام الأيديولوجي. بل هي الإطار السياسي العام حيث تندرج خيارات كثرة بينها دولة قومية مركزية ،
فيدرالية،ليبرالية أو استبدادية على مسارات تنموية.
*** *** ***
هناك قلق غائم خشية إجهاض الثورة العارمة . مصدر القلق شعور بالتلكؤ البيًن في التقدم لجهة بلوغ أهداف الثورة. هو قلق يتصاعد أحايين خشية
فقدان الأمل في استرداد أو إنجاز مهمة وطن موحد مستقر. كما مبعثه رغبة جموح في تعجيل طي المرحلة الإنتقالية .ثمة اتجاه فج يعزو التلكؤ إلى غياب مشروع وطني للثورة يتجاوز اطاحة النظام الفاشستي الإسلاموي. ربما لاتجافي تلك الرؤية مشروعية التبرير لكنها تصبح بوابة للإخفاق حال التشبث بها عوضا عن الجد في القفز عليها.لكن الأخطر من ذلك دعوات تعجيل تنظيم انتخابات عامة من منطلق الانتقال إلى الشرعية. هذه الدعوات تستهدف ترحيل كل قضايانا الموروثة والمستجدة إلى مرحلة تشكل البيئة الملائمة لتغذية تلك المشاكل بدلا عن حلها.الأفضل جعل المرحلة الإنتقالية مختبرا نفكك فيه كل عناصر تلك المشاكل العالقة أمام قيام الدولة الوطنية إن لم نستطع معالجتها كليا.
*** *** ***
مفهوم الدولة الوطنية لا يقتصر فقط على بناء منظومة هياكل السلطة السياسية.بالإضافة إلى تلك المهمة , المستهدف حفر تحولات جذرية في البنى
الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية.هذه رؤية تستوجب استيعاب التركيبة الاجتماعية المتنوعة وظروفها الحياتية داخل نسق الدولة الموحدة.من
الضروري بالطبع الإمساك بجذور أخطاء نظام الأنقاذ وتداعيات إخفاقاته بما في ذلك الصراعات الدامية في جنبات الوطن. من شأن التلكؤ أو التعجل في
معالجة هذه المسألة المساهمة في إجهاض مشروع الدولة الوطنية المرتجاة.على النسق نفسه ينبغي النأي تماما عن عقلية الإنقاذ في تسكين تلك المسائل عبر العلاج بالتجزئة. لا أظن اننا استوعبنا ذلك الدرس. طاولات التفاوض المنصوبة حاليا تدار بتلك العقلية القاصرة ذاتها.ذلك منهج منطلقه غياب
الرؤية المجسدة لاستراتيجية الدولة .
*** *** ***
هي الاستراتيجية الغائبة حيث عجزت سلطة الثورة عن الإستيلاء الفوري على الصناعات الحربية أووضعها تحت السلطة المدنية في سياق مشروع تفكيك قواعد النظام السابق.ذلك ما فعلته أميركا في ألمانيا.هو منهج الجنرال ماك ارثر في اليابان . هو كاتلوغ بريمر في العراق.بالطبع نأخذ في الإعتبار الفارق بين حالتنا والكاتلوغ الإستعماري حتى وأن أعقب تلك الإجراءات نشر مظلات ديمقراطية . الإشارة هنا تأتي من منطلق التركيز على أولوية البنى
الإقتصادية في التغيير.الحرص على البعد عن التصادم ينأى بنا عن الإشارة إلى نماذج ” ثورية”. فالأهم من مثل ذلك الجدل توضيح أولوية إعادة بناء الإقتصاد باعتباره القاعدة الأساسية لإساء السلام وإشباع تطلعات المواطنين لجهة الخير والرفاهية. لعله من اليسير التلاقي عند قناعة
مشتركة باستحالة بناء سودان جديدعلى تضاريس دولة فاشية خربة.
*** *** ***
من الأجدى لمشروع الثورة الإعتراف بارتكاب النخب أخطاء فادحة بتبني آليات صدئة ، مفاهيم ملتبسة ودفع أشخاص تنقصهم الكفاءة إلى مواقع المسؤولية
تحت شعارات زائفة في سياق مشروع التحول الديمقراطي.فتجربة السنة الأولى من عمر المرحلة الإنتقالية تكشف كثيرا من العورات . من صالح الشعب ,الدولة والثورة مواجهة تلك الحقائق والعمل الفوري بروح التضامن الثوري لمعالجة تلك الأخطاء. نحن نحفر مسارا جديدا لكن ليس مسار السودان الديمقراطي الحديث حيث تذوب الفوارق الإجتماعية، الإقليمية والإثنية.ليت نخبنا
القائدة تمارس علنا فريضة النقد الذاتي بدلا عن تبادل الرجم بالإتهامات وتحميل الغير أعباء التلكؤ .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.