مهند ميرغني صحفي من العيار الثقيل

0 132

محمد صالح عبدالله يس
“قرأت مرة مقالا للنطاس البارع جبران خليل يقول فيه ان الانسان لا يموت دفعة واحدة وانما يموت بطريقة الاجزاء فكلما رحل صديق عزيز مات جزءٌ منا حتي اذا ما اتي الموت الاكبر وجد كل الاجزاء ميته ولم يجد مايفترسه في الجسد غير مخ الانسان (لقاها ميتة مسممة
زار الموت الاكبر فراش الابن والصديق مهند ميرغني في فراشه فلم يجد شيئا يفترسه في جسده المعلول فكل الاجزاء ميتة داخل غرفة الانعاش بمستشفي الامير حمد بقطر فقد ماتت اجزاء الجسد وتوقف القلب الكبير عن الخفقان فقد احتار المطببين في علاج علته وخانتهم العقاقير واستعصي البرُء وحده الموت يختار من بيننا من يريد بعض مفرداتنا هربت من أعماقنا واستقرت في عوالم مجهولة الأمد والإبد بعضها تحولت الي هشيم من التذكار بعض أحزاننا غسلتها مرارة الزمن والتنائ
كلما احاول العودة والرجوع تفصلنا العوالم والفضاءات حتي السماء استعصت بالبعد عنا ويا حسرة من ضاع الامس من بين يديه ولست ادري من يدفن من
مهند ميرغني شاب طموح متعدد المواهب متنوع القدرات والمقدرات يستطيع ان يصنع الدهشة والابداع مابين غمضة عين وانتباهتها .
قبل رحلته الاخيرة كنت اتحدث معه عن الالام التي يعاني منها وعرفت منه ان الالم في ظهره وربما يكون مبادئ لانزلاق غضروفي وانه في الطريق الي قطر بعد وصوله الي الدوحة وبعد الفحوصات والمراجعات اتضح ان الالم مصدره الرئة وقرر الاطباء اجراء عملية مستعجلة وكان مطمئنا ومتفاءلاً بنجاحها وقد كان بعد خروجه من المستشفي تحدثت معه عبر الفيس بوك وكانت معنوياته مرتفعة واكد لي انه سيعود الي السودان بعد رفع حظر الطيران
دون مقدمات او السابق انذار علمت من شقيقته التي دونت في حائطها علي الفيس تهور حالته الصحية وتدعوا الجميع ان يتضرعوا المولي ان ياخذ بيده وهو في غرفة الانعاش فكانت صدمة كبيرة بالنسبة لنا واصدقائه فقد عشنا ايام وليالي صعبة احتملنا اثقالها ورزءها وضجت الاسافير ووسائط التفاعل الاجتماعي وتحدثت عن وفاته الاولي ( الموت السريري ) ولكنا لم ينقطع حبل الرجاء بنا ومنينا انفسنا بملاقاته وتعلقنا بامل ميت علي النفس اُلحدت له من كلاءة الله قبراْ .
رحل مهند ميرغني وترك لنا قساوة التذكار وبؤس العدم جاء الي الحياة مسرعا وغادرها سريعا ترك خلفه سجلا ذاخرا وحافلا بالانجازات المتفردة فمقياس العطاء تحسب بالعمر وبمعادلة رياضية لا يمكن لشخص في عمره هذا ان ينجز هذا السجل الباذخ
درس الجامعة وتخرج منها بتفوق ثم عمل بالاذاعة والتلفزيون انتج العديد من البرامج الرياضية وبرامج المنوعات ثم اسس الصحافة الرياضية في نيالا كان عضوا نشطا بنادي المريخ بنيالا تقلد فيه عدة مناصب ثم عمل منتجا ومقدم للبرامج باذاعة البي بي سي مع رفاقه رجاء العباسي وخالد دناع ومهند الحسين ومامون موسي ودكتور محمد عبد الظاهر ثم التحقت بنادي الفروسية بالخرطوم وصار احد اهم اركانه عمل بنادي المريخ العاصمي وفي الصحافة الرياضة وفوق هذا وذاك كان هو العائل الوحيد لاخوته فجميعهم قد تربوا ايتاما كان هو اكبرهم ولكم ان تتصوروا حجم التحدي والمعاناة لاسرة فقدت كلا الوالدين فاذا قارنا هذه الانجازات بسنونه التي لم تتعدي السابعة والثلاثون ربيعا زاد يقيننا اننا امام شخصية نادرة قل ان يجود الزمان مثلها .
كنت قد تحدثت وكتبت عن ظاهرة الفناء المبكر للمبدعين السودانيين وعلاقة الانثروبولوجية والصفات والمؤثرات الجغرافية والتاريخية والثقافية والاجتماعية وتاثيرات مثاقيلها علي معظم شبابنا الذين رحلوا عن دنيانا باستبكار غير مسبوق وفجعنا برحيلهم وهم في ميعة الصبا وقمة العطاء وكنت قد قرات مقالا مطولا للناقدة الهمامة ( رانيا المامون ) تحدثت فيه عن الظروف التي ( تحكم هذا المبدع السوداني، وتأثير الإثنية والهوية المزعزعة علي انتاجه وسلوكه الابداعي ) وللدكتور النور حمد عصف جميل في سفره القيم الذي كتب فيه عن مهارب المبدعين وعزلتهم المجيدة وابتعادهم عن اوطانهم بعد ان لفظتهم حكوماتهم بظلمها وريائها فمنهم من ركب المشرفية والعوالي ومنهم من مات بغير سيف وقتال كل يوم..يموت الأحبة.. ويرحل الأصدقاء ونمنع من لقاء أحبابنا كل يوم نمسح ارقام هواتفهم لانهم غابوا ورحلوا الي برزخ ابدي مجهولٍ جهالة ّفاحشة مهند هو احد كبار منتجي الميديا الحديثة واشهر الاعلاميين الشباب الذين صنعوا لنا يقينياتها الحديثة بدربة ومهارة واقتدار
اول مرة تشرفت فيها بمعرفة الابن والاخ مهند ميرغني كانت في نيالا غداة انتدابي اليها من الهيئة السودانية للاذاعة والتلفزيون لتاسيسها وكان ضمن الذين تم اختيارهم كمحررين ومنتجين بالهيئة لم يكن مهند صحفيا خاملا ولا بئرا معطلة بل كان نشطا يجمع بين بردية مواهب شتي في انتاج الاخبار وتحريرها وكان معدا ومنتجا لبرامج المنوعات الثقافية والسياسية كان جريئا وشجاعا لا يتهيب مواجهة المسؤلين في المؤتمرات الصحفية كان مهابا ويتحاشى المسؤولين اسئلته التي كثيرا ما سببت لهم الحرج والضجر .كانت علاقته مميزة باهل الفن والشعراء وله مع مجتمع الرياضيين علاقة وطيدة وخاصة الاخوة ملاك الخيول ورواد الديربي في مدينة نيالا وفي احايين كثيرة كان يسافر علي نفقته الخاصة لتلبية دعوات مهرجانات سباق الخيول في محليات الولاية المختلفة
علي الصعيد الشخصي كان مهند رجلا اجتماعيا من الطراز الاول كان محبوبا لدي الجميع هو صديق الكل كنت ابان فترة عملي في نيالا وفي فترات غيابي كان يقوم برعاية اسرتي واطفالي كان يرافقهم الي المدارس ويقوم بايصال ام اولادي الي مقر عملها بالمستشفي كان يهتم بامر شئون البيت من تسويق وطلبات يومية كان يتفقدهم صباحا ومساءً في فترة وضوع زوجتي كان لايسمح لي بالذهاب الي السوق ويداعبني قائلا مستحيل ان يذهب رجلا في قامتك ليبتاع الخضار واللحمة من السوق هذا شيئ لا يشبهه الموظفين الكبار امثالك .
مهند ميرغني كان تفاحة مجالسنا وفارس سرجنا ورمح نبلنا ومداد قلمنا الذي به كتبت ابرز العناوين في صناعة الصحافة والميديا كان رجلا من العيار الثقيل ذو قلب عقُول ولسان قؤول رجل حفي التقاسيم صفرت منه يدانا وتبخرت بعده احلامنا ومنانا بموتك يامهند نضب نشيد الحياة فينا وانتحرت احلامنا وضاع الامس منا وانطوت في القلب حسرة
لك الرحمة والمغفرة !مهند ميرغني دينار من الصك القديم
Ms.yaseen5@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.