البرهان قرر فرز الكيمان

0 91
كتب: جعفر عباس
.
استغل الفريق عبد الفتاح البرهان مناسبة العيد ال66 للقوات المسلحة ليتخلى عن حربائية العسكر الذين قفزوا الى قطار الثورة وهو يقترب من محطته الأخيرة، ففي خطبتين أمام الجنود والضباط، نسي تماما انه وبحكم منصبه “رأس الدولة” وتحدث بوصفه عسكريا قابعا في خندق يقابل خندق القوى المدنية التي اشعلت الثورة وقادتها الى النصر الجزئي.
خلال خطاباته للعسكر تكلم البرهان تارة بوصفه قائدا عسكريا وتارة بوصفه مراقبا للأوضاع، وليس مسؤولا عنها، ولم يتكلم بوصفه رئيس مجلس السيادة، فقد عاب على الحكومة فشلها في إدارة الملف الاقتصادي، وهي نفس الأقوال التي ظل يرددها الجنرال محمد دقلو حميدتي: البلد فيها عصابات.. في فشل ظاهر.. وفي هذا تأكيد بأن عسكر مجلس السيادة يعتبرون أنفسهم متفرجين ولا شأن لهم بأمور الحكم ما لم تتعلق بالعرضة وهز العصي في المحافل.
الزعيم الذي يريد ان يخاطب العقول يحرص على تلاوة نص مكتوب عندما يخاطب حشدا جماهيرا، أما الارتجال فغايته الشحن العاطفي بعيدا عن العقلانية، ولهذا كان البرهان في خطبه الأخيرة المرتجلة نسخة من عمر البشير وهو يرغي ويزبد ويهرف ويخطرف، فقد كانت غايته ان يثبت للعسكر أنه منهم وبريء من القوى المدنية التي لها مآخذ كثيرة على المؤسسة العسكرية، ولهذا استبسل في الدفاع عن حق الجيش في الاتجار في السمسم والصمغ واللحوم وغيرها، وكان ذلك بعد ان قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ان خزينة الحكومة لا تستقبل سوى 18% من الإيرادات العامة، وبعد ان دعت وزيرة المالية وفي خطبة أمام حشد من العسكر الى ضرورة أيلولة المؤسسات التجارية الضخمة المملوكة للجيش وجهاز الأمن الى وزارة المالية، وفي سياق ذلك وقع البرهان في تناقض فاضح فتارة قال إن الجيش يعتمد على تلك المؤسسات لتوفير احتياجاته وتارة قال: تعالي يا وزارة المالية وخذيها (إذا كان الجيش يوفر احتياجاته بموارده الخاصة فلماذا كان نصيبه ونصيب الأمن أكثر من 70% من الموازنة العامة؟).
ولم ينس البرهان ان يذكر جنوده بأن المدنيين ناكرو الجميل وأن جمائل العسكر عليهم لا تحصى، وتحدث عن كيف ان حميدتي قدم للخزينة العامة 100 مليون دولار ولكن لم يخطر بباله ان الشعب يتساءل: من اين له هذا؟ فشخص يستطيع ان يتصدق على الحكومة بمبلغ كهذا لا شك يملك المليارات، كما يغيب عن بال البرهان ان الشعب لا يرى من العسكريين في الحياة اليومية سوى جماعة الدعم السريع فهم يوزعون المؤن الغذائية والطبية ويضبطون السلع المهربة ويفضون الاشتباكات في الشرق والغرب، وتتبارى قياداتهم في الظهور في وسائل الإعلام ليتغنوا بمآثر قوتهم
أخطر ما قاله البرهان: الجيش على استعداد للانحياز للشعب كما فعل في إبريل 2019، وهذه في تقديري تلميح الى ان هناك في الجيش من يفكر في أمر يتعلق بالسلطة بذريعة الانحياز للشعب “مرة أخرى”!!!، ونقول له بالمصري: إذا كان الأمر كذلك، لما تشوف حلمة أذنك!! فجيشنا ليس قفة تحركها القيادة على هواها في مسعاها للانفراد بالسلطة، ففيه صناديد منحازون للشعب باعتبار ان ذلك واجب وليس طمعا في مغنم، والثورة التي هزمت البشير والمجلس العسكري ما زالت محروسة بشبابها.
قبلها بيومين خاطب حمدوك الشعب في لغة هادئة ورصينة خالية من العنتريات، ولقيت الاحترام العام رغم أنها لم تقدم أي بشرى، ثم جاءت خطب القائد العام للجيش فصار الناس يرددون شتان من بين حمدوك والبرهان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.