رصد ــ السودان نت
.
أ. فاروق حسين أبو ضيف
باحث سياسي في الشأن الإفريقي
الانقلابات العسكرية واحدةٌ من أهم الظواهر التي تُميّز المجتمع السياسي داخل القارة الإفريقية، فالمنطقة الإفريقية مليئةٌ وعامرةٌ بالنزاعات المسلَّحة وانتشار الجماعات الإرهابية، وكذلك الانقلابات العسكرية التي أصبحت سمةً شائعةً داخل القارة، فمنذ فترة استقلال الدول الإفريقية عن الاستعمار حدَث ما يزيد عن 180 انقلابًا عسكريًّا في دول مختلفة؛ ففي بوركينا فاسو حدث أكثر من عشرة انقلابات عسكرية، وفي موريتانيا حدث أكثر من خمسة انقلابات عسكرية، وكذلك السودان وغينيا ومدغشقر وإفريقيا الوسطى ومالي.
وبعد حالةٍ من الهدوء النسبي التي شهدتها القارة بشكلٍ عامّ، وبعد انقلاب الجابون في يناير 2019م، أطاحت مالي التي تقع في غرب القارة الإفريقية برئيسها “إبراهيم بوبكر كيتا” وحكومته في فجر يوم الثلاثاء 18 أغسطس 2020م، وأعلن قادة الانقلاب العسكري تشكيل لجنة وطنية للسيطرة على الأوضاع، وفرض حظر التجوُّل، كما أُغلقت الحدود المالية مع دول الجوار بشكلٍ كُلّي.
مالي التي تعاني من ضَعْف في الأداء السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، وزيادة معدلات الفقر والبطالة وانتشار الأمراض والتي تُعتَبر من مخلَّفات وتوابع انتشار الصراع والحرب الأهلية بين الإقليم الشمالي والإقليم الجنوبي في مالي، والتي بدأت في يناير 2012م؛ حيث سعت المجموعات المسلَّحة والمتطرّفة لنَيْل الاستقلال وإعلان الحكم الذاتي والتمرُّد ضد الدولة وسياساتها، ونتج عن ذلك سيطرة الحركة الوطنية لتحرير منطقة “أزواد” عليها، والتي تسعى لإعلان استقلال المنطقة، وكان من نتائج ذلك الإطاحة بالرئيس المالي أمادو توماني توري، وهو الانقلاب الذي قاده أمادو سانوغو في عام 2012م، وحاولت العديد من القوى تهدئة الأمور من أجل الحفاظ على الدولة.
هذا الانقلاب العسكري الذي حدث في مالي خلال أغسطس 2020م يُعتبر الحالة الرابعة للانقلابات العسكرية داخل مالي، والذي أُعلن عنه عقب تبادل لإطلاق النار وتمرّد عسكري، ثم القيام باعتقال الرئيس المالي ورئيس وزرائه، وانتهى بإجباره على تقديم الاستقالة، كما أعلن قادة الانقلاب أيضًا أنهم يريدون تداولاً سلميًّا للسلطة، وتحقيق الانتقال السياسي المدني، والذي يتحقق بترسيخ مبادئ الديمقراطية، وإجراء انتخابات عامة بشكل يُحقّق مطالب الشعب.
وكانت كلمات الرئيس المعزول تُعبّر عن رغبته في عدم إراقة الدماء من أجل السلطة، وكذلك الحفاظ على مكتسبات الدولة، كما أعلن قادة الانقلاب عن عدم تمسّكهم بالسلطة، لكنهم يسعون إلى تحقيق الاستقرار للبلاد، وإجراء انتخابات عامة لبناء مؤسسات قوية قادرة على تحقيق مطالب الشعب.
المشكلة البحثية:
تُعتبر قارة إفريقيا واحدة من أكثر قارات العالم في معدل انتشار الصراعات الداخلية والحروب الأهلية، وكذلك عدم الاستقرار، وانتشار العديد من الأمور التي من شأنها الإخلال بوسائل تحقيق السلام والعدالة في المجتمعات.
كما أن المجتمع الإفريقي بشكل عام ما يزال يعاني من غياب الحكم الرشيد وسوء الإدارة واستبداد الحُكام، وضعف الأداء الاقتصادي، والفوارق الدينية والمصالح المتشابكة والمعقدة، وانتشار الانقلابات العسكرية، وعسكرة المُجتمع.
إنَّ مالي التي تقع في غرب القارة، وهي إحدى دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا؛ تعاني من العديد من الأزمات سواء السياسية أو الاقتصادية، وغياب العدالة ومظاهر الحياة الديمقراطية والدستورية السليمة، كما أن الوضع فيها كان ينذر بشيء ما قد يحدث مستقبلاً، كما أن الأوضاع بشكلٍ عامّ كانت في حالة انهيار مستمر.
فالمشكلة البحثية الرئيسية هي مدى تأثير الانقلاب العسكري على الوضع في مالي؟
وينبثق من هذا التساؤل الرئيسي: عدة تساؤلات فرعية، هي:
1- ما تأثير الانقلاب على الوضع السياسي والاقتصادي للدولة؟
2- ما أبرز تداعيات الأزمة في مالي؟
3- ما أهم الأسباب والعوامل التي تؤدّي إلى الانقلابات العسكرية داخل مالي؟
4- ما دور المنظمات الدولية والإقليمية في الأزمة؟
تقسيم الدراسة:
المحور الأول الانقلابات العسكرية
أولاً: الإطار التاريخي للانقلابات العسكرية في مالي.
ثانيًا: الانقلاب العسكري في مالي 2020م.
ثالثًا: ردود الفعل الدولية والإقليمية تجاه الأزمة.
المحور الثاني الصراع الفرنسي الأمريكي في مالي.
المحور الثالث تداعيات الأزمة على مالي ودول غرب إفريقيا.
أولاً: تأثير الانقلاب على دول غرب إفريقيا.
ثانيًا: سيناريوهات ما بعد الانقلاب.
المحور الأول: الانقلابات العسكرية
تُعدّ الانقلابات العسكرية واحدةً من أهم الظواهر التي تُميّز القارة الإفريقية بشكل عام، كما أن تاريخ القارة حافلٌ بالعديد من العمليات غير القانونية التي يقوم بها قادة الجيوش، وانتشرت الانقلابات العسكرية في القارة الإفريقية عقب استقلال الدول الإفريقية وخروج دول الاحتلال التي زرعت الخلافات العِرْقِيَّة والإثنية التي تسبّب حالة من القلق والفوضى داخل البلاد، وكانت إحدى مظاهرها توتر العلاقات، والتي تصل إلى حدّ عدم الثقة، وسعي قادة الجيوش للتمرّد وعزل القادة من الحكم.
وبالحديث عن مالي؛ فإنها تُعدّ واحدة من أشهر الدول الإفريقية في هذه الظاهرة، حيث حدث بها ما يزيد عن ثلاثة انقلابات عسكرية على فترات متباعدة، وتتشابه الأسباب التي تدعو الجيش إلى عزل قادة بلادهم عن الحكم واعتقالهم، وفرض السيطرة على مقاليد الحكم، رغم تضاؤل هذه الظاهرة نسبيًّا داخل القارة، ومحاولة تحقيق التوافق بين قادة الجيوش وقادة الدول لتحقيق المصلحة العليا للدولة والعمل على خَلْق مزيد من التعاون وزرع الثقة وعدم التخوين، إلا أن ذلك لم يشفع حتى الآن للسيطرة على هذه الظاهرة وكبح جماح قادة الجيوش([1]).
فالانقلابات العسكرية داخل القارة، وبالتحديد داخل مالي قد تتشابه في الظروف والعوامل التي أدَّت إلى تكرار هذه الظاهرة في العديد من المناسبات المختلفة، ومن هنا يمكن القول بأن تاريخ مالي حافل بالعديد من الانقلابات والتي سيتم توضيحها بشكل مفصل.
أولاً: الإطار التاريخي للانقلابات العسكرية في مالي:
الانقلاب العسكري في مالي أغسطس 2020م فتح نافذة ضوء جديدة حول العمليات العسكرية العلنية التي يقوم بها قادة الجيوش، وبالتحديد قادة الجيش المالي خلال فترات طويلة، وعادت الانقلابات من جديد بعد هدوءٍ دام ما يقرب من ثماني سنوات.
مالي التي تقع غرب القارة الإفريقية حققت استقلالها عن فرنسا عام 1960م إلا أنها مازالت تعاني من أثار ما تركه الاستعمار الفرنسي فيها؛ حيث تُعتبر واحدة من أكثر الدول الإفريقية التي تنتشر بها العمليات العسكرية وبؤرة للجماعات الإرهابية وانتشار الجماعات المسلحة وأعمال العنف وتجارة المخدرات والأسلحة،
ولعل أهم الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى الانقلابات العسكرية في القارة بشكل عام وداخل دولة مالي بشكل خاص، يمكن حصرها في:
1- دور المؤسسات العسكرية داخل الأنظمة الإفريقية:
هذه المؤسسات في الأغلب هي من صنيعة الاستعمار، والتي تغلب عليها أُسس الحكم والسعي إلى الوصول للسلطة، والتي جعلها تنحرف عن ممارسة مهامها الأساسية، والتي قد تكون نقطة مهمة للتعرُّف على طبيعة الانقلابات داخل القارة، وابتعاد بعض قادة الجيوش عن مساراتهم الأساسية وحماية حدود الدولة، وحفظ الاستقرار بها.
2- ضعف العوامل السياسية في الدولة:
لعل الضعف السياسي واحد من أهم العوامل التي تقود إلى قيام الانقلابات العسكرية، ولعل أبرز مظاهر ضعف الأداء السياسي هو غياب الأحزاب السياسية، وضعف برامج الأحزاب، وضعف القيادات السياسية، وزيادة حدة الصراعات السياسية والصراع على السلطة، غياب المصلحة العامة وطغيان المصلحة الشخصية، غياب فكرة التبادل السلمي للسلطة، كما أثرت الصراعات الدينية في الدول الإفريقية على الأنظمة السياسية الحاكمة، وظهرت حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الكثير من البلدان الإفريقية وتزايدت حدة الصراعات مع زيادة معدلات البطالة([2]).
3- غياب الوعي السياسي لدى المجتمعات الإفريقية:
غياب الوعي السياسي كانت نتيجة عدم وجود كوادر سياسية قادرة على مواجهة التحديات التي تُعِيق عملية التمكين السياسي، وكذلك هي إحدى نتائج الاستعمار الذي خلَق حالةً من التناحر والصراع على السلطة، فغياب الوعي يؤدي إلى حالة من الفراغ السياسي داخل المجتمع([3]).
4- انتشار الفساد الإداري والمشاكل الاقتصادية:
فالقارة الإفريقية واحدة من أكثر المناطق فقرًا، كما أن دولة مالي واحدة من أكثر المناطق انتشارًا للجريمة، والتي أدَّت إلى ظهور حالة من الفساد الإداري والمجاعات والأمراض([4]).
5- تدخُّل العوامل الخارجية:
تُعدّ القارة الإفريقية واحدة من أهم المناطق التي يطمع بها الكثير من القوى الكبرى في العالم، والتي تسعى إلى زعزعة الاستقرار داخل دول القارة.
ومالي تُعدّ واحدةً من أهم الدول التي تُعتبر مطمعًا للدول الكبرى، وفي مقدمتها فرنسا، والتي ترتبط بها بمصالح قوية وكذلك عمليات عسكرية واسعة، كما أن الدول الاستعمارية تسعى لتحقيق مصالحها والعمل على زيادة نفوذها([5]).
وقد شهدت مالي منذ تحقيق الاستقلال أربعة انقلابات عسكرية متتالية وخلال فترات حكم متباينة، وهي:
1- الانقلاب العسكري الأول في نوفمبر 1968م:
بعد نحو ما يقرب من ثماني سنوات من تحقيق الاستقلال المالي عن الدولة الفرنسية، وتولي أول رئيس لجمهورية مالي وهو الرئيس موديبو كايتا، تم الإطاحة به مِن قِبَل الجنرال العسكري موسى تراوري وقيامه بأول انقلاب عسكري تشهده مالي([6]).
وشهدت فترة الثماني سنوات من حكم الرئيس المعزول كايتا حالةً من الحكم الديكتاتوري وسيطرته بشكل واسع وكبير على مقاليد الحكم والإدارة، وكان كايتا استغل العديد من الظروف والعوامل التي ساعدته على فرض القبضة الحديدية على الدولة. ولعل أبرز هذه الظروف: غياب مؤسسات الدولة وضعف الأداء نتيجة الاحتلال الذي دام طويلاً، وغياب الكوادر السياسية المؤهَّلة، وعدم وجود معارضة قويَّة تسعى لتحقيق مطالب الشعب المالي.
ونتيجة لذلك، قام الجنرال موسى تراوري بالإطاحة بالرئيس كايتا، وتكوين لجنة عسكرية وفرض سيطرته من خلال الجمع بين رئيس الدولة والحكومة، وقد تم وضع الرئيس المعزول داخل السجن حتى توفي داخل السجن عام 1977م([7]).
2- الانقلاب العسكري الثاني في مارس 1991م:
كانت الأمور داخل مالي تُدَار كما تُدَار لعبة الكراسي المتحركة، فموسى تراوري الذي قاد الانقلاب العسكري ضد الرئيس موديبو كايتا، تم الإطاحة به من قبل الجنرال أمادو توماني الذي قاد الانقلاب نتيجة انتفاضة شعبية بسبب زيادة الأوضاع الاقتصادية سوءًا في مارس 1991م.
وكوَّن الجنرال توماني توري عقب الإطاحة بالرئيس المعزول تراوري مجلسًا عسكريًّا مؤقتًا لفترة انتقالية، وتم تشكيل لجنة لوضع الدستور المالي الذي قام على أساس التعددية الحزبية والنظام الرئاسي، وإقامة أول انتخابات رئاسية في مالي قائمة على النظام الدستوري الجديد، والذي أصبح السيد ألفا عمر كوناري أول رئيس منتخب داخل جمهورية مالي وبطريقة ديمقراطية في يوليو 1992م، والذي تولى فترة الحكم لدورتين، فعقب تسليم المجلس العسكري السلطة للسيد كوناري، تقاعد الجنرال أمادو توماني عن قيادة الجيش.
أما موسي تراوري الذي حكَم مالي لمدة 23 سنة -وهي أطول فترة لرئيس ماليّ- فتمت ملاحقته من جانب السيد كوناري في العديد من القضايا مثل قتل المعارضين وبعض المدنيين، وكذلك بعض القضايا المتعلقة بالفساد، وقد صدر ضد الجنرال تراوري العديد من الأحكام؛ أبرزها حكم الإعدام الذي صدر ضده بعد سنة من تولي السيد كوناري الحكم، ولكن تم تجميده، والآخر عام 1999م صدر ضده في جرائم اقتصادية، ولكن حصل على عفو رئاسي عام 2002م.
3- الانقلاب الثالث في مارس 2012م:
شهدت فترة حكم الرئيس كوناري حالة من الهدوء والاستقرار داخل مالي، ويُعدّ الرئيس الأوحد الذي قضى فترة الحكم كاملة دون الإطاحة به، وقد سلم السلطة للقيادة العسكرية التي سلمته السلطة في مارس 1991م.
وعقب انتهاء فترة السيد كوناري، عاد الجنرال أمادو توماني من فترة العزلة السياسية، وأعلن عودته للحياة السياسية من جديد، وإعلان ترشّحه للانتخابات الرئاسية، والذي كان يحظى بشعبية جارفة مكَّنته من الفوز بالانتخابات في مايو 2002م.
ولكن، ومع زيادة تمرُّد جماعة الطوارق في شمال مالي، وانتشار الجماعات الإرهابية والمسلحة داخل مالي وتمركزها شمالاً، قام الحرس الرئاسي للسيد توماني بالانقلاب والإطاحة به، وقام المتمردون بعزل الرئيس، وحلّ كافة مؤسسات الدولة التي سعى لتثبيت أركانها طوال عشر سنوات من حكمه، كما كوَّنوا اللجنة الوطنية لاستعادة الديمقراطية برئاسة السيد أمادو سانوجو، لكن قام أنصار السيد توماني بالمظاهرات ومحاولة عودة الرئيس المُطَاح به، إلا أن المجلس العسكري أصرَّ على عَزْله من منصبه.
ثانيًا: الانقلاب العسكري في مالي أغسطس 2020م
هذا الانقلاب العسكري الذي حدث في مالي أغسطس 2020م يُعتَبر الحالة الرابعة للانقلابات العسكرية داخل مالي، والذي أُعلن عنه عقب تبادل لإطلاق النار وتمرّد عسكري داخل القصر الجمهوري، ومن ثَمَّ اعتقال الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا “إبيكا” الذي تم انتخابه في 2013م، وتولى فترة رئاسة أخرى عام 2018م، وانتهى الأمر بإجباره على تقديم الاستقالة.
كما أعلن قادة الانقلاب أيضًا أنهم يريدون تحقيق تداول سلمي للسلطة، وتحقيق الانتقال السياسي المدني، والذي يتحقق بتحقيق وترسيخ مبادئ الديمقراطية، وإجراء انتخابات عامة بشكل يحقّق مطالب الشعب، وكانت كلمات الرئيس المعزول تُعبّر عن رغبته في عدم إراقة الدماء من أجل السلطة، وكذلك الحفاظ على مكتسبات الدولة، كما أعلن قادة الانقلاب عن عدم تمسكهم بالسلطة، وأكدّوا حرصهم على استقرار البلاد، وإجراء انتخابات عامة وبناء مؤسسات قوية قادرة على تحقيق مطالب الشعب.
لقد كان الانقلاب العسكري داخل مالي نتيجة حدة الصراعات وتصاعد التوترات السياسية التي تمر بها مالي والتدهور الكبير للأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية، وزيادة حدَّة الهجمات الإرهابية التي ما زالت تعاني منها الدولة منذ انقلاب مارس 2012م، وكان لمستجدات فيروس كورونا أثرها البالغ على تطور حدَّة الأزمات الاقتصادية وتضاؤل كفاءة الجهاز الحكومي([8]).
ومع تطوُّر الأحداث عقب تولّي كيتا الحكم في الدورة الثانية، ومع زيادة حدَّة الصراع خصوصًا بعد الأحداث التي جدَّت على مالي عقب الانتخابات البرلمانية، وما دار حولها من تشكيك في نزاهتها، وفي 5 يونيو شكلت المعارضة المالية جبهة معارضة، وهي تجمُّع لقوًى سياسية ووطنية داخل مالي، والتي طالبت برحيل الرئيس أبوبكر كيتا([9])، وشهدت باماكو عاصمة مالي العديد من التظاهرات العنيفة، كما شهدت هجمات على مقرّي البرلمان والتلفزيون المالي، مع وقوع العديد من الاضطرابات الأهلية، حتي أصبح تجمع 5 يونيو يحمل لواء المطالب الشعبية، ومن ثَمَّ أصبحت حركة تجذب أنظار العالم([10]).
ونتيجةً لزيادة الاحتقان بين القيادة السياسية وحالة الكَرّ والفَرّ داخل الشمال المالي، وكذلك تصاعد التظاهرات من جانب حركة 5 يونيو، كما زادت حالة التصدّي واستخدام القمع والتعامل بشكل عنيف من المتظاهرين، حتى وجد قادة الجيش أنفسهم مضطرين لعزل “إبيكا” من الحكم، وهو ما حدث في 18/8/2020م وحسب المزاعم أن من يقود هذا الانقلاب هو العقيد مالك دياو بالتعاون مع الجنرال ساديو كامارا([11]).
ونتيجة لقيام المتمردين بحملة اعتقالات واسعة طالت معظم قيادات الدولة والموالين للرئيس كيتا، ونتيجة لذلك كانت كلمات الرئيس المعزول التي تم إذاعتها عبر التلفزيون المالي في فيديو مصوّر، تعبّر عن رغبته في عدم إراقة الدماء من أجل السلطة، وكذلك الحفاظ على مكتسبات الدولة، كما أعلن قادة الانقلاب عن عدم تمسكّهم بالسلطة لكنّهم يسعون إلى تحقيق الاستقرار للبلاد، وإجراء انتخابات عامة لتحقيق وبناء مؤسسات قوية قادرة على تحقيق مطالب الشعب، والتي لاقت قبولاً وصدًى شعبيًّا كبيرًا، وخرج العديد من المتظاهرين للاحتفال بهذا الحدث، كما أعلن المتحدث العسكري السيد إسماعيل واقي، تشكيل لجنة وطنية لإنقاذ الشعب والعمل على ترسيخ مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
ثالثًا: ردود الفعل الدولية والإقليمية تجاه الأزمة:
1- الاتحاد الإفريقي:
قام الاتحاد الإفريقي بتعليق عضوية مالي حتى عودة النظام الدستوري، كما طالب الاتحاد بالإفراج عن الرئيس إبراهيم بوبكر ورئيس الوزراء والمسؤولين المحتجزين مِن قِبَل الجيش المالي، كما أعلن رئيس المفوضية داخل الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد، إدانته بشدة لما حدث داخل مالي واعتقال الرئيس وبعض مساعديه في الحكومة، ودعا إلى إطلاق سراحهم، كما أدان أيضًا المحاولات التي تسعى لتغيير الدستور، وطالب المتمردين بوقف كل أدوات العنف واحترام مؤسسات الدولة([12]).
كما أعلن مجلس السِّلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يوم 19 أغسطس 2020م عن إدانته الكاملة للإطاحة بالرئيس المالي، ودعا إلى نَبْذ العنف والعمل على حَقْن الدماء وتحقيق مطالب جموع الشعب المالي([13]).
2- الأمم المتحدة
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إدانته الكاملة للإطاحة بالرئيس كيتا واعتقاله هو ورئيس وزرائه، كما طالب بسرعة إطلاق سراحهم، كما دعا مجلس الأمن لعقد جلسة عاجلة يوم 19 أغسطس؛ لبحث الأوضاع داخل مالي.
3- الاتحاد الأوروبي:
أعلن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيف بوريل إدانته لحالات التمرد والعصيان المستمرة داخل مالي، وأعلن رفضه لأيّ تغيّرات غير دستورية، كما دعا الاتحاد الأوروبي لعقد جلسات الحوار والتوصل إلى حلول من شأنها عدم الإضرار بالدولة والشعب المالي، كما أضاف بوريل أن الاتحاد الأوروبي يواصل دَعْمه الكامل للوساطة التي تقوم بها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، كما أنَّ الاتصالات قائمة من أجل تحقيق حالة أفضل ومحاولة التوصل للحلول المرضية للجميع([14]).
4- فرنسا:
أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون أن دولته مازالت تُكثّف الجهود بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي والأوروبي من أجل حلّ الأزمة المالية، وأنه يسعى لتحقيق السلام والاستقرار داخل المجتمع الإفريقي، وتحاول تحقيق التكامل بالتنسيق مع المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا.
كما أن فرنسا عازمة على استمرار القوات العسكرية في عملياتها، وذلك حسب تصريحات فلورنس بارلي وزيرة الجيوش الفرنسية بأن قواتها ستواصل عملياتها العسكرية في مالي ضد المقاتلين. مضيفةً أنه رغم الانقلاب العسكري في مالي إلا أن عملية برخام العسكرية ستواصل عملها دون توقّف. وأنَّ فرنسا تتابع بشكل مستمر اجتماعات القادة العسكريين لدول الساحل الخمس([15]).
5- المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا:
قام وفد من مجموعة “إكواس” بالسفر إلى باماكو؛ وذلك للوساطة في الأزمة التي تعيشها مالي، ويقود هذه الزيارة الرئيس النيجيري السابق جوناثان، والذي كان قد التقى بقادة اللجنة الوطنية التي شكَّلها المتمردون، وقد تناولت بعض التقارير لقاءه مع المعزول كيتا داخل محبسه([16]).
ويتضمن أيضًا برنامج وفد “إكواس” لقاء أيضًا مع سفراء الدول الخمس الكبرى بمجلس الأمن داخل مالي، لكي يتم التعرّف على نتائج الزيارة([17]).
المحور الثاني: الصراع والتنافس الفرنسي الأمريكي داخل إفريقيا
تعتبر دولة مالي واحدة من الدول الإفريقية التي تشهد صراعًا دوليًّا بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، كما هو حال التنافس بينهم داخل منطقة القرن الإفريقي، فمالي إحدى دول النفوذ الفرنسي، التي تحظى باهتمام بالغ من جانب رؤساء فرنسا منذ تحقيق الاستقلال عنها؛ فالاهتمام الفرنسي ليس فقط داخل مالي، لكن يمتدّ ليشمل دول الساحل الإفريقي الذي ترتبط بينهم مصالح قوية وحيوية، فتعمل فرنسا على تهدئة الأوضاع واستقرار المنطقة لحفظ المصالح، كما أن فرنسا من خلال هيمنتها بالمنطقة كوَّنَتْ ما يُعْرَف برابطة الفرنكوفونية وهي الدول الناطقة بالفرنسية، ومن ثم يتم عقد القمة الفرنسية الإفريقية بشكلٍ دوريّ بدءًا من فبراير عام 1973م.
كما أن فرنسا تسعى لتثبيت نفسها أكثر كقوة دولية فاعلة داخل المنطقة، وتسعى لإيجاد فرص لإنشاء قاعدة عسكرية، في ظل الحصار الأمريكي الصيني لقاعدتها العسكرية في جيبوتي والمعروفة بقاعدة كامب لموان([18])، فكون مالي إحدى دول فرنسا الاستعمارية جعلها مؤهَّلة أكثر من غيرها كي تَفْرِض عليها سيطرتها.
أما عن أمريكا؛ فالوضع مختلف، فهي تخشى من انتشار الجماعات المسلحة والمتطرفة داخلها، كما أن أعضاء البنتاجون طالبوا بتدخُّل أمريكا ضد المتطرفين، إلا أن مستشاري البيت الأبيض قلّلوا من أهمية الأمر، وأكَّدوا أن الأمر مختلف تمامًا عن حالة أفغانستان([19]).
والصراع الفرنسي الأمريكي ظهر داخل إفريقيا بشكل عام، وامتد ليصل أيضًا لمالي ومن قبله داخل منطقة القرن الإفريقي والصراع القائم حول القواعد العسكرية سواء داخل جيبوتي وإريتريا، فالولايات المتحدة الأمريكية هي المنافس الأول والأقوى للجانب الفرنسي، خصوصًا في مجال تأثيرها في الوسط والغرب، كما تسعى فرنسا لتأمين مصالحها في الغرب خصوصًا في ظل التنامي الصيني التركي ومن قبله الأمريكي داخل القارة الإفريقية، كما تسعى الولايات المتحدة في ضرب المصالح الفرنسية في مالي من خلال دعم الصراع الناشئ داخل الشمال المالي من أجل وضع أقدامها بالمنطقة، في ظل تزايد أهمية مالي نتيجة أهمية موقعها الاستراتيجي وكذلك الموارد الطبيعية التي تمتلكها، كما تعمل فرنسا بكلّ قوة من أجل منع نشر قوات أمريكية في منطقة الساحل الإفريقي يعرقل من الوجود والهيمنة الفرنسية.
كما أن الجانب الأمريكي سعى منذ بداية الأزمة داخل مالي بإقناع الجانب الجزائري بالتدخل المباشر والعسكري في مالي، مستغلَّة بذلك التعاون الاستراتيجي الأمريكي الجزائري([20])، وهو ما أدى إلى توتر العلاقات الأمريكية الفرنسية أكثر؛ بسبب ارتباط المصالح الفرنسية مع الرئيس “إبيكا”.
كما أن بعض التقارير أشارت إلى التدخل العسكري الأمريكي في مالي، وإنفاق ما يزيد عن نصف مليار دولار أمريكي من أجل تسليح مجموعة مقاتلين ماليين يزيد تعدادهم عن الألف جندي([21])، وتم تدريبهم بشكلٍ واسعٍ وقويّ من أجل محاربة والقضاء على تنظيم القاعدة وجماعة بوكو حرام داخل إفريقيا، كما تم أيضًا دعم هؤلاء الجنود لخدمة المصالح الإمريكية بالمنطقة، وما لبثت هذه القوات إلى أن وجدت نفسها في صراع مع الجنود الفرنسيين الذين يسعون في القضاء على الجماعات المسلحة، وهو ما زاد من حدَّة الصراع بين فرنسا وأمريكا، وظهر ذلك في التواجد الأمريكي داخل جيبوتي لتهديد التواجد الفرنسي بها، ومحاولة تضييق الخناق عليها؛ حتى لا تنفرد فرنسا وحدها بقاعدة داخل جيبوتي تفرض سياستها كيفما تشاء، وبما يخدم مصالحها فقط.
المحور الثالث: تداعيات الأزمة على مالي ودول غرب إفريقيا
تعتبر الأزمة في مالي واحدة من أكثر الأحداث التي لاقت الكثير من الصدى، ليس فقط على المستوى الإقليمي الإفريقي، بل امتدَّ صداها ليشمل الصعيد الدولي، وهو الذي ظهر واضحًا من خلال تصريحات العديد من مسؤولي الدول، ولا سيما الاهتمام الكبير الذي تلقاه الأزمة من متابعة أولوية من الرئيس الفرنسي ماكرون، ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة لعقد جلسة طارئة بمجلس الأمن عقب الانقلاب العسكري والتمرُّد على الرئيس “إبيكا”.
فمالي واحدة من أكثر الدول الإفريقية التي تعاني من انتشار الفقر والجماعات المسلحة والحركات التمردية، وترتبط بسبع دول جوار تربطهم علاقات متوترة تارة ومستقرة نسبيًّا تارة أخرى، فدول الجوار المالي هي الجزائر وموريتانيا والنيجر، وكذلك السنغال وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا، وكذلك هي واحدة من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وهي إحدى الدول الخمس لدول الساحل الإفريقي، فذلك السَّرد يوضّح مدى ارتباط مالي بالعديد من القوى، وحدوث مثل هذه الظواهر داخلها يؤثر بالتالي على مستقبل هذه التكتلات، ويجعل التعامل مع الدولة بشيء من الحذر حتى لا تؤثر في الدول الأخرى خصوصًا في ظل ما تتعرض له قارة إفريقيا من تحديات ومخاطر على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي.
ورغم أن مالي تُعتبر من أفقر دول القارة، إلا أنَّها تمتلك ثروة طبيعية هائلة وهو ما جعلها مطمعًا للقوى الكبرى التي تسعى لفرض سيطرتها، فمالي تُعتبر في المرتبة الثالثة لأكثر دول القارة إنتاجًا للذهب، وكذلك تحتوي أراضيها على اليورانيوم، كما أن موقع مالي يؤثر على باقي المنطقة، ولا سيما تأثيرها على المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وكذلك دول الساحل الإفريقي.
كما أن مالي تعتبر حلقة وصل فعَّالة ليس فقط على المستوى الشمالي والجنوبي للقارة، بل كانت أيضًا حلقة الوصل بين الشعوب الإفريقية والعربية عبر التقاء الحضارات وتبادل الثقافات([22])، إلا أن التدخلات الأجنبية كان لها الدور القويّ في حدوث الصراعات الداخلية والعرقية.
أولاً: تأثير الانقلاب على دول غرب إفريقيا
قبل الانقلاب بما يقرب من شهر، وعقب زيادة حدَّة الصراعات والاحتجاجات التي تطالب الرئيس إبيكا بتقديم استقالته، ومع إصرار كلّ طرف برأيه ورفض “إبيكا” الاستقالة؛ قام وفد مع مجموعة إيكواس بزيارة عاجلة إلى باماكو، والتي سعت إلى تهدئة الأوضاع، ومحاولة الوصول لحلٍّ، ووقف الصراع وأعمال العنف والنزاعات القائمة، كما أن دول الجوار المالي قلقة بشأن ما يحدث من صراعات وفوضى، إلا أن هذه الوساطة الطارئة من جانب دول غرب إفريقيا فشلت في تحقيق حل الأزمة السياسية([23]).
ومع زيادة حدة الصراع وإصرار المعارضة المالية على استقالة “إبيكا” من منصبه؛ نتيجة تدهور الوضع الأمني، ومع عجز السلطات عن التصدي للعنف القائم والفساد السياسي والإداري، ومع حالة الركود الاقتصادي، وما حدث خلال الانتخابات البرلمانية لم يكن أمام مجموعة الوساطة إلا أن ترجع دون تحقيق أيّ فائدة تُذْكَر.
لقد تدخلت دول غرب إفريقيا لتحقيق الوساطة قبل الانقلاب وبعده، من خلال الزيارة التي قام بها وفد المجموعة قبل الانقلاب للتهدئة، وبعده التقى وفد المجموعة قادة الانقلاب بالتنسيق مع سفراء الدول الخمس الكبرى بمجلس الأمن داخل مالي.
ولعل تداعيات الأزمة تظهر بشكل واضح على عدة دول؛ من أبرز هذه التداعيات:
1- تداعيات الأزمة على الجزائر:
الجزائر هي الحد الشمالي الشرقي لمالي، ومع وجود حالة من الانقسام والصراع في الشمال المالي، قد تواجه الجزائر محنة كبيرة وتحديات تُوجب على الجميع التعاون من أجل منع النازحين من التسلل داخل الجزائر، والعمل على منع انتشار المجموعات المسلحة داخلها، خصوصًا وأن الجزائر شهدت العديد من التحديات مع العناصر المسلحة، والتي تمركزت بها للتدريب، ولعل صلة القرابة أو التنسيق بين مجموعتي الأزواد والطوارق([24]) يجعل من الصعوبة مواجهة جماعات مدرَّبة جيدًا على الحروب غير النظامية.
2- تداعيات الأزمة على دول جنوب مالي:
ترتبط الحدود الجنوبية المالية بعدة دول، وهي السنغال وساحل العاج وبوركينا فاسو وغينيا، وقد تجد هذه الدول نفسها أمام اضطرابات لا تقل تأثيرها عن تأثيرات الجماعات المسلحة وأعمال القرصنة التي تشهدها منطقة الوسط والجنوب والغرب في القارة، بعد انخفاض تأثيرات القرصنة داخل الصومال وبالتحديد إقليم بونت لاند([25])، وكذلك أعمال القرصنة داخل منطقة القرن الإفريقي.
فالأزمة المالية قد يكون لها تأثير بالغ على دول الجنوب في ظل انتشار الجماعات الإرهابية، خصوصًا جماعة بوكو حرام بنيجيريا وهي إحدى دول الجوار في جنوب مالي، كما أن بعضهم يعاني من ضعف الأنظمة السياسية ووقوعها تحت دائرة الدول الأفقر في القارة، أما غينيا التي تقع في مقدمة الدول التي تعاني من الهشاشة([26])؛ فقد تكون نقطة استقطاب قوية للجماعات الإرهابية والمسلحة.
3- تداعيات الأزمة على موريتانيا:
تزايد الصراع داخل مالي، وفشل كلّ أشكال الوساطات التي قامت بها العديد من القوى والتكتلات، وتمسُّك المتمردين بمطالبهم، وزيادة حدة الصراعات بين مؤيدي الانقلاب ومناصري الرئيس المعزول؛ قد يكون له تأثير آخر على موريتانيا، التي تعتبر أضعف دول الجوار لمالي؛ نتيجة لضعف النظام السياسي، وعدم الاستقرار، فحالة الضعف وعدم وجود جبهة قادرة على مواجهة المخاطر التي تحوم حول المنطقة يجعل من الصعب مواجهة التحديات الناجمة عن النازحين من مالي، خصوصًا في ظل وجود حالة من الصراع بين مؤيدي الانقلاب ومعارضيه، كما أن القبائل داخل موريتانيا تتمتع بعلاقات قوية مع بعض القبائل بشمال مالي، وهو ما يُضْعِف التصدّي للنازحين والتشابك بين العناصر المسلحة كالأزواد([27]) وبعض المجموعات التابعة لحركة بوكو حرام المنتشرة داخل المنطقة.
ثانيًا: سيناريوهات ما بعد الانقلاب
من خلال عرض الأزمة في مالي، وكذلك تاريخ مالي مع الانقلابات العسكرية منذ تحقيق الاستقلال عن فرنسا، يمكن وضع سيناريوهات مستقبلية للوضع لما بعد الانقلاب، تجيب عن مجموعة من التساؤلات: هل الإطاحة بـ”إبيكا” سيحقّق الانتفاضة الاقتصادية ويُحسّن الوضع السياسي التي يسعى إليها قادة الانقلاب، وهل سيكون للمعارضة في مالي دورٌ مؤثرٌ، وما مصير حركة 5 يونيو داخل مالي، وما مصير الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي كانت مالي طرفًا فيها، خصوصًا مع الجانب الفرنسي الذي يسعى لحماية مصالحه داخل الساحل ومنع التقدم الأمريكي بالمنطقة، وما مصير دول الجوار لمالي إثر الإطاحة بـ”كيتا” في ظل سعي الدول لمنع تكراره داخل أراضيها.
السيناريو الأول:
قد ينذر بتدخل عسكري إقليمي ودولي لحماية المصالح، وسعيًا لعودة الرئيس المعزول، خصوصًا في حالة عدم الاعتراف بالاتفاقيات التي أُبرمت خلال الفترة الرئاسية الثانية لحكم “كيتا”، وقد تسعى بعض الدول لاستخدام هذا التدخل كفرض سيطرة وفتح اتصالات جديدة مع النظام الجديد.
السيناريو الثاني:
يشير إلى عدم رجوع الرئيس المعزول وأن نظامه أصبح غير مرغوب فيه في ظل الغضب الشعبي ضده بعد الانتخابات الأخيرة، وكذلك بعد تقديم استقالته بشكلٍ سريع عقب الانقلاب عليه، وذلك يقود إلى بوادر انقلاب 2012م بإجراء انتخابات رئاسية مدنية، وخروج القادة العسكريين من الصورة والعودة لمناصبهم العسكرية، وترك الحياة السياسية.
السيناريو الثالث:
وفيه إشارة للانقلابات العسكرية السابقة عقب الإطاحة بالرئيس المعزول؛ حيث يتم نفيه خارج البلاد؛ لأن قادة الانقلاب يسعون إلى تحقيق ذلك عبر نفي الرئيس “إبيكا” إلى إحدى دول الساحل، وقد تكون السنغال هي الأقرب؛ حيث نُفِيَ بعض المُطَاح بهم من الحكم إلى السنغال.
السيناريو الرابع:
قد تُشكِّل المؤسسة العسكرية حكومة انتقالية لفترة معينة، ويتم تحديد موعد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، ويتم مشاركة قائد حركة 5 يونيو بالحكومة تقديرًا لدوره، وقد يتولى رئاسة الحكومة بإشراف عسكري.
السيناريو الخامس:
قد يتم تشكيل حكومة انتقالية من المعارضة في مالي، ولكن تكون تحت إشراف وضغط دولي وإقليمي، تلعب فيها فرنسا دورًا قويًّا لحماية أهدافها، والتي تسعى لكسب وُدّ النظام الجديد وإرسال رسالة سلام للشعب المالي.
لعل هذه أقرب السيناريوهات بناء على الأسباب ودوافع الإطاحة بالرئيس “إبيكا” من الحكم، وكذلك التدخل الإقليمي والفرنسي، مع محاولة دول الجوار لحفظ مصالحها، وسعي المعارضة لوضع قدمها داخل الحكومة الجديدة وفي المرحلة التي تشهدها مالي.
خــتـامـًا:
إن الانقلاب العسكري في مالي ليس بجديد على الساحة الإفريقية أو على مالي بشكل خاص، كما أن تعليق العضوية من جانب الاتحاد الإفريقي، ما هي إلا محاولة لتهدئة الأوضاع، وسوف تعود للاتحاد بعد عودة النظام الدستوري، إلا أن الاتحاد الإفريقي ما يزال يعاني من بعض المعوقات التي لا تُمكّنه من تحقيق ما يسعى إليه.
ويرى الباحث أن الانقلابات العسكرية، سواء على الساحة الإفريقية بشكل عام، أو داخل مالي بشكل خاص؛ سوف تستمر طويلاً ما لم يتم وضع العراقيل وسَنّ التشريعات الملزمة لجميع دول الاتحاد الإفريقي.
إنَّ الانقلاب العسكري الذي يُعبّر عن واقع الأزمة في مالي، والمنطقة الإفريقية، هو في الأساس يُعبّر عن أزمة تنموية، تحتاج إلى تكاتف الجهود، وأن يضطلع المجتمع الدولي بدوره الفاعل الواجب في مساندة الدول الإفريقية في إحداث تلك التنمية الحقيقية التي تسعى لتحقيقها الشعوب الإفريقية، وبالشكل الذي يُحقّق الاستقرار ويناصره في القارة وفقًا للرؤى والمصالح الإفريقية وليس الاستعمارية، فإنه ينبغي على الشعوب والحكومات الإفريقية معرفة أن مستقبل القارة يستند ابتداءً إلى أن تكون تنمية إفريقيا بالأفارقة وللأفارقة فقط بعيدًا عن المصالح الغربية.
المراجع العلمية:
أولاً: المراجع باللغة العربية:
وكالة الأناضول، القارة السمراء.. تاريخ حافل من الانقلابات العسكري، أنقرة 24/8/2020م.
فاروق حسين أبوضيف، التحديات التي تواجه عملية التمكين السياسي للشباب الإفريقي، دراسة تحت النشر.
خريطة الصراعات الدينية في إفريقيا – مركز الجزائر للدراسات السياسية.
تداعيات الصراعات الحدودية في القرن الإفريقي وتأثيرها على حالة الاستقرار، فاروق حسين أبو ضيف، المركز العراقي الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، 17 يونيو 2020م.
أربعة انقلابات عسكرية في مالي.. فقر يتوسع وإرهاب يتمدد، المركز الفرنسي الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، 19/8/2020م.
مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، هل تنعش مالي ثقافة الانقلابات العسكرية في إفريقيا؟، 24 أغسطس 2020م.
د. سيد علي أبو فرحة، التدخل العسكري في مالي.. تدويل تداعيات إخفاق الدولة دون مسبّباتها، قراءات إفريقية، 22/2/2017م.
عثمان سيسي، أزمة مالي في ضوء الفشل السياسي الداخلي والأطماع الفرنسية الخارجية، مجلة قراءات إفريقية، 23/7/2020م.
الانقلاب العسكري في مالي.. تفاصيل الحدث، قراءات إفريقية، 19 أغسطس 2020م.
فاروق حسين أبو ضيف، الانقلاب العسكري في مالي، المركز الفرنسي الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، 20 أغسطس 2020م.
د. أماني الطويل، مسارات تهديد الأمن العربي في جنوب البحر الأحمر، السياسة الدولية، العدد 212، أبريل 2018م، المجلد 53.
د. عصام عبد الشافي، التداعيات الاقتصادية للأزمة في مالي، مجلة قراءات إفريقية، 22/2/2017م.
سهام محمد عز الدين، ظاهرة القرصنة على سواحل الصومال وخليج عدن: دراسة في الأبعاد والتداعيات الإقليمية والدولية، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، القاهرة 2012م، ص3-5.
عزة هاشم، أزمة الدول الهشّة في القرن الإفريقي، السياسة الدولية، أبريل 2018م.
سكاي نيوز عربية – أبو ظبي، 25 يونيو 2020م.
حرب أزواد، أمريكا تلعب من وراء الستار، واليورانيوم كلمة السر في الحرب، بوابة الوفد الإلكترونية.
وفد من إكواس يصل باماكو للوساطة في الأزمة السياسية التي تعيشها مالي، PanaPress، 23 أغسطس2020م.
سليمان عمر منغاني، أزمة الدولة في جمهورية مالي: الأبعاد والتداعيات، بوابة الهدف الإخبارية، 13 أغسطس 2020م.
فشل الوساطة الإفريقية لحلّ الأزمة في مالي، جريدة العرب الدولية – الشرق الأوسط، 25/7/2020م. https://aawsat.com/home/article/2409841/%D9%81%D8%B4%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%AD%D9%84-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A
ثانيًا: المراجع باللغة الأجنبية:
Le Mali Suspendu de L’union Africaine، L’Economiste، 19/8/2020
Mali: Isolation beckons as ECOWAS piles pressure on junta leaders، DW RECOMMENDS، 21/8/2020.
https://www.cia.gov//library/publications/the-world-factbook/geos/so.html.
الهوامش
[1]– وكالة الأناضول، القارة السمراء .. تاريخ حافل من الانقلابات العسكرية، أنقرة 24/8/2020م.
[2]– خريطة الصراعات الدينية في إفريقيا – مركز الجزائر للدراسات السياسية.
[3]– فاروق حسين أبوضيف، التحديات التي تواجه عملية التمكين السياسي للشباب الإفريقي، دراسة تحت النشر.
[4]– تقرير منظمة الصحة العالمية الذي صدر فيه أن عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص الغذاء في الساحل الإفريقي يزيد عن 75 مليون نسمة.
[5]– تداعيات الصراعات الحدودية في القرن الإفريقي وتأثيرها على حالة الاستقرار، فاروق حسين أبوضيف، المركز العراقي الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، 17 يونيو 2020م.
[6]– أربعة انقلابات عسكرية في مالي.. فقر يتوسع وإرهاب يتمدد، المركز الفرنسي الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، 19/8/2020م.
[7]– مرجع سابق.
[8]– مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، هل تنعش مالي ثقافة الانقلابات العسكرية في إفريقيا؟، 24 أغسطس 2020م.
[9]– د. سيد علي أبو فرحة، التدخل العسكري في مالي.. تدويل تداعيات إخفاق الدولة دون مسبّباتها، قراءات إفريقية، 22/2/2017م.
[10]– عثمان سيسي، أزمة مالي في ضوء الفشل السياسي الداخلي والأطماع الفرنسية الخارجية، مجلة قراءات إفريقية، 23/7/2020م.
[11]– الانقلاب العسكري في مالي.. تفاصيل الحدث، قراءات إفريقية، 19 أغسطس 2020م.
[12]– فاروق حسين أبو ضيف، الانقلاب العسكري في مالي، المركز الفرنسي الإفريقي للدراسات الاستراتيجية، 20 أغسطس 2020م.
[13] Le Mali suspendu de l’Union africaine, L’Economiste,19/8/2020. https://leconomiste.com/flash-infos/le-mali-suspendu-de-l-union-africaine?fbclid=IwAR0yvk1hXkAdb4IIaHDxm8DxUHVKYPXiwiXuOCxX5Ee8KDFJRKGc11-qWBQ
[14]– مرجع سابق.
[15]– سكاي نيوز عربية – أبوظبي، 25 يونيو 2020م.
[16]– وفد من إكواس يصل باماكو للوساطة في الأزمة السياسية التي تعيشها مالي، PanaPress، 23 أغسطس2020م.
[17]– Mali: Isolation beckons as ECOWAS piles pressure on junta leaders, DW RECOMMENDS, 21/8/2020.
[18]– د. أماني الطويل، مسارات تهديد الأمن العربي في جنوب البحر الأحمر، السياسة الدولية، العدد 212، أبريل 2018م، المجلد 53.
[19]– تداعيات الأزمة في مالي، مرجع سابق.
[20]– التدخل العسكري في مالي، مرجع سابق.
[21]– حرب أزواد، أمريكا تلعب من وراء الستار، واليورانيوم كلمة السر في الحرب، بوابة الوفد الإلكترونية.
[22]– سليمان عمر منغاني، أزمة الدّولة في جمهورية مالي: الأبعاد والتداعيات، بوابة الهدف الإخبارية، 13 أغسطس 2020م.
[23] – فشل الوساطة الإفريقية لحل الأزمة في مالي، جريدة العرب الدولية – الشرق الأوسط، 25/7/2020م.
https://aawsat.com/home/article/2409841/%D9%81%D8%B4%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%AD%D9%84-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A
[24]– د. عصام عبد الشافي، التداعيات الاقتصادية للأزمة في مالي، مجلة قراءات إفريقية، 22/ فبراير /2017م.
[25]– سهام محمد عز الدين، ظاهرة القرصنة على سواحل الصومال وخليج عدن: دراسة في الأبعاد والتداعيات الإقليمية والدولية، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، القاهرة 2012م، ص3-5.
[26]– عزة هاشم، أزمة الدول الهشة في القرن الإفريقي، السياسة الدولية، أبريل 2018م.
[27]– حرب أزواد، أمريكا تلعب من وراء الستار، واليورانيوم كلمة السر في الحرب، بوابة الوفد الإلكترونية.