من يطلب من البرهان تغيير سياسته، كمن يطلب من الأفعى تغيير جلدها

0 97

تعليقات في السياسة الداخلية

الأنباء التي أوردتها الصحف المختلفة عن طلب البرهان من القوات المسلحة تفويضه لاستلام السلطة، ولقاءاته المختلفة مع قيادات النظام الطفيلي ومن بينها لقاؤه الأخير مع وزراء وتنفذين في النظام القديم مثل أحمد بلال وزير الصحة والداخلية في نظام البشير وغيرها من الممارسات ليست أمراً مستغرباً. فالبرهان جزءٌ لا يتجزأ من نظام البشير بل في قمة الأجهزة العاملة على حراسته، وكل الدلائل تؤكد أنه كان وسيظل يدين بالولاء لذلك النظام ويعمل بكل جهد ومثابرة على وراثته بكل تشوهاته وعاهاته. فهو يعلم أن شخوص ذلك النظام قد احترقت في نيران الفساد الذي أشعلوه ولم تعد مقبولة من شعب السودان. ولهذا فهو يحاول وضع يده ومن يشاركه على أموال وشركات القطاع العام التي آلت بالأيلولة إلى قيادات الاخوان المسلمين ومن وضع نفسه تحت خدمة من تبقى منهم.

اكرر أن كل تلك الأفعال ليست أمراً جديداً، بل هي ما يضمره البرهان وشركاؤه من المكون العسكري ومن عملوا بكل الأساليب لاستقطابهم سواء داخل مجلس السيادة أو غيره من مؤسسات الدولة، لتظل الدولة العميقة باقية ما بقي المكون العسكري ممسكاً بأهم مواقع السلطة وبزمام الاقتصاد ومواعين الخدمات المختلفة.
أؤكد كل ذلك بما اعترف به البرهان نفسه.

قال البرهان في حديث نشرته صحيفة آخر لحظة الصادرة في 21/6/2019م ما يلي: “تناول البرهان ترتيبات الفترة الانتقالية وكشف عن أن ترتيباتهم كانت عدم تشكيل حكومة مدنية، وأن يعملوا كمجلس عسكري بحت خلال الفترة الانتقالية، لدرجة أنهم وضعوا لائحة حددت مهام المجلس العسكري. وأن ينحصر عمل المجلس العسكري خلال عامي الفترة الانتقالية في أربعة ملفات فقط هي:

1. تحقيق السلام مع حملة السلاح.
2. بسط الحريات.
3. معاش الناس.
4. التنظيم للانتخابات.

ولكنهم لبوا رغبات المواطنين بمشاركة المدنيين. الآن نريد انتقال الأوضاع إلى سلطة مشتركة، لا عسكرية بحتة، ولذا ننعى شعار (مدنية) الذي تتمسك به قوى الحرية والتغيير.
واطلق رئيس المجلس العسكري أربعة لاءآت للمرحلة المقبلة هي:

1. لا تشريعات جديدة.
2. لا هيكلة للقوات المسلحة.
3. لا هيكلة لجهاز الأمن والمخابرات.
4. ولا تصفية للخدمة المدنية.

وأن هذه الملفات ستوضع في طاولة الحكومة المنتخبة. وأبدى البرهان تخوفه من انزلاق البرلمان (المجلس التشريعي) الانتقالي فيما يضر الخدمة المدنية وبروز المحاصصات.”

قبل الخوض في هذه اللاءآت مهم توضيح بعض القضايا التي حاول البرهان – وبراءة الأطفال في عينيه – أن يخم بها شعب السودان. فهو عندما يقول أنهم (لبوا رغبات المواطنين بمشاركة المدنيين) لا يقول الحقيقة أنهم فعلوا ذلك صاغرين وحانين رؤوسهم للعواصف المليونية التي اندلعت في كل أرجاء البلاد بعد المجزرة البشعة التي قاموا بها لفض اعتصام الثوار في ميدان رئاسة القوات المسلحة، هاتفين بسقوط المجلس العسكري وقيام حكومة مدنية. ما يؤكد ذلك أيضاً، أنهم كانوا يعتقدون بفضهم الاعتصام بتلك البشاعة والنذالة أنهم قضوا على الثورة، ولهذا تنكروا لكل الاتفاقات التي ابرموها مع قوى الحرية والتغيير قبل فض الاعتصام، وقالوا أن (قحت) لا تمثل شعب السودان، بل أكثر من ذلك (نعوا) شعار (مدنية).
ما يفضح البرهان ويكشف نواياه هو ما أورده عن خطة عمل المجلس العسكري المشار إليها والمقرر العمل بها كبرنامج للفترة الانتقالية، إنها لم تتطرق من بعيد أو قريب لأهم الشعارات التي رفعها الثوار كمطالب واجبة التنفيذ وعلى رأس اسبقيات الفترة الانتقالية وشملتها الوثيقة الدستورية وهي.

• محاكمة من قاموا بانقلاب يونيو المشؤوم، ومحاكمة قادة المؤتمر الوطني وحكوماته المختلفة المتعاقبة على الحكم في الجرائم البشعة التي ارتكبت في ظلها. مهم القول، إنه لولا الاصرار الشعبي للثوار وتكرار هتافاتهم في المسيرات المليونية، لما قدم بعض هؤلاء المجرمين للمحاكم القائمة الآن، ولأستمر التسكع والتلكؤ المقصود في تقديمهم للعدالة. ولا زال خطر وقف هذه المحاكم قائماً ويحتاج للمزيد من اليقظة والحذر حتى تسرع في القيام بالمسؤولية التي يلقيها الشهداء والمفقودين واسرهم على عاتقهم لتنفيذ القصاص العادل.

• أما عن (معاش الناس)، فالبرهان يخدع نفسه قبل أن يخدع الأغلبية الساحقة من شعب السودان التي تكتوي بنيران السياسة الاقتصادية الفاسدة التي سلكها نظام البشير حذو النعل بالنعل، انصياعاً ورضوخاً للبنك وصندوق النقد الدوليين والتي اكتوى منها حتى المدينين للسودان بما يبلغ 60 مليار دولار، غير الاستدانة المحلية. بل دفع الوضع الاقتصادي الكارثي أن توجه هذه الصناديق الدولية حكومة السودان بعدم اللجوء للاستدانة لأن الأموال التي في يد شركات الأمن والجيش وغيرها كافية لسد كل احتياجات السودان وانقاذ اقتصاده من الانهيار ورفع الضائقة الاقتصادية عن شعبه.

إن عدم اتخاذ البرهان قراراً حاسماً بتحويل شركات الشعب التي تتاجر بها القوات المسلحة لوزارة المالية بعد جرد حساب ومراجعة تامة لها، يؤكد النوايا المستبطنة له ولمشاركيه، كما ذكرنا من قبل.

أما اللاءآت الأربعة التي اطلقها البرهان، فهي كافية لتوضح بكل جلاء اصرار البرهان على ابقاء أجهزة النظام القديم – القوات المسلحة، جهاز الأمن والمخابرات، والخدمة المدنية – كما هي ولا تمسها هيكلة أو تغييرات. بحجة (وضعها في طاولة الحكومة المنتخبة). علماً بأن كل المؤشرات والممارسات تؤكد الإصرار على تفريغ الثورة من كل شعاراتها تدريجياً حتى تتم سرقتها تماماً وإقامة نظام عبر (هبوط ناعم)، يحافظ على كل سياسات شريحة طبقة الرأسمالية الطفيلية بقيادات جديدة بديلة لتلك التي انكشف فسادها وغرقت في لجته.

أما حديث البرهان عن (تخوفه من انزلاق المجلس التشريعي الانتقالي فيما يضر الخدمة المدنية وبروز المحاصصات.) فهو كسب للوقت لتأجيل قيام المجلس التشريعي، والذي لم يرد أصلاً في برنامجهم، يكشف حقيقة هذه النوايا والتي ليس من بينها انزلاق المجلس التشريعي فيما يضر …الخ بل لأن المجلس التشريعي ستؤول إليه كل صلاحيات القوانين والتشريعات التي يقوم بها الآن المجلس السيادي واسماً مجلس الوزراء. هذا هو مصدر الخوف الحقيقي. ولهذا تم التسويف والتأجيل لقيامه، حتى تتم المحاصصة (الجد) في مفاوضات جوبا وبإشراف المكون العسكري يتم ضمان من سيشاركون في المجلس التشريعي لمصلحة المخطط الهادف للهبوط الناعم.

انني لا أجد شاهد اثبات على كل ما ذكر أفضل وأصدق من الكباشي عندما قال في دارفور:

الدعوة لعودة العسكريين للثكنات اضعاف للعسكر واهانة لهم. وأن وجود العسكر في السلطة هو صمام أمان ثباتها واستقرارها. وأن العسكر في السودان سيكونون في السلطة اليوم وفي المستقبل وليس هناك قوة ستمنعهم من ذلك.
هذا (الطبيظ) يكشف بما لا يدع مجالاً للشك كل ما هو مستبطن تجاه ثورة ديسمبر 2018م
يزيد تأكيد ما ذهبنا اليه شاهداً آخر من ذات بطانة المجلس العسكري هو ياسر العطا عندما صرح في المنطقة العسكرية ببحري قائلاً، لن نسلم السلطة لقوى الحرية والتغيير طالما بها الحزب الشيوعي وحزب البعث. هذه الأحزاب ليس لها قبول اقليمي ودولي وهناك خيارات كثيرة قطعنا فيها شوطاً كبيرا.

كل هذه التصريحات تستوجب اليقظة العالية للثوار والاستعداد التام لكل القوى التي صنعت الثورة لمواجهة كل الاحتمالات. لا نمل تكرار ما قلناه من قبل ومرة أخرى نقول لهؤلاء العسكريين وكل أعداء الثورة والحالمين بسرقتها وإعادة التاريخ إلى الوراء، أنكم واهمون، لأنكم لم تستوعبوا أن ما قام به شعب السودان ليس مظاهرة عابرة أو انتفاضة مؤقتة يمكن سحقها بالعنف كما حدث في انتفاضة سبتمبر 2013م أو بالإرهاب والقتل والاغراء والإغواء وشراء الذمم. كل ذلك وابشع منه مارستموه وفشل فشلاً ذريعاً لأن الثورة الشعبية عميقة الجذور، تخلقت في رحم السودان وأوغلت عميقاً في ضمير شعبه وترسخت في كل مدنه وقراه وبواديه عبر نضالات ومجالدة وتضحيات جسيمة منذ الاستقلال واكتسبت خبرات واسعة وراكمت تجارب سرقة ثورة أكتوبر وانتفاضة مارس أبريل وهبة سبتمبر 2013.

تراكم هذا التراث النضالي المتوارث اباً عن جد في اتساق جدلي هو ما استوعبه شباب وشابات السودان وفجروه ثورة عارمة شهد العالم أجمع بصمودها وبسالتها واصرارها على البقاء حتى تنفذ كل اهدافها مع الاستعداد لتقديم المزيد من التضحيات لمئات الشهداء الذين سبقوهم. ولهذا صارت شعاراتها ومتاريسها ولجان مقاومتها الباسلة الشجاعة ومسيراتها المليونية وكل ما ابتدعه شابات وشباب السودان، والتي عمت انحاء العالم، اصبحت متجذرة في واقع السودان تماماً مثل أوتاد الجبال الشاهقة عميقة الغور يستعصي اقتلاعها. انها ثورة الوعي بكل المظالم وكيفية حلها. لهذا لم تعد ملكاً لشعب السودان وحده، بل تحولت إلى منارة اهتدت بها شعوب العديد من بلدان العالم، التي تناضل ضد الظلم والطغيان والافقار المطلق ولهذا أيضاً فإن الذين يتآمرون لإجهاضها وسرقتها سيواجهون لا شعب السودان وحده، بل كل هذه الشعوب المناضلة وسيصبحون هدفاً لكل المناضلين من أجل الحرية والسلام والعدالة.

لا زالت جذوة الثورة متقدة وستزداد ضراوتها كلما ساءت الأحوال المعيشية والخدمية المختلفة، يحرسها كل الذين صنعوها وعلى رأسهم شابات وشباب السودان في لجان المقاومة المختلفة، ولا زال نداؤهم للنضال ضد المؤامرات التي تحاك ضد الثورة عالياً وحاضراً، كما جسده اسود البراري بالأمس ضد (الكيزان) اصحى يا ترس .. كن جاهزاً رغم الكورونا .. فالموت شهيداً دفاعاً عن الثورة اكرم بما لا يقاس بالموت بالكورونا.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.