أبناء العباس أعطوا الناس: هكذا كان صيتنا في يثرب الرسول

0 107
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
أكبر اعتراضات المتأفرقة الجدد (في قول وصف محمد المكي إبراهيم لهم) على عروبة أمثالي أن عرب الجزيرة والخليج وغيرهم لا يعترفون لنا بمثلها. وهكذا جعلوا للهوية ضامناً أو كفيلاً له حق الموت والحياة على الهوية العربية لغير المستحق. وهذا شرط لن تجده في أي تعريف سائر للهوية. فيقول هؤلاء المتأفرقة إن أولاد العرب السودانيين عادوا بعد صدمة المهاجر وقد اكتشفوا أفريقيتهم الكامنة بعد طول ضلال في عروبة متوهمة. وهذا ما سميته أمس “الأفرقة بالصدمة” التي رأينا كتاب التاريخ للصف السادس أساس يروج لها.
وأكتفي هنا بالنظر إلى شرط اعتراف العرب بنا لتخلص لنا عروبتنا السودانية من زاويتين. الأولي: هل كنا عرب السودان دائماً طريدي العروبة أم جد ما جعلنا كذلك؟ الثانية: هل ضَمِن المتأفرقة الجدد أن لن يعودا بصدمة من أفريقيا التي تعتقد في جوهر أفريقي سابق لقدوم المسيحية والإسلام معاً؟ وهم ما عليه من إسلام ولسان عربي؟
أسأل: هل نظر عرب الكفالة في الخليج والجزيرة لنا ك”متسلبطي” عروبة دائماً وأبدا؟ وأترك المجال هنا للاستاذ شوقي بدري ليجيب ب”لا” لا بغيرها. فقد نقل من قريب في الأسافير نصاً من كتاب “حياتي” لجده بابكر بدري يثبت أن عرب الحجاز كانوا يعدوننا من بني العباس ويتكففونا. وهذا هو النص: “وكان الحاج السوداني يجد الاهتمام وكان يرافقهم الطبيب في الباخرة ويدفع الحاج مال تأمين يرد له بعد اكمال الحج حتي لا يتعرض الحاج الي المذلة اذا فقد ماله أو تعرض لمكروه . وكان أصحاب الجمال وأصحاب السيارات يتنافسون في خدمة السودانيين . وكان السودانيون يحضرون بمبالغ كبيرة ، وأوراق ثبوتية وشهادات صحية علي عكس الكثيرين . ويستقبل أهل المدينة الحجاج السودانيين بالاهازيج: “يا أبناء العباس أعطوا الناس . . وكان السودانيون كرماء ويعطون أهل مدينة رسول الله”.
وسنترك للقاريء حدس ما جعلنا ليس عباسيين فحسب بل طلعونا من الملة تب!
نأتى للجانب الثاني هنا. إذا افترضنا جدلاً أن للهوية ضامناً: هل سأل المتأفرقة الجدد أنفسهم إن كان ضمين الهوية الأفريقية سيقبل بهم أفارقة حبابهم عشرة وهم على إسلامهم ولسانهم العربي؟ لن يفعل ذلك. فضمين الهوية الأفريقية هو الذي يرى أفريقيا زنجية سوداء حتى النخاع وكل من ليس كذلك سفاحي، مثلنا، خوّان للصفاء العرقي خليع. وهولاء الضُمان ممن نطلق عليهم “النيتيفست” (nativists) (أسياد البلد). ولن تجد هذه النعرة عند بعض غمار الأفارقة فحسب بل عند رؤوسهم المفكرة مثل وول شوينكا النيجيري المرموق والحائز على جائزة نوبل، وعند المدرسة المركزوية الأفريقية (Afrocentric) التي ذاعت بين بعض صفوة الأمريكان الأفارقة في التسعينات.
فجرى في أوائل التسعينات نقاش حام بين شوينكا وعلى مزروعي المعروف. وكان من رأى شوينكا فيه أن الإسلام والمسيحية فُرضا بالعنف على أفريقيا التي هي سوداء ووُجدت حيث هي بالأصالة لم تشبها شائبة من الخارج. وزاد بأنها اشتركت في وحدة فوق طبيعية ميتافيزية. ووجدت فكرة شوينكا هذه تعبيرها الأوفى في كتابه “الأسطورة ، الأدب، وعالم أفريقيا” (1976) الذي احتفى فيه بروايات أفريقية لعزتها بأفريقيا جوهراً سبق الإسلام “واصطناعه لرب صحراوي يتهجد جنوناً في الفلوات”، أو لشجب الإسلام الذي حمل القارة على التهافت على العالم ثقافياً وسياسياً.
ويرى المركزيون بأفريقيا بين الأفارقة الأمريكان، من الجانب الآخر، أن تكون أفريقيا في مركز الدائرة في معارف أهلها بنظامها الثقافي المؤزر بصوت الرب الأفريقي. ويزعجهم انتشار الإسلام بين أهلهم لأن الإسلام عندهم قرين بالعروبة طالما كان الدين هو تعبد المرء لقوميته. فسيادة اللغة العربية في الإسلام، واستقبال القبلة في الصلاة، والحج إلى مكة في نظرهم من أساليب الحياة العربية بما يذكر بأساليب أوربا وأعرافها التي جاءت لأفريقيا في ذيل المسيحية.
لا أعتقد أن متأفرقة السودان تحسبوا لقلم تصحيح كفيل الزنوجية الأفريقية الذي سيخرجهم من الملة لخطفهم لونين ولسانهم المستورد ودينهم الغازي. وهكذا سيعود متأفرقة السودان من مطلبهم بالأفريقية وشهم يلعن قفاهم أو ب”كفيّ حنين” في خطأ مطبعي عظيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.