أيام الصحافي الدولي
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
تأملت مفارقة حظر الإعلام لترمب رئيس الجمهورية الأمريكية من بث تويتراتهو على الخلق ناظراً إلى حالنا الذي يوقف الرئيس الأقلام من الكتابة. وذكرت يوماً في ٢٠٠٥ عطل النظام صحيفة “الصحافي الدولي” لأنها لم تلتزم بالصمت “الرهيب” خلال خصومة القصر والمنشية، أو مفاصلة البشير والترابي. ولا يفوتني هنا أن أعبر عن ديني للصحافي الدولي التي لم تترك لي سبباً ألا امتهن كتابة العمود اليومي. فقد تمنعت طويلا حيال عرض محمد محجوب هارون أن اكتب العمود الراتب. ولم يترك لي سبباً للتملص بما فيها تعيين باحث بالجريدة يناولني قصاصات الصحف التي أطلبها في زمن ليس كالزمان تبرجت فيه المعلومة. ونعمت بخدمة باحثي علاء الدين بشير حتى شق طريقه مستقلاً صحفياً ذا علال. ووفرت لي الصحافي الدولي المزيد من معرفة عادل الباز وصالح محمد على ومنى عبد الفتاح من هذه المجموعة. وكان الكسب الأكبر بالطبع هو خالد التجاني الذي لم يغادره خلق مهنيته بغض النظر. وأذكر جرجرته معي في المحكمة الوحيدة التي وقفت أمامها كصاحب قلم. فكنت كتبت أنني رشوت عسكري حركة ما لاستخلص من براثنه سائق تاكسي كنت استأجرته لا يملك من أمر الترخيص شروى نقير. ووجدنا يومها حسين خوجلي أمام قسم المحققين بمركز الشرطة الجنوبي. وأذكر قولته لي حين سألته عن سبب وجوده في المركز. فقال: “الصحافة. وانت قايل الجرايد دي شنو؟ مقال وتحقيق أمام الشرطة”. وبدا لي بالفعل أنه زبون مستديم بالقسم له معجبوه. ولا أعرف أن ضحكت إلى يومنا من مثل عبارة المحقق الذي عُرضت عليه. عاتبني على ورود كلمة الرشوة في عمودي. وزاد: “يا خي الزول تديهو حق العشا تشيلو حالو في الجرائد”. والجرائد كانت مقالا وتحقيقاً أمام الأمن..
وكتبت هذا العمود عن واقعة إيقاف الصحافي الدولي.
حدثني الدكتور محمد محجوب هارون، رئيس مجلس إدارة هذه الجريدة عن مصادرة سلطات الأمن لعدد السبت 5/5/2000 من جريدة الصحافي الدولي وصحف أخرى. وانزعجت حين علمت أن المصادرة وقعت لأن الصحيفة لم تلتزم بتوجيه من الحكومة أن تكتفي الصحف الصادرة صبيحة إجراءات النفرة بأخبار الحكومة عنها. أي أن تكف عن تغطية رد فعل د. الترابي وشيعته في المؤتمر الوطني. وهذا حال محزن لأن مثل هذا الأمر بأحادية التبليغ مما يرجع بنا القهقري إلى أيام الصحف المؤممة التي حسبنا أن الإنقاذ قد قنعت منها ظاهراً وباطناً. فالإنقاذ لم تفشل فقط في إصدار صحف مؤممة بل أنها كسبت بتحرير الصحف من قبضة الحكومة كسباً لم يقع لها أبداً من قبل.
تمنعت الإنقاذ طويلاً دون السماح بحرية إصدار الصحف حتى لو جاءتها الطلبات من صحفيين أكفاء بعضهم من أهل عقيدتها مثل السادة عروة وتيتاوي، أو ممن تدربوا في الهدأة مثل الأستاذ فضل الله محمد فضل والأستاذ الباقر. وقد اضطر تمنع الإنقاذ هذا الأخيرين اضطراراً للهجرة بجريدتهما إلى أقاليم المعارضة.
أحزنني أن يقع أذى المصادرة على ” الصحافي الدولي ” باسم مراعاة دقة الظرف الوطني وضرورة الالتزام بجادة المسؤولية. فالصحافي الدولي هي بنت هذه المراعاة الجادة. فقد أردنا لها أن تكون منبراً تعلو فيه المهنية المنضبطة فوق دغش الولاءات السياسية الطائفية والجهوية والعقائدية والتاريخية حتى تستحق الصحافة، فعلاً لا قولاً، أن تطمع في أن تكون السلطة الرابعة. وهذا ما اصطلحنا عليه في الصحافي الدولي، وبالذات مع أخي الدكتور محمد محجوب هارون، على اختلاف مشاريعنا الفكرية، أو طلاقهما إن شئت.، وترجع بواكير هذا الاصطلاح إلى أيام كان محمد محجوب يصدر مجلة “سنابل” في آخر الثمانينيات. وقد أفرحني أنه التمس مودتي وخبرتي وتغاضى عن كثافة عقائدي الكثيرة. وتوثقت بيننا عرى المحبة في الله والفكر والصحافة.
واطلعت على مواثيقه لصحافة مسؤولة تصدع بالحق وهو بسبيله أن يصدر “الشاهد الدولي” في لندن ثم الصحافي الدولي. وعلقت على مواثيقه هذه وكتبت له في الشاهد الدولي هوناً ثم في الصحافي الدولي. وقد ظن بي أقرب الناس إلى نفسي الظنون وهم يرونني قد صبأت واصطحبت هذا الإنقاذي. والصحيفة عندي مهنة والمهنة خلق كما نرى في الطب وقسمة الابقراطي. ولا يشترط في نجاح الصحيفة غير التزامها أدب المهنة. فقد أصابت جريدة الأيام كبد النجاح. وهي التي جمعت في قمة تحريرها وملكيتها اليسار واليسار المستقل واليمين (في لغتنا قديما) في حين لم تبلغ نجاح الايام صحف اجتمع لها أهل الملة الواحدة مثل جريدة العلم أو الأمة أو حتى الميدان الشيوعية. وتمنعني غربتي من قياس نجاح الصحافي الدولي في التزام المهنية والقبول غير إنه يكفيني وصف الاستاذ عبد الله عبيد لها ب “الوقورة” لاقدر أننا قد قاربنا بها بعض ما اشتهينا من الصحافة المهنية في التماس الحق من وجوهه كلها، ويطلب المعلومة في مظانها جميعاً.