إلا استيلا قيتانو يا جماعة!

0 88
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
(كتبت استيلا قيتانو عن تجربتها الشقية قبل أيام مع عصبة عند ترس. وكان الترس بيت ثورة فجعلوه مغارة حرامية في مراوحة عند نص إنجيلي. وقالت إن العصبة ما عرفوا أنهن نساء لوحدهن السيارة حتى استباحوا السيارة وأوسعوهن ضرباً. يا للجبن. حتى العصبجة لا تحسنوها. كانت للنساء حرمة عند الهمباتة. وهذه عبارة قديمة في مقام استيلا)
اجتمعنا في هيئة التدريس بجامعة الخرطوم بعد هزيمة حرب 1967 وقررنا مقاطعة واردات الغرب. وأخذ الاجتماع “بريك” رحنا نتصور فيه ما سنستبدل به كل واردة غربية. سنستبدل قماش المناطيل بقنج شندي. وهكذا. ثم بدأ الأمر يصعب حين سأل أحدهم ماذا سنقدم للمسافرين على خطوطنا الجوية. واشمأز أكثرنا من فكرة كسرة بملاح ويكة وأنت بين طيات السحاب. ثم بدا لنا رويداً رويداً أن تمريننا في الإحلال والإبدال عبث لاستحالة أن يقاطع الأفندي الغرب. فمقاطع نفسه إبليس. وبلغنا الذروة من ذلك حين سأل الدكتور فبصل أبوشامة عن ما سنستبدل به معجون الأسنان. وأظنه فكر ثم قدر ولم يرتح لفكرة مسواك الأراك البديلة. فصاح فينا:
-الكلينوس! إلا الكلينوس يا جماعة.
وفكرت قبل أيام في ما سأفقده بانفصال الجنوب. فوجدت الإحلال والابدال سهلاً. سيحل المؤتمر الوطني محل الحركة الشعبية، ونافع وآخرون محل باقان، وصديق عبد الرحيم محل منقو زمبيري. وإذا رحلت عنا “للغابات ورا تركاكا” فحمداً لله أنه سيبقى معنا “من نخلاتك يا حلفا”. وإذا ذهب “العرايا في الجنوب” فسيبقى معنا “الحزانى في الشمال والعطشى في الغرب والجوعى في الشرق”. وإذا هجرنا ملوال الجنوب فسيبقى معنا محمد الشمال وأدروب الشرق وإساغة الغرب، حتى إشعار آخر. وإذا رحلت عن مناهجنا اتفاقية أديس أبابا (1972) فسنعوض عنها باتفاقية البقط. وإذا حنثنا بعهد مؤتمر جوبا (1947) فسنحنث بوعود مؤتمرات قادمات بلا حصر. ما مشكلة! وأما ياسر سعيد عرمان فهو الكل يوم معانا لا يقبل إحلالاً ولا إبدالاً. ثم تذكرت استيلا قيتانو فصحت: إلا استيلا قيتانو: الكاتبة الجنوبية النجيضة الفصيحة.
كنت نوهت بمقال لها قبل نحو سنة حول وجوب أن يجلس شباب الجنوبيين إلى ما اسمته طاولة النفس. فدعتهم ليفيقوا من “سكرة الحرية” وأن يستردوا أنفسهم من المغيبات من سكر ومخدرات وعصابات عنف. وسألتهم أن يواصلوا المسيرة من حيث وقف آباؤهم. فمن غير المعقول أن تكون “العصابة” هي أول ما يخطر على بالهم متى تمتعوا بحرية التنظيم والتعبير. وزادت بأن هذا الوقفة مع الذات هي حرب أخرى من الأسئلة المقلقة ستقتضي الإجابة عليها نضالاً وجلوساً “مع النفس في طاولة مفاوضات جادة” حتى نصل إلى اتفاق سلام شامل مع أنفسنا قبل الآخرين. أعجبني هذا التشبيك المجازي بين اتفاق نيفاشا وبين اتفاق آخر ينتظر الجنوبيون عقده مع أنفسهم. وككل كاتب فاستيلا مهندسة نفس بشرية. فلا مهرب لها إذاً من استنفار “النفس اللوامة”.
وقرأت لها منذ أيام كلمة غاية في الطرافة حاولت بها بلع غصص الانفصال الوشيك. فقالت إنها ستتفاصح ضد الشماليين لأنها ستكون المرة ألأخيرة تتمتع فيها بهذا الحق بعد أن صار الانفصال قاب قوسين. فمتى انفصلت كضمت مثل كل الأجانب في الشمال. وقالت: هل سمعت أبداً هنديا قال “زنكي نهي” احتجاجاً على الشماليين. وقالت إن من فضل السودان القديم عليها أنها “ستغترب”، وهي المتزوجة من شمالي، بعد الانفصال اغتراباً لم تركب له طائرة: خدمة منزلية، في مكانها، حيث هي، بينما ظلت تحلم بالاغتراب طويلاً. بل ربما تصحو بالانفصال صباح العاشر من يناير وأنت متزوج بأجنبية أو أجنبي. وقالت إنها افتقدت عبارة “الإخوة الجنوبيون” و”الجنوب الحبيب” في خطاب الشماليين بعد عزم الجنوب على الانفصال. واستبدلوا ذلك ب”الأخوة الدارفوريون” و”دارفور الحبيبة”. فواضح أن العبارات مجرد حقن لاحتمال التهميش والصبر عليه. ثم استعجبت استيلا للخبر الذي قال إن ولاية الوحدة تدعو للانفصال وشبهت الولاية ب”مدرسة النجاح التي لم ينجح منها أحد”.
استيلا الكتّابة! إلا استيلا يا جماعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.