إلى نعمات مالك: ردي الأمانة إلى صاحب الأمانة
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
السيدة نعمات مالك
تحية مباركة من عنده تعالى
الموضوع: استعادة مخطوطات معربة لأستاذنا المرحوم عبد الخالق محجوب
أجدني مضطرآ للكتابة عن هذا الموضوع على الملأ لنفاد حيلتي معك في استعادة ثلاث مخطوطات لأستاذنا عبد الخالق محجوب بالحسنى بغرض إعدادها للنشر ثم النشر. فقد التمست منك ردها لا مرة ولا مرتين. ووسطت لجنة الحزب الشيوعي المركزية علاوة علي أخوة آخرين للغرض. ولكنك ضربت صفحاً عن دعوتي مع وعد غامض منك بردها تطاول العهد به.
والمخطوطات موضوع كلمتي إليك تعريب قام به أستاذنا في فترة آخر الخمسينات وأوائل الستينات بين الاعتقال والتخفي. والمخطوطات المعربة هي عن جي بلخانوف “المفهوم الواحدي للتاريخ” وأخريتين لعالمي الجمال الروسيين نيكولاي شيرنشفسكي وأناتولي لوناشارسكي.
لقد أودعني أستاذنا هذه الوثائق يوم قلدني إدارة دار الفكر الاشتراكي بعد تفرغي للعمل في الجبهة الثقافية للحزب في 1970. وكن أربع مخطوطات ضلت عنا واحدة لبلخانوف في أعقاب ردة يوليو 1971 وهي “الفن والحياة الاجتماعية. وكانت وقتها بيد من كلفناه بطباعتها على الآلة الكاتبة. ولم يعد بها. وعددناها من هالكات أوراق تلك الأيام الكأداء. وحمداً لله عثرنا علي نسخة مصورة منها مودعة بدار الوثائق بفضل المرحوم عثمان حسن الكد. وبدا لي أن من كانت في وداعته عض عليها بالنواجذ وأمنها عثمان لما بين عثمان وأستاذنا من علاقة ولأن عثمان وراق من الدرجة الأولى رحمه الله. وانجزنا تحريرها ونشرها العام الماضي من دار المصورات.
كنت حرصت قبيل الردة في يوليو ١٩٧١ على حفظ الثلاث الأخرى في حرز حريز لما رأيت نظام نميري كشر أسنانه على الشيوعيين تكشيراً اضطرني للامتناع من الذهاب لدار الفكر الاشتراكي بالسوق العربي. وظلت في مأمنها طوال فترة اعتقالي وحتى خروجي في منتصف 1973. ولما كنت على أهبة الاختفاء للعمل سراً في طاقم الحزب الشيوعي مرة أخرى أودعت المخطوطات للمرحومة سعاد إبراهيم أحمد أمانة مستردة متى رتبنا لنشرها. وعلمت لاحقاً أن سعاد سلمت المخطوطات لك.
وضربت صفحاً عن الحديث إليّ عن هذه المخطوطات ورغبتي في نشرها طالما في العمر بقية. بل لم تتفضلي بالرد على رسالتي التي أطلعتك فيها على عثوري على المخطوطة الضالة. ولم تستبشري كما يتوقع المرء من مثلها.
وأجدني مضطراً وأنت مضربة عن تسليم هذه المخطوطات (أو حتى صور منها كما عرضت عليك) إلى إذاعة هذا الآمر علي الملأ ليعلم كل محب للثقافة أو أستاذنا، والعمر تزانيق، خافيات من مأثرته الثقافية أردنا نحن عارفي فضله أن تضوع وبين شباب البلد الثوري بالذات. فقد حزت في نفسي كثيراً رسالة من صديق قال لي إن متوسط أعمار حضور ندوة في ذكرى ميلاده انعقدت في سبتمبر الماضي كان السبعين من الأعوام. وهذا هو القتل العمد لهذا الرجل النبيل الذي خرج كل هؤلاء الشباب من معطفه عرفوا هذا أم جهلوه.
التمس منك يا سيدة نعمات رد هذه الأمانة إلي سيد الأمانة. فمبلغ علمي أن استاذنا لم يودعها إياي لمجرد أنني مدير دار الفكر الاشتراكي بل لحسن ظنه في تثميني لعمله، وحرصي على إذاعته، وحيلي على ذلك. والمثل على ذلك جميعاً في صدور تعريبه ل”الفن والحياة الاجتماعية” لبلخانوف بعد أكثر من نصف قرن من التشرد.
مع عظيم تقديري
عبد الله علي ٌبراهيم
تذكرة: بطرف نعمات كراسة إنشاء إنجليزية لأستاذنا تمكنت منها بعد معرض خمسينية الحزب في 1988. وكانت الكراسة بطرف أسرة محمد أحمد سليمان، والد بدر الدين والمرحوم غازي، الذي درّس أستاذنا اللغة الإنجليزية. وكان أعجبه أداءه فيها فاحتفظها ذكرى. وأرانا غازي لها في يوم من ذات الستينات. وتكرم غازي بها للحزب لعرضها خلال ذلك الاحتفال. وأرجو أن تمكنني نعمات من صورة من الكراسة على الأقل لترتيب إذاعتها بصورة أو أخرى.
غلاف كتاب “الفن والحياة الاجتماعية” من تأليف الروسي الثوري بلخانوف وتعريب أستاذنا عبد الخالق محجوب. صدر الكتاب من دار المصورات في الخرطوم في ٢٠١٩ بعد ستة عقود من تعريبه.