الإشارة أبلغ من العبارة (احياناً)

0 80

كتب: أزهري محمد علي 

.

مؤتمر باريس للانتقال الديموقراطي احدث ردود افعال تباينت حسب تباين النوايا و الاغراض ، و ربما الامراض حمانا الله من كل غرض و مرض ، تناوله كل من زاويته وفق ما يخدم فكرته التي يتمترس خلفها بين مادح وقادح .

لا شك ان فترة الانتقال بتقاطعتها المختلفة قد ورثت واقعًا اقل ما يقال عنه انه معقداً و لا يحتاج تعقيده الى إمعان النظر باكثر من العين المجردة و هو واضح وضوح النهار لا يحتاج الى دليل .
في تقديري الشخصي مخرجات المؤتمر لا تحسب بالارقام و المبالغ و المُبالغات و لكن تحسب بعدد الخطوات التي يجب ان نقطعها ركضا نحو الاهداف العظيمة و الاحلام الفارهة التي صنعتها دولة الاعتصام بالقيادة العامة قبل ان تفضها تدابير و دبابير وتوحش القتلة و التي من ضمن سؤاتها انها قد هشمت لوح الزجاج القائم بين القوة المدنية و القوات النظامية التي وضعت نفسها في دائرة الاتهام و الملام ، الاتهام واضح ، اما الملام في اقل الاحوال انها لم تصد عنا القتلة بل ذهبت الى اكثر من ذلك فاوصدت ابوابها في وجه المستجيرين من الرمضاء بالنارِ و نامت على وسائدها المنتفخة بالانقلابات و حماية الانظمة الشمولية و الحروب الاهلية .
و ذلك امر لن يهضمه الوجدان الجمعي بين ليلة و ضحاها و لن ينسى ما ترتب على ذلك من ازمة ثقة بين المدني و العسكري و خيبة حسن الظن و ضياع الآمال و سوء الاحوال ، و السؤال الذي لم تجهد المؤسسة العسكرية نفسها في البحث عن اجابته هو لماذا جينا في السادس من ابريل الى ساحة القيادة العامة ؟؟ يحملنا حسن الظن و يسبقنا هتافنا الموروث من ثوراتنا العظيمة في اكتوبر و ابريل ( جيش واحد شعب واحد ) هتافنا الذي خلعناه في الثالث من يونيو بعد وقوع الطامة ، و تبعثرنا في الشوارع و الأزقة نردد في حسرة ( معليش معليش ما عندنا جيش ) بعد ان كافآنا الرُماة بالرصاص و الحرق و الربط بالاثقال و الرمي في النهر العظيم ، ما تمنينا ان يتبدل الحال ولا الهتاف و لكن لا تنال المطالب بالتمنى . هذا موضوع يطول و لا يكفى ان نقول فيه حدث ما حدث ; و مما عمق الاحساس بالغبينه و زادها اشتعالاً الخطاب السوء عسكري و بشكل خاص خطاب القادة العسكرين في المجلس العسكري وقتها ، الذي اتسم بالحدة و الاستفزاز و الابتزاز لقوى الثورة و مكوناتها المدنية و سعي المجلس العسكري المرتبك بالبحث المحموم عن داعم جماهيري خارج قوى الثورة مما انجب مواليد خُدّج من رحم القوى التقليدية المهجنة و المُطبِعة سلفا مع النظام البائد في فترات التيه و الضلال .
نعود لمؤتمر باريس و نقول ان مشاركة رئيس مجلس السيادة في المؤتمر كانت موضع جدل بين كثير من الناس ، منهم من يرى عدم جدوى المشاركة و منهم من يراها محاولة لتجيّر ملف العلاقات الخارجية لصالح المكون العسكري الذي إعتاد ان لا يعف عند المغنم ، بعض الناس انشغل بالتفاصيل البرتوكوليه انشغل بالبُساط الاحمر و البِساط الاحمدي ، مهما يكن الامر فإني ارى و ان اختلف البعض في ذلك ان مشاركة البرهان لها اكثر من وجه ايجابي ، و من ايجابياتها انها قد ارسلت ورقة الطلاق للدولة العميقة و ذلك يظهر من خلال الصراخ و رد الفعل العنيف ، المشاركة قدمت خطابا معتدلاً في المعنى و المبنى متماهيا مع روح الثورة اذا خلصت النوايا ، و لا يغيب عن فطنة كل كيِّس فطن ان الخطاب قد جاء انيقاً في كامل زيهِ المدني مبتسماً بكل الرضا شاهراً لاول مرة علامة النصر وفي ظني انها المرة الاولى منذ سقوط النظام البائد التي يلوح فيها البرهان بعلامة النصر ، فقد درج على تقديم التحية بقبضة يده اشارة الى القبضة الحديدية الباطشة مع الاستمساك بالتكشيرة العابسة ، هذا الانتقال نحو السلمية و ان بدأ شكلياً فانه يشكل تطوراً نوعياً و إقبالاً محموداً نحو المدنية ، و يشكل ايضا استدارة انصراف عن خطاب التحشيد و التعبئة الموروث في الاشارة و العبارة عن دولة الهوس الديني ، هذه الاشارة و اعني بها اشارة النصر التي لوح بها البرهان يجب الوقوف عندها و ان لا نتخطاها دون الانتباه المطلوب ، و ان ننسى ولو عمداً طبيعة المنبر الذي اعتلاه ولوح لنا بهذه الاشارة عبره ، علينا ان نبني على هذه الاشارة جسراً من الثقة بين مكونات الفترة الانتقالية دون ان يؤثر او يتحول الى مقايضة بدم شهدائنا الاماجد او يساهم في ابطا ايقاع العدالة و يفاقم من حالة المحركة التي لازمت لجنة نبيل اديب .
الفترة الانتقالية فترة لتوفير مدخلات البناء صب القواعد و إقامة الهياكل التنظيمية ، و ذلك يعني ان ينصرف كل فرد او مجموعة منظمة الى عمل البناء المؤسس في الأحزاب و النقابات و الاتحادات و منظمات المجتمع و لجان المقاومة ، و ان ننتقل من هذا الحنين السالب لتتريس الشوارع و حرق الاطارات الى بناء الدولة و احياء روح العمل الجماعي ، و تفجير الطاقات الايجابية في اماطة الاذى عن الطريق و صناعة الجمال و الخير و إفشاء المحبة بين الناس كما فعلنا في انتصارنا العظيم بدولة الاعتصام في ساحة القيادة العامة .
مما لا شك فيه اننا في رحلتنا المقدسة الى المدنية سنمر بمطبات و عقبات و طرق شائكة تحتاج منا قدرا واسع من الصبر و الحكمة التى تعيننا على وضع الاشياء في مواضعها ، فنحن نعاني من كثرة الزعازع و الانواء و من قلة الاوتاد ، نحن الان اكثر من اي وقت مضى نحتاج العقلاء و الحكماء من ابناء السودان لنعيد الثقة و نعلي من قيم الخير و الجمال بين مؤسساتنا المدنية و النظامية العسكرية القديم منها و الحادث المستجد ، و ادماجها في حركة التنمية الاجتماعية و الخروج بها من ساحات الفداء الى ساحات البناء ، و لتكن تلويحة البرهان بعلامة النصر هي البداية فالاشارة اقوى من العبارة ان صدقت والا ستكون فعلا عارضا و لغة جسد املتها طبيعة المنبر و هالات الخطاب المتحضر و سطوة المضيف و يبقى المحك في العمل الذى يفضي الى نتائج مثمرة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.