الإعلام ورؤساء آخر الزمان

0 86

كتب د. النور حمد:

لم تصبح وعود الديمقراطية الليبرالية على المحك، مثلما هي عليه اليوم. فحين يتغنى الناس بمحاسن الديمقراطية، ينسون عادةً شرور الرأسمالية، رغم أنها الوعاء الحامل للديمقراطية، في التجربة الغربية. بل، وينسون أنها هي ما حال بين الديمقراطية، وإنجاز وعودها؛ خاصة في العدالة الاجتماعية، وفي تحقيق السلم الدولي. ولعل أبلغ دليلٍ على أن الديمقراطية الليبرالية، قد أُفرغت من محتواها، حتى بلغت درجة الملهاة، وصول أشخاصٍ من شاكلة، دونالد ترمب، وبوريس جونسون، إلى سدة الحكم. وللغرابة، حدث ذلك، في أقوى بلدين، تبادلا، على التوالي، السيطرة على العالم، عبر القرنين الماضيين.

لم أقتنع، طيلة تجربة عيشي في الولايات المتحدة الأمريكية، أن فيها، شيئًا أسمه “اليسار”. فرغم أن هناك طيفٌ، من القنوات الكبرى، مثال MSNBC، وNPR، وإلى حد ما، CNN، وأن هناك عديد الصحف، التي تظهر كأبواقٍ للحزب الديمقراطي، ولليسار، إلا أنها، من الناحية العملية، لا تختلف كثيرًا عن القنوات اليمينية. فهي الأخرى، غارقةٌ في دوامة الربح، وبذلك، لا تختلف، جوهريًا، عن قنوات، مثال FOX NEWS. تعمل قنوات اليسار، في تجهيل الجمهور الأمريكي، معرفيًا، وسياسيًا، مثلما تفعل قنوات اليمين. فإذا قالت النخب الحاكمة، أن أفغانستان، أو العراق، أو إيران، أو السودان، تشكل تهديدًا، جديًّا لأمن أمريكا، تردد معها قنوات اليمين، واليسار، ما قالت، مثلما حدث في حرب العراق، فصدقها الجمهور المُغيَّب.

إعلام اليسار الضائق ذرعًا بترمب، أسهم، بقدرٍ وافرٍ، في مجيئه إلى الحكم، لانشغاله، مثل رصيفه اليميني، بالتعبئة، والإثارة، والاستقطاب، لا بالتنوير. وكانت النتيجة، وصول رجلٍ من عالم العقار، وكازينوهات القمار، وحلبات المصارعة، إلى البيت الأبيض. وصل، رغم ضعف تعليمه، وضحالة ثقافته العامة، وافتقاره لأبسط مقومات الرزانة، واللباقة، والخلق الرصين.بذلك، اختفى أي تأثير لذخائر الثقافة الغربية، الغنية، في الفعل السياسي. ولو كانت ذخائر الفكر الغربي، بلاهوتها، وفلسفتها وآدابها، وفنونها، هي ما يغذي المجال العام، ويوجه مسار الديمقراطية في أمريكا، وانجلترا، لما أمكن لدونالد ترمب وبوريس جونسون، أن يصبحا رئيسين. بل، ما كان لهما أن يخرجا إلى دائرة الضوء، أصلًا.

روَّجت الآلة الإعلامية الأمريكية، بشقيها، للسطحية، والتفاهة، وجنون الربح، والاستهلاك. فالأنباء التي تحتل الخطوط الرئيسية، هي الأنباء التي تستقطب أكبر عدد من المشاهدين، مثال: سطو على محطة وقود، أو جريمة قتل، أو سقوط شاحنةٍ، من فوق جسر. إلى جانب هذا النوع من الأخبار، يجري شغل المواطنين بأخبار الموضة، ونجوم السينما، والغناء، والرياضة، وخلق أيقوناتٍ معبودةٍ منهم. لقد وضعت جائحة كورونا، الفأس على أصل هذه الشجرة الخبيثة، للرأسمالية، الاستهلاكية. ولسوف تواجه، منذ اليوم، تحديًا لم تعهده. ستذهب جائحة كورونا، ونأمل أن تذهب معها الأنانية المفرطة، وسباق التسلح، والشعبوية، والعنصرية، وتفاهات الإعلام، التي أتت بهذا الصنف من الرؤساء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.