الإمتحانات وإجترار الذكريات

0 94
كتب: جعفر عباس
.
يجلس اليوم مئات الآلاف من بناتنا وأولادنا لامتحان الشهادة السنوية (الثانوية)- وكان الله في عونهم وهم مطالبون باستذكار الدروس مستعينين بتكنولوجيا القرون الوسطى من حيث استخدام لمبات الجاز لتوفير الإضاءة إذا كان الجاز متوفرا، ونصيحتي للطالب الراغب في “التركيز” هي أن يتناول الشوكولاتة وعصير التوت واللحوم والكيوي بكميات كبيرة (وجميعها متوفرة في قوقل مجانا إذا توفرت الكهرباء لتشغيل النت، وإذا كان الطالب يملك كمبيوترا او هاتفا ذكيا).
مثل معظم الناس كنت وما زلت أكره الامتحانات وسنين الامتحانات، وهي كراهية لازمتني منذ المرحلة الابتدائيةـ لأنني كنت فيها وبدون فخر من أبلد التلاميذ، وظل ترتيبي محصوا ما بين 40 و50 طوال اربع سنوات، وفشلت في المحاولة الأولى للفوز بكرسي في المرحلة المتوسطة، ولكنني لم أكن أخاف من الامتحانات، وكنت أجلس مثلا لامتحان الرياضيات وأنا متماسك الأعصاب رغم علمي سلفا أنني سأرسب فيه عن جدارة، لأنني كنت أعوض الدرجات المفقودة “رياضيا” في المواد الأخرى.
في المرحلة الثانوية كنت قياديا في اتحاد طلاب مدرسة وادي سيدنا ودخلنا في اضراب عن الدراسة وتم فصلي من المدرسة، وجلست لامتحان الشهادة الثانوية في مدرسة ام درمان الأهلية الثانوية القريبة من كلية التربية ومقابر أحمد شرفي وكنت وقتها مقيما في الحارة الثانية في “الثورة”، وكانت بعض الامتحانات تنتهي مع المغيب، وللعودة الى المسكن كان علي ان أشق المقابر، وأنا أخاف م الأرنب يطلع لي أسد؟ ما كان واردا ان اشق المقابر في الظلام حتى لو منحوني جائزة نوبل في الرياضيات، وعليه كنت أسير عكس اتجاه الثورة واعبر حي ود نوباوي كي أصل الى شارع النص المؤدي للثورة
توقفت عن كراهية الدراسة بعد الالتحاق بجامعة الخرطوم لأنني تخلصت فيها من الجبر والفيزياء والكيمياء والعقاب البدني، وبالتالي كنت أخوض الامتحانات فيها وأنا شديد التماسك، وذات موسم امتحان عانيت من الإمساك واشتريت علبة ملين اسمه فام لاكس التي تحتوي على ستة أقراص جميلة الشكل ومكسوة بالشوكولاتة من كشك عطية الواقع في بوابة داخليات البركس، ورآني زميل و. ز. وأنا أتناول قرصين منها، وطلب مني إعطاءه قرصين لأنه استنتج انها أقراص تساعد على السهر والتركيز، وحاولت إقناعه بأنها حبوب ملينة ومسهلة ولكنه طلب مني ان “أبطل حسادة” وانتزع العلبة من يدي وتناول منها الأقراص الأربعة المتبقية، وانصرف ثم أبلغ زملاء السكن بأمر الأقراص المعجزة فبدأوا يتوافدون علي طالبين الأقراص، ولم يصدقوا قولي لهم بأنها مجرد ملين، فطلبت منهم مهلة قصيرة لتوفير الأقراص (مما جعلهم يقتنعون بأنها فعلا حبوب خطيرة ربما حصلت عليها من مهربي الأدوية) وذهبت الى كشك عطية واشتريت عشر علب فام لاكس، بواقع خمسة قروش للعلبة وبعت لمن يرغب كل قرصين بخمسة قروش، وكسبت 10 قروش من كل علبة، وهناك من اشترى علبة كاملة، واتضح انها فعلا أقراص تساعد على السهر، فقد ظل جميع من تناولوا جرعات زائدة من تلك الحبوب في حالة حركة مستمرة من والى الحمامات حتى “نظفت” بطونهم وعقولهم.
قلبي مع عيالنا الذين يخوضون الامتحانات في ظروف قاسية، وأمنياتي للمجتهدين منهم بالتوفيق المؤزر، وارفع يدي بالدعاء على وجه الخصوص لأبناء وبنات الأُسر الفقيرة بالنجاح الباهر كي يحصلوا على فرص القبول المجاني في الجامعات الحكومية والتي صارت أيضا تجارية الى حد كبير وفرص الدراسة فيها متاحة لم استطاع اليها سبيلا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.