الإيغور في تركيا: بولتيكا اللقاح

0 71
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
(إلى إخواننا في حزب التحرير الإسلامي الذين يذكرون ما يزال أخوة إسلامية طريدة في العالم)
الأخبار عن الأقلية المسلمة في الصين، الإيغور،خلال الأسبوع المنصرم غير سارة. فنشرت كل من البي بي سي والأسوشيتد برس تقارير عن مكروهات تلم بهم وتُشفق عليهم. علاوة على تقرير صادر عن شاعر منهم يعاني الأمرين من السلطات الصينية. فأخبرت البي بي سي عن اغتصاب لنساء الإيغور في معسكرات إعادة التربية الشيوعية ساقوا إليها أكثر من مليون مسلم يريدون تبديل دينهم في ظل تشريع الدولة لمحاربة الإرهاب. وجاءت الأسوشيدت بخبر صفقة تعقدها تركيا مع الصين لضبط اللاجئين الإيغور في الصين (٥٠ ألف) بل وترتيب لإعادتهم لها جميعاً، أو من ينشط منهم في قضية أهله منهم. وتلقى تركيا لقاح الكرونا بالمقابل.
ركزوا معي على كلمة أقلية مسلمة لأن ما يقع على الإيغور وقع ويقع حالياً على الروهنقا ومسلمي الهند. فلم يأذنوا لبقايا الروهنغا في مانيمار التصويت في الانتخابات الأخيرة. كما أصدرت الهند قانوناً للجنسية في ٢٠٢٠ قاومه المسلمون لنيته المبيتة إيذائهم.
إن ما يجري في آسيا هو تنمر للقوميات الأكابر على الأصاغر وعلى رأسها المسلمون. فالمسلمون في الغالب أقليات في بلاد كثيرة. ونقول بأقليات جدلاً. فمسلمو الهند ١١٧ مليوناً بنسبة ١٤،٢ من السكان بينما يشكل الهندوس نحو ٨٠ في المائة بما يجعلها الدين الرسمي للهند في قول أحدهم. وتغلب قومية الهان (من وراء الحزب الشيوعي) في الصين على المسلمين الذين هم ٢٢ مليون في بحر الهان اللجب. وكان الروهنقا نحو ٨٠٠ ألف قبل شتاتهم في مانيمار التي يبلغ البوذيون ٨٨ في المائة من السكان.
وتنمر هذه القوميات الأكابر على القوميات الأصاغر هو ما اتلفنا لساننا نحذر الإسلاميين عندنا من ارتكابه من فرط غلوائهم على القوميات الأصاغر. وهو غلواء بلغ درجته القصوى بإعلان الجهاد لا على “الوثنيين” فحسب بل على مسلمين يشهدون ألا إله إلا الله. وقلنا لهم، متي تبرجتم بزعمكم الأغلبية فعالين لما تريدون بالوطن، انقطع لسان احتجاجكم على مثل الهان والهندوس والبوذيين. فكل قومية أكابر مأذون لها ابتلاع الأصاغر الذين يلوناها. ولا بغم.
إن أخطر ما في تنمر القوميات الأكابر في آسيا على المسلمين، في قول باحث، هو خطة مبيتة لعكس التمدد التاريخي للإسلام في بلادهم ورده إلى الجزيرة العربية من حيث أتى. فمن وراء التنمر خطة لإعادة كتابة التاريخ على نحو ما جرى في الأندلس.
أريد هنا عرض ما جاء عن الأسوشيتد في أمر صفقة غامضة بين الصين وتركيا حول لقاح الكوفيد ومصير اللاجئين الإيغور الصينيين في الأخيرة.
بدأ تقرير الأسوشيتد بحكايةأ خذ قوى الأمن التركية عبد الله متسيدى وزوجته ليلاً إلى معسكر لترحيل اللاجئين من المسلمين الإيغور الصينيين إلى تركيا. وكانت الشزطة سألته قبل ذلك إن كان قام بأي نشاط معاد للصين في الأيام التي سبقت زورة الفجر. وقالت زوجة متسيدي: “أفزع من فكرة إعادتي للصين. إني أشفق على الصحة العقلية لزوجي”.
هكذا بدأت الأسوشيتد تحقيقها عما ينتظر اللاجئين الأيغور من أعادة إلى الصين جراء صفقة لقاح الكرونا بين الصين وتركيا. وهذا ما تتهم به المعارضة في تركيا الحكومة بعد القاء الأمن التركي القبض على نحو ٥٠ فرداً من الإيغور أودعتهم معسكراً لترحيل أمثالهم. ومع أنه لم تظهر دلائل مؤكدة على صفقة الإيغور-اللقاح إلا أن كلا المعارضين والإيغور يخشون أن تنتهز الصين سانحة تزويد تركيا باللقاح لعقد هذه الصفقة. فالصين الآن تلاحق اللاجئين الإيغور بعد أن رمت بنحو مليون منهم ومن الأقليات الإسلامية الأخرى في معسكرات الاعتقال.
وما أثار الشكوك أن الصفقة حق هو أن الشحنة الأولى من اللقاح الصيني لتركيا تأخر وصولها لأسابيع في ديسمبر وتذرعوا بالإجراءات. ولم تُسلم الصين لتركيا من اللقاح إلى يومنا سوى ثلث ما دفعت تركيا الثمن له. وهو تأخير يعتقد نائب برلماني أن فيه شبهة ابتزاز. وقال إنه سأل الحكومة عن سبب التأخير ولم يتلق جواباً.
ثارت هذه المخاوف حول مصير الإيغور في تركيا إثر تشريع معروض على البرلمان التركي حالياً حول ترحيل المطلوبين من بلادهم من تركيا. وتؤكد السلطات التركية والصينية ألا صلة بين اللقاح وهذا التشريع. وقال وزير الخارجية التركية إنهم لا يساومون بالإيغور بل يطلبون لهم حقوقهم الإنسانية. ولكن يجرى مع ذلك اعتقال بعضهم بتهمة الإرهاب جزاء انضمام قلة منهم إلى الحركات الإسلامية في سوريا. ومع أن الاعتقالات بين الإيغور، وهم نحو ٥٠ ألف لاجئ كما تقدم، قليلة ما تزال إلا أنها كافية لإثارة الذعر بينهم. واتهم حقوقي أكاديمي تركي بأن تهمة الإرهاب ذريعة لا غير تخفي خطة سياسية. ولم يتوقع أن تتخذ الإعادة شكلاً واسعاً ولكن لن تعدم أفراداً منهم يعادون إلى الصين.
كان ما جاء بالإيغور إلى تركيا، علاوة علي الإسلام، ذاكرة تاريخية. فهم والأتراك من جغرافيا وثقافة قديمتين. وكان أوردغان قد جهر بالخصومة مع الصين حول اضطهادها لهم قبل عقد من الزمان. ولكنه لم يعد إلى ذلك وصارت أقواله في دعمهم متقطعة وباهتة. ورد التقرير السبب لعزلة أردوغان المتزايدة من الغرب بعد الإجراءات الشديدة التي اتخذها عقب الانقلاب الفاشل عليه في ٢٠١٦. فأضطر للصين وصارت شريكا تجارياً مقدماً لتركيا.
وبدأت تركيا طلب ترحيل إيغوريين بالاسم إلى الصين. فطلبت الصين أن يعاد إليها بائع تلفونات اتهمته بالضلوع مع الخلافة الإسلامية. وبرأ القضاء ساحته بعد اعتقاله ومحاكمته. وتدفع مخاوف الإرجاع للصين هذه بعض إيغور تركيا للإسلام منها إلى بلدان أوربية. وقال لاجئ إن تركيا هي وطننا الثاني ولكننا خائفون.
هذا زمان هياج القوميات الأكابر على الأصاغر. والمسلمون أكثر الخاسرين لأنهم أقليات في الغالب. ولساننا المسلم في السودان مقطوع حيال ما يلقى أخوتنا في الدين لأنه تبرج تبرج الجاهلية الأولى على قومياته الأصاغر. ولم ينجح. ولا بغم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.