الاقتصاد على كوبري المك نمر

0 56

كتب: كمال كرار

.

لأن رؤساء وزراء السلطة الانتقالية لا يتنقلون كباقي البشر في الخرطوم، فأنهم لا يلاحظون ذاك الحشد البشري الذي يصادف العابرين بكوبري المك نمر في نهايته المتقاطعة مع شارع الجامعة..
وأصناف ذاك الحشد البشري متنوعة، متسولون ومتسولات يقفون أمام نوافذ العربات يطلبون العون المادي، أطفال وشباب يمتهنون حرف متنوعة بيع المناديل الورقية، وزجاجات المياه، وبعض الهتش، ومهما كان حجم مبيعاتهم فأن صافي دخلهم اليومي قد لا يساوي قيمة صحن فول، ولكن الفقر والجوع أصعب من ضربات الشمس على وجوههم، أو مخاطر تعرضهم للحوادث والإصابات…
وتنزل من الكوبري ومجموعات أخرى تبيع الليمون والبرتقال وبعض أصناف الفاكهة، وأيضًا المناديل والموية، وهذا المشهد يعاد إنتاجه على طول الشارع حتى تقاطع السكة حديد حيث ينتهي بتلك الفتاة بائعة المناديل التي تتجول بين العربات ونظرة في عينيها تقول (ما أقسى الفقر).
وكل جمعة في الحي الذي أسكن به، أرى ذات التسع سنوات وهي قد امتهنت غسيل العربات، ويداها الصغيرتان ترتعشان..
وهم وهن وغيرهم وغيرهن لا يعرفون للدراسة طريقا، لأن الخيار واحد إما العمل وإما الموت، وبين هاتين الكلمتين تقف ثورة كان ولا زال الأمل أن تصنع بعض الحياة الكريمة لشعب نادر المثال..
وهم وهن كان بمقدورهن التعلم والتخصص والإبداع والخروج من الفقر لو كانت الحكومة تولي قدرًا من الاهتمام، ولكن بسبب عدم الاهتمام فأن الفقر يتمدد في كل مكان.
وعدم الاهتمام سياسة، لكنها مصوبة نحو الفقراء وصغار المنتجين، أما الآخرون فأنهم يستمتعون بالاهتمام الفائق.
والآخرون هم الحرامية والسماسرة والطفيلية والذين أطلقوا على أنفسهم ألقاب شتى، مستشارون وخبراء ومدراء وأصحاب أعمال..
ومن المفارقة أن الحكومة الانتقالية الراهنة تمثلهم وتحمي مصالحهم، ومستعدة لأن تقتل الناس جوعًا، إن تطلبت رفاهية الآخرين ذلك..
والآخرون للمفارقة أيضًا لم يكونوا من الثوار، والكثير منهم فلول أو بلطجية، أكلوا خريف الانقاذ المبادة حينًا من الدهر، ويأكلون الآن خريف الحرية والتغيير..
ويتسع نطاق حشد كوبري المك نمر، برفع الدعم وتعويم الجنيه والدولار الجمركي، ومعناها اتساع الأمية والفقر، وتحطيم القوى المنتجة..
وفي الجانب الآخر تتزايد ثروات (الآخرين) تحت عنوان عريض يكتبه الصندوق الدولي مفاده (تعزيز دور القطاع الخاص)
هن وهم وغيرهم صنعوا الثورة التي كان (الآخرون) ضدها أو على الرصيف..
وهم وهن والغالبية العظمي من الشعب سيستردون الثورة..
وأي كوز مالو؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.