التصعيد لن يفيد

0 88
كتب: د. النور حمد
.
ركبت عدد من القوى السياسية، في الآونة الأخيرة، موجة التصعيد ضد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وهي موجة صنعتها قوى الثورة المضادة بهدف إفشال الفترة الانتقالية. لقد بدأت هذه الموجة قبل أن يضع الدكتور عبد الله حمدوك قدمه في مكتبه. وكان صاحب ضربة البداية فيها، السيد الصادق المهدي، الذي قال لحظة بدء حمدوك عمله: “إذا فشلت حكومة حمدوك سنذهب إلى انتخابات مبكرة”. أما إعلاميو الانقاذ، في الصحف الورقية والإلكترونية، الممولة من قبل جهاز أمن البشير، الذين تكاثروا كما الفطر في البرية، فإنهم ما وجدوا فرصة لإثارة البلبلة وبث الشائعات الضارة إلا وانتهزوها. ولا تزال أموال منسوبي النظام المدحور تعبث بمعاش الناس، ولسوف تواصل خبثها المعهود. المدهش، أن الحزب الشيوعي الذي شارك في الثورة وفي كل مراحل التفاوض وصناعة الوثيقة الدستورية، قد أصبح على رأس هذه الموجة.
لست بصدد الدفاع عن حكومة حمدوك، فأداؤها ضعيف دون شك. لكن، الأمانة تقتضي أن نقول إن الضعف الذي اعترى أداء حكومة حمدوك، في عامها الأول، يعود بصورة رئيسة إلى الوثيقة الدستورية المعيبة، وأيضًا، إلى الأخطاء في اختيار قيادات العمل التنفيذي. وهذه أمور شارك فيها الحزب الشيوعي عبر ما لديه من منسوبين داخل قوى الحرية والتغيير، وعبر ممثله في المفاوضات، السيد صديق يوسف. لكن، يبدو أن الحزب الشيوعي يسترشد بمقولة الشيخ الراحل، حسن الترابي الشهيرة، للرئيس المخلوع عمر البشير: “اذهب إلى القصر رئيسًا، وسأذهب إلى السجن حبيسا”. فالحزب الشيوعي، فيما هو ظاهر الآن، يريد، من جهة، ألا يغيب عن أروقة سلطة الفترة الانتقالية. لكنه يخشى، من الجهة الأخرى، أن يسقط مع السلطة الانتقالية إن هي سقطت، فبادر بحجز مقعده في المعارضة. وهذا هو عين ما مارسه المؤتمر الشعبي، أثناء الثورة، حين دفع بشبابه إلى الشوارع وإلى ساحة الاعتصام، وبقي هو متشبِّثًا بأردان الرئيس المخلوع، حتى سقط.
تكمن علة السودان، منذ الاستقلال وإلى اليوم في التواءات سياسييه وضمور أفقهم المعرفي. فهم متشابهون، سواءً كانوا في اليمين، أو في اليسار. فالتخندق الجهوي وترشيح الذات لدور البطل الأوحد المنقذ، داءٌ يتملكهم أجمعين؛ من كان منهم زعيمًا لطائفة، ومن كان منهم قياديًا في حزب عقائدي. فالمعدن واحدٌ، في نهاية الأمر. فهل يا ترى يخطط الحزب الشيوعي لإبقاء الصراع حيًّا في الشوارع، حتى ينتهي به إلى حكومة بلشفية، على غرار حكومة لينين، مثلا؟ ولو فرضنا أننا جميعًا؛ عسكرًا ومدنيين، تنازلنا الآن عن السلطة للحزب الشيوعي ليحكم منفردًا، فماذا هو فاعلٌ وحده مع هذه الأوضاع بالغة التعقيد؟ هل سيتمكن من خفض سعر الجنيه مقابل الدولار في التو والحين؟ وهل سيعمل ما يجعل الأسعار تنخفض ثلاث أضعاف، في شهر أو شهرين؟ وهل سيخرج السودان من عزلته الدولية ويقوم بتسديد ديونه البالغة 60 مليارًا في عام أو عامين؟ يقول أهلنا الحكماء: “الفي البَر عوَّام”.
لقد قامت هذه الفترة الانتقالية على وثيقة معيبة، منذ البداية، ولذلك فإنها سوف تستمر معيبة حتى تكمل شوطها. لن يستطيع أي دعيِّ أن يدعي أن بوسعه تحسين معاش الناس فيها بصورةٍ لافتة. فلا اختراق إلا بتوافق شامل. فلو عجزنا عن إحداث التوافق الشامل، فلننهي ملف السلام، ولنشكل المجلس التشريعي، ونعد للانتخابات. ولتشتغل أحزابنا بترميم بنياتها وتحديثها، استعدادا لها. ما عدا ذلك فهو تهريجٌ وغش يشبه تهريج وغش الانقاذ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.