الحركة النسوية في إفريقيا جنوب الصحراء

0 290

الهيثم زعفان ([1])

.

مقدمة:

إفريقيا جنوب الصحراء مستهدَفة في الماضي؛ حيث الاستعمار ونهب الثروات؛ ومستهدَفة في الحاضر؛ حيث محاولات الهيمنة، وطمس الهوية، وفرض الأفكار والممارسات التحريرية المنسلخة من كافة الضوابط العقدية والعرفية الضابطة للنُّظُم العامة داخل المجتمعات الإفريقية بكافة أطيافها.

صراع ومعارك أيديولوجية وليبرالية يقودها الغرب بشقيه الكنسي والعلماني ضد المجتمعات الإفريقية في ظلّ سلبيات سياسية واقتصادية وصحية وتعليمية واجتماعية ونزاعات أهلية في كثير من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، انعكست بدورها على واقع المرأة الإفريقية؛ حيث الفقر والمجاعات والأمراض والتشرُّد والأمية والجهل. وجميعها أزمات واحتياجات إنسانية أساسيَّة كرَّسها الاستعمار قرونًا، وأخفقت قبالتها معظم الأنظمة السياسية التي أعقبت الاستعمار لفساد أو فشل أو نزاعات مسلحة.

في ظل هذا الصراع نجح الغرب في الولوج إلى معظم بلدان العالم الإسلامي وفي قلبه وأطرافه وجواره غالبية دول إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك عبر بوابة المرأة، وبتوظيف احترافي لما يُعْرَف بـ”الحركة النسوية” التي تسعى لجعل المرأة منسلخة من كافة القيود العقدية والعرفية التي تضبط عفّتها وتنظّم تحرُّكاتها وعلاقاتها بالرجل والمجتمع المحيط بها؛ وذلك بما يصون المرأة والمجتمعات، ويمنع الانحلال، ويضبط الشهوات.

لا شك أنَّ هناك احتياجات أصلية تحتاجها المرأة في معظم البلدان الإفريقية؛ مثل الصحة والغذاء والمال والتعليم وغيرها، لكنَّ المحلّل للأطروحات الأُمَمية والمتأمل للواقع العملي لتحركات المؤسسات الدولية المعنية بالمرأة الإفريقية؛ يجد أنَّ الاحتياجات الأصلية تلك تأتي ثانوية قبالة قضايا أخرى تمثل أولوية أُمَميَّة وبصفة خاصة ما يتعلق بعفة المرأة وحملها وإنجابها؛ واستقلالها، والاستعلاء على قوامة الرجل، والتحرُّر من ولايته أبًا وزوجًا، وغيرها من القضايا التغريبية، بغضّ النظر عن الضوابط العقدية والعرفية المدافعة والضابطة لها.

مؤسَّسات دولية ومظلات عامة:

المؤسسة الأبرز التي أُسْنِدَتْ إليها تلك المهمة الاستعمارية الصراعية الجديدة هي “الأمم المتحدة”؛ والتي تُشكِّل المظلة العامة للحركة النسوية حول العالم، فعبر لجنة مركز المرأة التابعة للأمم المتحدة؛ صيغت المقررات، وعُقِدَتْ المؤتمرات الدولية المتعلقة بالمرأة، وليس مصادفة أن يُعْقَد أحد أهم مؤتمراتها في القارة الإفريقية؛ وهو مؤتمر “نيروبي للمرأة” الذي عُقِدَ عام 1985م؛ ليأتي بعد ذلك مؤتمر “القاهرة للسكان 1994م”، والذي أحدث جدلًا صادمًا حينها داخل العالم الإسلامي؛ لما اشتمل عليه من قضايا انحلالية؛ ثم مؤتمر “بكين 1995م”، والذي يُمثّل المرجعية الوثائقية المبني عليها سعي الأمم المتحدة للتدخل في الأوضاع الداخلية للبلدان عبر إلزامها بتسيير شؤون المرأة وفق أطروحة بكين. هذا فضلاً عن المرجعية الأم لجميع هذه الأطروحات، وهي اتفاقية القضاء على كافَّة أشكال التمييز ضد المرأة المعروف بـاتفاقية “سيداو”.

وفي ضوء أطروحات الأمم المتحدة -وعلى رأسها اتفاقية سيداو، ووثيقة مؤتمر بكين- يرفع ممثلو حكومات دول العالم وممثلو المنظمات غير الحكومية المحلية المدعومة غربيًّا تقارير دورية للأمم المتحدة تكشف حجم وطبيعة التغييرات والإجراءات المستحدَثة في بلدانهم حول المرأة([2]).

وكما سيطرت الحركة النسوية على لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة، فقد نجحت الحركة النسوية في التغلغل بأفكارها إلى داخل الاتحاد الإفريقي ليصدر بروتوكول حقوق المرأة في إفريقيا الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب؛ والذي اعتمدته الجمعية العامة لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي أثناء انعقاد قمتها العادية الثانية في العاصمة الموزمبيقية، مابوتو في 11 يوليو 2003م. ثم خطة عمل مابوتو المتعلقة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية في 2006م مستهدفة في ذلك حصول المرأة الإفريقية على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية بحلول العام 2015م.

لتأتي بعد ذلك الاستراتيجية الأكثر عمقًا والمتمثلة في الاستراتيجية الجنسانية للاتحاد الإفريقي (2018-2027م)، والتي تمَّت صياغتها عبر مفوضية الاتحاد الإفريقي (AUC) ومديرية شؤون المرأة والجنسين والتنمية (WGDD)، وجاءت الصياغة النهائية كخلاصة لمناقشة تلك الاستراتيجية وأوراقها ذات الصلة وإبداء التعقيبات بشأنها بمشاركة 296 شخصًا من 42 دولة في المشاورات التي جرت عبر الإنترنت ووجهًا لوجه (79% منهم من النساء و21% من الرجال)، برعاية ودعم ماليّ وفنيّ من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وترتيبات التمويل المشترك والبرامج المشتركة القائمة بين حكومات أستراليا وكندا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية.

وتُقدّم الاستراتيجية الجنسانية للاتحاد الإفريقي هذه خطة التنفيذ ورؤية لمستقبل القارة كمرحلة أولى لتنفيذ استراتيجية الاتحاد الإفريقي 2063م؛ حيث يدور المحور الرئيسي للاستراتيجية الجنسانية حول إمكانية تحقيق المساواة بين الجنسين خلال تلك الفترة. وتهدف إلى المساواة الكاملة بين الجنسين في جميع مجالات الحياة([3]).

هذا على المستوى الاستراتيجي والمظلات العامة الجامعة؛ والمتأمل لهذا المسار الفوقي يلحظ الدندنة على وتر “الإلزامية”؛ الذي يعني إلزام كافة الدول الأطراف بتعديل تشريعاتها، واتخاذ التدابير التي من شأنها تعديل مسار المرأة الإفريقية وَفْق هذا الطرح الأُمَمي، وهو “إلزام” يحاول الغرب ربطه ببعض المعونات والتمويلات، وإيقاع العقوبات على مَن لا يلتزم بالتغيير؛ وهو إلزامٌ مردودٌ عمليًّا بدليل عدم “التزام” العديد من الدول الغربية نفسها بقرارات مجلس الأمن، والتي هي أقوى من أطروحات الأمم المتحدة نفسها.

يأتي بعد ذلك دور مؤسسات التمويل الدولية الميدانية من منظمات غير حكومية، وأنشطها: المعونة الأمريكية، ومؤسسات فورد، وغيتس، وأوكسفام، وغيرها من الجهات المانحة. ليوفر الدعم المالي اللازمة لنشر تلك الأفكار النسوية الأممية، وترجمتها عمليًّا في المجتمعات الإفريقية. ففي عام 2006م تجمعت مائة امرأة إفريقية في “أكرا” بغانا في أول منتدى أنثوي إفريقي، ووضعن ميثاقًا جديدًا للمبادئ الأنثوية للحركة الأنثوية الإفريقية واعتمدنه، وهو وثيقة من ست عشرة صفحة، والميثاق يعلن الالتزام التام بـ “تفكيك النظام الأبوي بكل مظاهره في إفريقيا”. ودعت الوثيقة إلى “حرية الاختيار والاستقلالية فيما يتعلق بالسلامة الجسدية؛ بما في ذلك الحقوق الإنجابية والإجهاض، والهوية الجنسية، والتوجه الجنسي”.

ويحظى المنتدى الأنثوي الإفريقي هذا باستضافة صندوق تنمية المرأة الإفريقية ((AWDF له؛ حيث تعهَّد الصندوق بنشر الأجندة الأنثوية في إفريقيا عن طريق تمويل المشاريع المحلية المتماشية مع عملهم، ولهذا يتلقَّى الصندوق سنويًّا أكثر من أربعة ملايين دولار جلّها مقدَّمة من مانحين غربيين من ضمنهم (مؤسسة غيتس- مؤسسة فورد- الصندوق العالمي للمرأة- صندوق ماما كاش الهولندي- مؤسسات المجتمع المنفتح- الصندوق التنسيقي الدولي للمرأة كندا- مؤسسة المرأة بمنسوتا- شبكة تمويل المرأة الولايات المتحدة الأمريكية- وحدة التنمية الدولية- الوكالة النرويجية للتعاون التنموي، الأمم المتحدة، الهدف الإنمائي الثالث /هولندا)([4]).

والمنظمة الأنثوية الإفريقية المؤثرة الأخرى ذات الصلات الوثيقة بالمؤسسات التمويلية الغربية هي: شبكة النساء الإفريقيات للتنمية والتواصل ((FEMNET، والتي يَعتبرها المراقبون أنشط جهة عاملة في إفريقيا في مجال تقنين الإجهاض، ومن ضمن شركائها وداعميها: (مؤسسة فورد، الصندوق العالمي للمرأة، أوكسفام الهولندية، صندوق الإجراءات العاجلة-إفريقيا، التحالف العالمي لصحة النساء، إياس/التحالف الإفريقي، الجمعية السويدية للتثقيف الجنسي، المساواة الآن، فيلق السلام، المعهد الإنساني للتعاون مع الدول النامية/هولندا، الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة، المنظمة الدولية لرعاية الأسرة، سفارة السويد، صندوق تنمية المرأة الإفريقية)([5]).

التمكين السياسي للمرأة الإفريقية:

يُقصَد بالتمكين السياسي في حالة المرأة هو وضع وفرض تعيين المرأة في مواقع صنع القرار داخل الدولة، واعتماد نظام المحاصصة في تعيينها في المجالس التشريعية والنيابية والمحليات والهيئات القضائية وغيرها، لا لشيء إلا لكونها امرأة؛ وهو ما يُعرَف بالتمييز الإيجابي أو سياسة العمل الإيجابي.

فإحدى استراتيجيات إحداث التغيير الجذري في إفريقيا هي الضغط على القادة والمشرِّعين الأفارقة ليضعوا قوانين وسياسات جديدة تفرض المعايير الغربية على شعوبهم؛ حيث تُوصَف هذه الاستراتيجية بـ “الإرادة السياسية”؛ المصطلح الذي يقتضي إظهار قَدْر من الطغيان والالتزام من جانب القادة لإمضاء سياسة ما، لا سيما تلك التي لا تَحْظَى بشعبية([6]).

ففي غانا أعربت لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة عن تقديرها لإقرار “سياسة العمل الإيجابي”، والتي تُخصِّص حصة نسبتها 40 في المائة لتمثيل المرأة الغانية في جميع الهيئات والمفوضيات والمجالس واللجان والأجهزة الرسمية الحكومية والجماهيرية، بما في ذلك مجلس الوزراء ومجلس الدولة. وكذلك إنشاء “صندوق مشاركة المرأة في الحكم المحلي”، وذلك من أجل مشاركة المرأة في الحكومات المحلية (جمعيات المقاطعات)، والذي يهدف أيضًا إلى تعزيز مشاركة المرأة في الانتخابات على مستوى المقاطعات بصورة أفضل([7]).

 وفي أنغولا أوصت لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة الدولة باتخاذ تدابير لزيادة عدد النساء في مواقع صنع القرار في جميع الدوائر، بما يشمل الجمعية الوطنية، والأحزاب السياسية، وجهاز القضاء، والدوائر الحكومية؛ بما فيها السلك الدبلوماسي([8]).

وفي كينيا أشارت ممثلة الحكومة الكينية لدى الأمم المتحدة إلى القيام بمحاولات مدروسة لتحسين تمثيل المرأة في الجهاز القضائي، والسلك الدبلوماسي والإداري، وفي مجالات أخرى؛ ففي الخدمة المدنية، ارتفع عدد النساء المعيـَّـنات في مناصب صنع القرار. وفي الانتخابات الوطنية ارتفع كذلك عدد النساء المنتخبات للبرلمان، وقد تم تعيين ثلاثـة منهن وزيرات في الحكومة بصفة وزيرة في مكتب نائب رئيس الجمهورية، ووزارة إدارة الموارد المائية والتنمية، ووزارة الصحة على التوالي([9]).

وفي أوغندا أوضحت ممثلة الحكومة لدى الأمم المتحدة أن “سياسة العمل الإيجابي” كان لها الفضل في زيادة نسبة النساء الشاغلات لمناصب صنع القرار؛ منها: مناصب نائب رئيس الجمهورية ونائب وزير العدل ونائب رئيس البرلمان ونائب مفتش الشرطة العام. كما أشارت الممثلة إلى أن المنظمات غير الحكومية أيدت “سياسة الحكومة للعمل الإيجابي” الخاصة بتعزيز المشاركة السياسية للمرأة؛ وأنه امتثالًا للالتزامات المنصوص عليها في منهاج عمل بيجين، يتولى الآن جهاز وطني الإشراف على تعميم المنظور الجنساني، الأمر الذي ييسر تمكين المرأة وتعزيز وضعها داخل إطار السياسيات والمؤسسات([10]).

وفي إثيوبيا وفي أكتوبر 2018م عين رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” مجلسًا للوزراء يضم 20 عضوًا، ونالت النساء نصف المقاعد؛ وبعد أيام انتخب البرلمان الإثيوبي “ساهليورك زيودي” رئيسة للبرلمان. وفي ذات التوقيت أكتوبر 2018م، عيَّن الرئيس الرواندي “بول كاغامي” مجلس وزراء يضم 26 عضوًا، حيث تشكل النساء 50% من هذه الحكومة([11]).

إنشاء وزارات وإدارات حكومية خاصة بالمرأة:

ركزت الحركة النسوية على الضغط على الدول الإفريقية من أجل إنشاء وزارات وإدارات رسمية خاصة بالمرأة داخل حكوماتها، ومِن ثَمَّ يسهل صياغة سياستها وَفْق الطرح الأممي ونظرته للمرأة، مع توفير التمويلات اللازمة لبرامج ومشروعات تلك الوزارات.

ففي أنغولا رحَّبت الأمم المتحدة بإنشاء الدولة للأمانة الحكومية للنهوض بالمرأة وتنمية مهاراتها، والتي جرى رفع مستواها إلى “وزارة الأسرة والنهوض بالمرأة”، والمزوّدة بولاية لتحديد وتنفيذ السياسة الوطنية لتعزيز حقوق المرأة في المجالين العام والخاص. كما رحَّبت أيضًا بإنشاء جهات تنسيق جنسانية في جميع الوزارات والإدارات الحكومية الإنغولية على المستويين المركزي والمحلي([12]).

وفي غانا هنَّأت لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة دولة غانا على الإنجازات التي تحققت في تنفيذ اتفاقية سيداو، بما في ذلك إنشاء “وزارة شؤون المرأة والطفل”، والتي تولت رئاستها وزيرة عضو بمجلس الوزراء. كما قدمت اللجنة تقديرًا لإنشاء إدارة لتعليم الطفلة في وزارة التعليم، وإنشاء وحدات لصحة الأم والصحة العامة في الإدارة الصحية لغانا. ورحَّبت لجنة مركز المرأة أيضًا بإنشاء مراكز تنسيق الشؤون الجنسانية وتخصيص موظفين للمكاتب المسؤولة عن القضايا الجنسانية في جميع الوزارات والإدارات والوكالات وفي جميع جمعيات المقاطعات الـ 138. وأبدت لجنة المرأة ارتياحها إلى أن التقرير الغاني الحكومي المرفوع للأمم المتحدة يتضمن الإشارة إلى تنفيذ منهاج عمل بيجين “وثيقة بكين”([13]).

وفي الكاميرون رحبت لجنة المرأة بالأمم المتحدة بإنشاء الحكومة لـ “وزارة وضع المرأة” مع إنشاء الوزارة لمراكز تنسيق في جميع الوزارات، بغية مراعاة الخصوصية الجنسانية في جميع البرامج والسياسات الوطنية لصالح المرأة([14]).

وفي جهورية الكونغو الديمقراطية رحَّبت الأمم المتحدة برفع مستوى الآليات الوطنية من أجل النهوض بالمرأة إلى مستوى وزارة معنية بوضع المرأة والأسرة([15]). وفي كينيا أشارت الحكومة الكينية إلى أنـه تـم اتخاذ تدابير لإزالة العوائق الاجتماعية والثقافية والقانونية التي تقف في طريق المرأة، وذلك من خلال بذل جهود مختلفة. وكخطوة أولـى، رُقـِّيَ الجهاز الوطني المعني بالنهوض بالمرأة من رتبة شعبــة داخل إدارة إلى رتبـة إدارة كاملة داخل الوزارة الجديدة المسماة وزارة الشؤون الجنسانية والرياضة والثقافة والخدمات الاجتماعية([16]).

الزواج:

يشكّل تنميط الزواج في إفريقيا وَفْق أطروحات الأمم المتحدة وبروتوكولات ومواثيق الاتحاد الإفريقي أحد أهم أهداف الحركة النسوية، فهي تسعى للضغط على الدول من أجل رَفْع سِنّ الزواج بما يقيّد “الزواج المبكر”، والذي يمثل إشكالية للحركة النسوية رغم تشجيعها على تيسير الانحلال الأخلاقي في أوساط المراهقين تحت مسمى الحرية؛ والضغط أيضًا في مسار محاربة تعدُّد الزوجات، والسعي لإيقاف زواج الأخ من أرملة أخيه.

ففي البروتوكول الإفريقي الصادر عن الاتحاد الإفريقي وفي المـادتين (6-7) المتعلقتين بالزواج والطلاق دعا البرتوكول الدول الأطراف لاتخاذ التدابير التشريعية الوطنية المناسبة، لكفالة أن يكون الحدّ الأدنى لسنّ زواج المرأة هو 18 سنة؛ وتشجيع “الزواج الأحادي” مُعْتَبِره الشكل المفضل للزواج، مع التشديد على ألا يتم الانفصال أو الطلاق أو بطلان الزواج إلا بأمر قضائي فقط؛ وفي حالة الانفصال أو الطلاق أو بطلان الزواج، يتم اقتسام الأموال المشتركة الناجمة عن الزواج بشكل مُنْصِف بين المرأة والرجل([17]).

 والمحلل لوثائق الأمم المتحدة المتعلقة بتقارير الدول الإفريقية حول المرأة الإفريقية يلمس الضغوط المكثفة على تلك البلدان فيما يتعلق بقضايا الزواج والطلاق، ومحاولة إعادة صياغتهما مجتمعيًّا في ضوء الطرح الأممي؛ ففي غانا أعربت لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة عن قلقها بشأن ما ادعته أنه عدم تمتع المرأة بوضع متساوٍ مع الرجل في إطار الزواج والمسائل الأسرية بسبب المواقف العرفية والتقليدية. وأنها قلقة على وجه الخصوص من أن الزواج في إطار الشريعة الإسلامية والقوانين العرفية يبيح “تعدد الزوجات” وفيه تمييز ضد النساء فيما يتعلق بميراث ممتلكات الأسرة. كما أعربت اللجنة عن قلقها من أنه بالرغم من أن قانون الأطفال رقم 560 لعام 1998م ينص على أن السن الأدنى للزواج هو 18 عامًا إلا أن الممارسات العرفية المتبعة لا تزال تجيز خطوبة الأطفال وزواجهم؛ وحثت اللجنة دولة غانا على مواءمة القوانين المدنية والدينية والعرفية مع اتفاقية سيداو، وتنفيذ قانون الأطفال الذي يحظر زواج الأطفال بفعالية. مع تنفيذ تدابير تهدف إلى القضاء على تعدد الزوجات([18]).

وفي الكاميرون حثَّت لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة الحكومة على اعتماد تشريع لحظر ما أسمته “الممارسات الثقافية المنطوية على تمييز”، والمتصلة بزواج الشخص من أرملة أخيه، والميراث، والزواج المبكر، وتعدد الزوجات. وفي هذا الإطار حثَّت اللجنة الحكومة على تنفيذ المزيد من برامج التوعية والإعلام والتدريب التي تستهدف زعماء المجتمع المحلي والجمهور العام، بهدف تغيير أساليب التفكير وتصوراتهم بشأن أدوار المرأة والرجل([19]).

وفي ذات السياق انتقدت لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة بشدة دولة مالي لعدم إحراز تقدُّم في تنقيح التشريعات التمييزية؛ وعدم إتمام التنقيحات المقترحة لقانون المواطنة وقانون الزواج. والإصرار على إبقاء إمكانية زواج المرأة عند بلوغها 15 سنة والرجل عند 18 سنة؛ ووقف صرف النفقة لزوجة سابقة بسبب سلوكها اللاأخلاقي، وعدم منع تعدُّد الزوجات أو التخلي عن فكرة أن الرجل هو رئيس الأسرة المعيشية. وحثت اللجنة دولة مالي على تنفيذ تدابير لتقييد “تعدد الزوجات”، وتكثيف جهودها من أجل توعية الرأي العام فيما يتعلق بأهمية هذه الإصلاحات([20]).

ذات الانتقاد والقلق حدث مع أوغندا؛ حيث أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من استمرار وجود تشريعات وقوانين عرفية وممارسات بشأن الميراث والأرامل وتعدد الزوجات والزواج ومهور العرائس والولاية على الأبناء وتعريف الزنا؛ حيث رأت أنها تمييز ضد النساء وتتعارض مع اتفاقية سيداو([21]).

أما في الكاميرون فقد أثنت الأمم المتحدة على اعتماد تدابير قانونية عديدة لكفالة المساواة بين المرأة والرجل، ومن ذلك “إلغاء شرط إذن الزوج لزوجته بالسفر إلى الخارج”([22]). وهو ما يؤثر على قوامة الرجل ويتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وفي كينيا أوصت لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة الحكومة بأن تتخذ الإجراءات الملائمة لإزالة جميع القوانين والممارسات والتقاليد التمييزية، ولضمان مساواة المرأة بالرجل؛ لا سيما في الزواج والطلاق، والدفن، وانتقال التركة بالإرث لدى الوفاة وفقًا لأحكام اتفاقية سيداو([23]).

وفي توغو أعربت الأمم المتحدة عن قلقها بشأن استمرار ما أسمته “القواعد والعادات والتقاليد الثقافية السلبية الراسخة”، وضمنت في ذلك الزواج في سن مبكرة وزواج الأخ بأرملة أخيه. وحثت اللجنة دولة توغو من أجل التصدِّي بشكل مباشر لممارسات الزواج في سنّ مبكرة وزواج الأخ بأرملة أخيه باعتبارها تمثل انتهاكات لاتفاقية سيداو. مع دعوة الحكومة إلى زيادة جهودها من أجل وضع وتنفيذ برامج شاملة للتثقيف والتوعية، تستهدف المرأة والرجل على جميع أصعدة المجتمع بما في ذلك زعماء القبائل، بغية تغيــير أنماط السلوك الاجتماعية والثقافية وتهيئة بيئة تمكين المرأة([24]).

الشذوذ:

تُرَوِّج وثائق وأطروحات الحركة النسوية إلى نشر الانحلال الأخلاقي بين بني الجنس الواحد وهو المعروف بالشذوذ، وهي تحاول الضغط على الحكومات الإفريقية لاتخاذ خطوات إيجابية في هذا الإطار، وفي ذات الوقت تستخدم وسائل ضغط متعددة في حالة رفض الدول الإفريقية لهذا النمط الانحلالي وإصدارها قوانين وتدابير تحفظ مجتمعاتها من تلك الموبقات. ففي عام 2011م هدَّد الرئيس الأمريكي “بارك أوباما” بقطع كل المعونات الخارجية لنيجيريا؛ لأن مجلس نوابها أجاز مشروع قانون “ممانع للشذوذ”.

وقد امتعض كثيرٌ من النيجيريين من تدخُّل الولايات المتحدة في عملية وضع القوانين في بلادهم؛ وفي ذلك يقول القسيس النيجيري توسن أومول: (إن أرادت الولايات المتحدة أو أيّ دولة أجنبية أخرى تجريدنا من الدعم؛ لأننا ما زلنا نتمسك بمُثُلِنَا بقوة فليكن ذلك، الأفارقة يرون “المثلية الجنسية” عمل غير أخلاقي لم يُتغاضَ عنها قط في إفريقيا، وبالتأكيد لن نتساهل معها هنا في نيجيريا)([25]).

وعندما أجازت أوغندا قانون “حظر الشذوذ” قامت إدارة أوباما بإصدار بيان شديد اللهجة ضد أوغندا جاء فيه: (تتخذ وزارة الخارجية تدابير لمنع المسؤولين الأوغنديين المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تتضمن الانتهاكات ضد “الأفراد الشواذ” من دخول الولايات المتحدة، وسنتوقف كذلك عن تحويل الدعم المالي لبعض البرامج الإضافية المحددة المتعلقة بقوة الشرطة الأوغندية ووزارة الصحة والمعهد الوطني للصحة العامة، وسنلغي خطط إجراء مناورة جوية برعاية عسكرية أمريكية في أوغندا)([26]).

بعد هذا البيان أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية تمويلًا قدره 2,4 مليون دولار كان مخصصًا لبرنامج الشرطة الأوغندية المجتمعي، وبالإضافة إلى ذلك حولت واشنطن بعض التمويل المرصود لمرتبات العاملين في وزارة الصحة الأوغندية ونفقات سفرهم إلى منظمات غير حكومية مشاركة في برامج صحية، وكذلك أعادت تخصيص مبلغ 3 ملايين دولار كانت مخصصة لإنشاء معهد وطني للصحة العامة في أوغندا وتحويلها لبلد إفريقي آخر، ونقلت اجتماعات معاهد الجينوم الصحي الوطني من أوغندا إلى جنوب إفريقيا، وهي البلد الإفريقي الوحيد الذي يقنن زواج الشواذ.

وقررت دول غربية أخرى إمَّا حجب أو إعادة توجيه الأموال المخصصة لأوغندا، ومن تلك الدول: هولندا، والدنمارك، والنرويج.

كما قام الاتحاد الأوروبي بتعليق عضوية أوغندا ونيجيريا في اتفاقية كوتونو ((Cotonou، وهي اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الإفريقية ودول الكاريبي ودول المحيط الهادي الباسيفيك. وفي طلب تعليق عضويتهما نص البرلمان الأوروبي على أنه: (يدين بشدة اعتماد قانون “حظر الزواج المثلي” في نيجيريا، وقانون “مكافحة المثلية” في أوغندا، ويكرر القول بأن هذه القوانين تشكل تهديدات خطيرة للحقوق العالمية)([27]).

منع الحمل:

من أكثر النقاط التي يلمسها المراقب لأنشطة الحركة النسوية حول العالم بصفة عامة وفي إفريقيا بصفة خاصة: مسألة الحمل والإنجاب، وتحديد النسل، وتيسير حصول المراهقين على وسائل منع الحمل؛ وفي ضوء ذلك يؤكد البرتوكول الإفريقي على حق المرأة الإفريقية في التحكم بخصوبتها؛ وحقها في تقرير ما إذا كانت تريد الإنجاب أم لا، وعدد الأطفال، والمباعدة بين فترات ولادتهم؛ وحقها في اختيار أيّ أسلوب لمنع الحمل؛ مع استبدال مصطلح “الزوج” بمصطلح “الشريك”([28])؛ ليعكس بذلك حالة الفوضى الانحلالية المترتبة على هذا الاصطلاح؛ مع تأكيد البرتوكول على توفير الدول الإفريقية على خدمات تحديد النسل ووسائل منع الحمل.

وعلى الرغم من المخاطر المسكوت عنها لعقاقير وأدوات منع الحمل من جلطات وأمراض قلب وتكيسات مبايض ونزيف وانثقاب الرحم وسرطان الثدي وغيرها؛ إلا أن إفريقيا قد أغرقت في السنوات الأخيرة بأنواع شتَّى من موانع الحمل المأخوذة عن طريق الفم، ففي عام 2014م فقط أغرقت إفريقيا بأكثر من 77 مليار وحدة من أقراص منع الحمل اشترك في التبرع بها للدول الإفريقية كلّ من: (صندوق الأمم المتحدة للسكان، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، الفيدرالية العالمية لتنظيم الأبوة، وماري ستوبس الدولية، مؤسسة الخدمات السكانية الدولية، المصرف التنموي التابع للحكومة الألمانية، ووحدة التنمية الدولية البريطانية)([29]).

ومبررات هذا الاهتمام المكثف بوسائل منع الحمل هو قلق الغرب والحركة النسوية من ارتفاع نسبة الخصوبة وزيادة النسل في إفريقيا؛ ففي حالة الكاميرون على سبيل المثال أبدت لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة قلقها من ارتفاع معدل الخصوبة والحمل المتكرر في الكاميرون، وفي ضوء ذلك حثَّت اللجنة الحكومة على السعي إلى زيادة استعمال وسائل منع الحمل([30]).

وفي توغو أبدت لجنة المرأة بالأمم المتحدة قلقها من انتشار ظاهرة تعدد حالات الحمل، وانخفاض معدلات استخدام موانع الحمل، وفي ضوء ذلك حثَّت الأمم المتحدة الحكومة على زيادة توافر خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك توافر المعلومات المتعلقة بتحديد النسل واعتماد برامج وسياسات لزيادة المعرفة بأساليب منع الحمل الميسورة واستخدامها، من أجل التحكم بعدد الأطفال والمباعدة بين ولادتهم. مع تعزيز التثقيف الجنسي على نطاق واسع، وأن يستهدف البنين والبنات، مع إيلاء اهتمام خاص للحيلولة من حدوث الحمل المبكر([31]).

وفي غانا أوصت لجنة المرأة بالأمم المتحدة الحكومة بتوفير فرص التحكم في عدد الأطفال، واستخدام موانع الحمل، واعتماد تدابير لزيادة مستوى الإلمام بأساليب منع الحمل الميسورة وزيادة إمكانية الحصول عليها. مع الترويج للتثقيف الجنسي على نطاق واسع مستهدفًا المراهقات والمراهقين، مع إيلاء عناية خاصة للحيلولة دون الحمل المبكر([32]).

ميدانيًّا وفي نوفمبر 2014م رعت مؤسسات تمويلية دولية مؤتمرًا ضخمًا عن تحديد النسل في العاصمة النيجيرية أبوجا، وهذه المؤسسات هي: (مؤسسة غيتس، الإدارة البريطانية للتنمية الدولية، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ((USAID، مؤسسة ماك آرثر Mac Arthur) )، صندوق الأمم المتحدة للسكان ((UNFPA إضافة إلى خمس وعشرين منظمة نافذة بعضها معروف في أوروبا وأمريكا بتشجيعها لتحديد النسل والإجهاض، ومنها: الفيدرالية العالمية لتنظيم الأبوة ((IPPF ماري ستوبس الدولية ((MSI، إباس ((Ipas، باثفايندر ((Pathfinder. وقد كان لمؤتمر أبوجا لتحديد النسل نتائج سريعة في نيجيريا، فبعده بشهر واحد افتتحت وزارة الصحة الفيدرالية برنامج عمل نيجيريا لتنظيم الأسرة، بهدف زيادة تعاطي موانع الحمل بين النساء النيجيريات المتزوجات من 15% إلى 36% وتكلفة البرنامج 600 مليون دولار (ستمائة مليون دولار)([33]).

وفي فبراير 2015م استفتحت الحكومة الكينية حملتها العالمية All In ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة والإيدز عند المراهقين، كانت هذه الحملة مدعومة بقوة مِن قِبَل صندوق الأمم المتحدة للسكان، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة، ومنظمة الصحة العالمية، والصندوق العالمي، وصندوق الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة المكتسبة الإيدز، وحكومة الولايات المتحدة، وكلهم قدموا وعودًا بالتزامات مالية كبيرة لتمويل البرنامج. بدأ البرنامج بداية بدت جيّدة، لكن عندما تكشفت تفاصيله في النهاية للجمهور ثار جدل كبير في كينيا، وصار يعرف فيها بحملة “الرفالات للأطفال”([34]).

وبالرغم من معدل الفشل لبرامج الرفالات للمراهقين؛ يواصل صندوق الأمم المتحدة للسكان تشجيع حملته المليونية في أرجاء إفريقيا تحت مسمى (اعزل)؛ حيث تستهدف الحملة الشباب، وتبشرهم بأن استعمال الرفالات يقي من الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة ومن الحمل غير المرغوب فيه، وعن طريق هذه الحملة حصلت إفريقيا على تبرعات الرفالات بأرقام غير مسبوقة، فمن عام 1996م إلى عام 2000م حصلت إفريقيا على ما يقارب 414 مليون من الرفالات الممنوحة، وزاد هذا الرقم أضعافًا مضاعفة ليصل لحوالي 2 مليار رفالة كل عام، وهذه تعادل نحوًا من 70 مليون دولار تنفق سنويًا على الرفالات([35]).

الإجهاض:

يحظى موضوع الإجهاض بأهمية خاصة على أجندة الحركة النسوية؛ وفي ضوء ذلك تسعى المؤسسات الدولية إلى الضغط على الدول الإفريقية من أجل اعتماد سياسات واتخاذ تدابير واجراءات تشريعية لتقنين الإجهاض؛ وعلى الرغم من ذلك فإن موضوع الإجهاض يحظى بقيود تشريعية ملحوظة داخل المجتمعات الإفريقية؛ فهناك دول تبيحه فقط في حالة تعرُّض حياة الأم للخطر؛ ومنها: (أنغولا- مدغشقر- جمهورية إفريقيا الوسطى- الكونغو برازفيل- جمهورية الكونغو الديمقراطية- كوت ديفوار- جيبوتي- الغابون- غامبيا- غينيا بيساو- ليسوتو- مالاوي- نيجيريا- ساو تومي وبرينسيب- السنغال- سيراليون- الصومال- جنوب السودان- تنزانيا- أوغندا).

وهناك دول تصرّح به في حالة تعلق سبب الإجهاض بالصحة البدنية أو العقلية أو بالاغتصاب أو بزنا المحارم أو بعيوب في الجنين؛ ومنها: (بنين- بتسوانا- بوركينا فاسو- بوروندي- الكاميرون- تشاد- جزر القمر- غينيا الاستوائية- غانا- غينيا- كينيا- ليبيريا- مالي- موريشيوس- ناميبيا- النيجر- رواندا- سيشل-سوازيلاند- توغو- زيمبابوي).

ويُسمح بالإجهاض للأسباب المذكورة في المجموعتين السابقتين بالإضافة للأسباب الاقتصادية والاجتماعية في الدول الثلاث التالية : (إريتريا- زامبيا-إثيوبيا). أما الإجهاض بناءً على الطلب فمسموح به في أربع دول، هي: (الرأس الأخضر-موزمبيق-جنوب إفريقيا)([36]).

الحركة النسوية تعتبر هذه التشريعات حواجز ينبغي إزالتها بكافة السبل ففي سنة 2014م نشرت “إباس” ((Ipas (المنظمة المروجة للإجهاض) دليل (حقوق الإنسان وقوانين الإجهاض في إفريقيا)؛ وهو دليل للقضاة، موضوعه القيود الإفريقية على الإجهاض، الكتيب صور هذه القيود كما لو كانت حواجز حائلة دون الوصول إلى خدمات الإجهاض، ويجب إزالتها. وهذه التي يسمونها “حواجز” تشمل: الإذن، وتنفيذ الإجراء مِن قِبَل الطبيب، وإخطار الوالدين وموافقتهم في حال إجراء عملية الإجهاض لقاصر، والقيود المفروضة على العمر الحملي للطفل المجهض. فالمؤسسة النسوية تلك تحضّ على تحويل الإجهاض إلى خدمة تُقدَّم عند الطلب في أرجاء إفريقيا؛ مع إلزام العاملين في مجال الرعاية الصحية ممن يعارضون الإجهاض أخلاقيًّا بإحالة الرغبات في الإجهاض إلى العاملين الراغبين في إجرائه.

إن “إباس” ليست المنظمة الوحيدة التي تحض على الإجهاض في إفريقيا؛ فجُلّ حواجز الإجهاض المذكورة في قائمتها مأخوذة من مطبوعة بعنوان (الإجهاض الآمن الإرشادات التقنية والنهجية للنظم الصحية)، وهي من منشورات منظمة الصحة العالمية لسنة 2012م وتتوقف جداول أعمال كل المنظمات الداعمة للإجهاض على منظمة الصحة العالمية، والتي اتخذت موقفا صريحًا داعمًا للإجهاض بناءً على طلب دول العالم([37]).

 وإذا كانت دولة جنوب إفريقيا من الدول التي تصرّح بالإجهاض بناء على الطلب؛ فإن الإحصائيات تكشف أن60% من عمليات الإجهاض في مستشفيات جنوب إفريقيا الحكومية لمراهقات؛ وحول هذا المنحى المفزع قال المتحدث باسم وزارة الصحة في جنوب إفريقيا جو ميلا: “أعداد متزايدة من المراهقات يجرين عمليات الإجهاض والأرقام مخيفة”([38]).

فهل يُرَاد لجميع دول إفريقيا جنوب الصحراء أن تسير على خطى جنوب إفريقيا في تقنين الإجهاض المصاحب لتقنين زواج الشواذ؟

البشرى والإجابة على هذا التساؤل تأتي من نتائج مسحٍ أجراه مركز “بيو” للدراسات سنة 2014م كشف أن لغالبية الناس في أرجاء إفريقيا آراء محافظة حول الإجهاض ومنع الحمل والعلاقات الجنسية قبل الزواج والشذوذ والطلاق، تقول صاحبة كتاب “إفريقيا المستهدفة”: هذه النتيجة تعكس تجربتي في النشأة في نيجيريا؛ حيث تتشكل آراء الأفارقة في الأمور المتعلقة بالقضايا الجنسية بناء على معتقداتهم الثقافية أو الدينية المتجذرة في نفوسهم، وهي التي تُعيق تقدم أنصار التغيير الاجتماعي الذين يحاولون إدخال معايير السلوك الغربية الحديثة إلى إفريقيا([39]).

خاتمة:

على الرغم من الزخم الدولي في القضايا الانحلالية التي تحاول الحركة النسوية فرضها على المجتمعات الإفريقية، لكنَّ الرهان على ثوابت تلك المجتمعات ومعتقداتها الدينية يبقى هو الحصن الأقوى قبالة هذه الحملات التغريبية، خاصةً في ظل إرث استعماريّ ممتد أثره عبر الأجيال.

وقد وضح من سياق هذه المقالة البحثية كيف أن تلك الثوابت تُمثِّل ممانعةً ذاتية للأطروحات الانحلالية الغربية.

ليبقى الدور الأبرز والأهم والواقع على عاتق المؤسسات الدعوية والخيرية الكبرى في العالم الإسلامي الرسمية منها وغير الرسمية؛ وذلك بمحاولة المساهمة في معالجة القضايا الأصلية للمرأة الإفريقية، وتلبية الاحتياجات الأساسية للطبقات الفقيرة منها، مع تكثيف الجرعات العقدية والدعوية المطلوبة لتحصين الشعوب الإفريقية أمام أيّ صراعات مع الغرب؛ سواء كانت عقدية أو ليبرالية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.