كتب عمر الدقير:
شاءت الصدفة التاريخية أن يُمثِّل يوم السادس من أبريل علامتين فارقتين، ومضيئتين، في تاريخ الشعب السوداني وزحفه الدؤوب نحو الحرية والحياة الكريمة .. الأولى عندما توحدت إرادته في مواجهة شمولية نظام مايو وتمكنت من الإطاحة به في ٦ أبريل ١٩٨٥، والثانية عندما استدار الزمان كهيئته وأحدثت قوى ثورة ديسمبر المجيدة نقلة نوعية في حراكها بالتوجه لمحيط القيادة العامة للقوات المسلحة لمطالبتها بالإنصياع للإرادة الشعبية وإعلان سقوط نظام “الإنقاذ” .. ثورة ديسمبر نفسها لم تنبثق من لا شيء، بل كانت تتويجاً لتراكم كمي ونوعي لمسيرة المقاومة ضد نظام “الإنقاذ” على مدى سنوات حكمه الثلاثين العجاف.
في الحالتين كانت القوة، التي تسلّحت بها الجماهير وهزمت بها آلة الاستبداد القمعية، هي إرادة الحياة والحرية والكرامة الانسانية .. وكانت كلمة السر هي وحدة هذه الإرادة.
لا يُقاس حراك أية ثورة – تبتغي الحرية والسلام والعدالة – بوحدات الزمن، وإنما بمنسوب الإرادة وبحاسوب الدم وعدد الشهداء .. هؤلاء الذين تجوهروا في معنى الحرية والحياة الكريمة وبلغوا أقصى مدىً لهذا المعنى حتى أصبحوا في مقدمة كل شيء .. لم يترددوا في بذل دمائهم عندما حتّم التاريخ أن تكون سُقَيا الدم هي شرط انبثاق الربيع، وذلك عندما أصرّت الوحوش البشرية أن تمارس عادتها في تحطيم الصدور التي امتلأت بالعصيان عليها وعلى الواقع الغاشم الذي صنعته وأرادت أن تحوله إلى ناموسٍ أو قَدَر. لهم الرحمة، ولهم أنصع الصفحات في سفر الخلود الوطني .. ويبقى الوفاء لدمائهم في أعناق كل الثوار.
ما زالت تلال تحديات الانتقال شاخصةً أمامنا، وما زالت المعاناة تنتشر في أرض الوطن وتغطي سماءه بجناحيها الكتيمين .. لا بدّ من وقفة، صادقة وشجاعة، لتصحيح المسار كي نجتاز التلال ونودع دورة المعاناة المزمنة.
فلنحتفل بذكرى “يومي” السادس من أبريل بالانتصار على اليأس، والتسامي فوق “الشجون الصغرى”، وتوحيد إرادتنا، والإصرار على مواصلة زحفنا المقدّس لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.