السلام الغامض المُبَشَّر به

0 80
كتب: د. النور حمد
بعد أن انتصرت الثورة ظن كثيرون، وشخصي واحدٌ منهم، أن قيادات الحركات المسلحة سوف تهرع إلى الخرطوم، لتسهم في تثبيت الثورة واحلال السلام محل الحرب، وإنهاء حالة النزوح واللااستقرار التي استمرت سنواتٍ طويلة، ذاق فيها المواطنون في مناطق النزاع المسلح الأمرَّين. أعلنت الحركات المسلحة مع انتصار الثورة أنها شريكٌ أصيلٌ فيها. لكن الذي جرى عبر الأشهر السبعة المنصرمة عكس خلاف ذلك. فقد بدا وكأن المفاوضات تجري بين طرفين متحاربين، وليس بين شركاء في ثورة واحدةٍ، كما قيل. انتقد كثيرون تأخير إنشاء مفوضية السلام، التي نصت عليها الوثيقة الدستورية، يضاف إلى ذلك تأخير إنشاء بقية المفوضيات وتعيين الولاة المدنيين. بل إن تأخير تشكيل المجلس التشريعي كان نتيجةً لحرص الحركات على معرفة نصيبها فيه على ضوء المفاوضات. وقد عطل تأخير المجلس التشريعي استخدام السرعة اللازمة لهدم النظام القانوني والإداري القديم، الذي تأسس على اختلالات بنيوية أنتجت فسادًا مؤسسيًا شاملاً. وحال، من ثم، دون بناء نظامٍ جديدٍ متوازنٍ شفاف. كما انتقد كثيرون أيضًا خطة المسارات المتشعبة، وسيطرة العسكريين على الملف.
بما أن العسكريين كانوا بطبيعة وضعهم جزءًا لا يتجزأ من بنية النظام المدحور، فإن من الطبيعي أن تسود الهواجس والتخوفات بينهم وبين الحركات المسلحة. وهذا في حد ذاته عنصرٌ جعل المفاوضات متسمةً بالعُسر وبالبطء. فالثقة المتبادلة، هي التي تضمن اليسر والسرعة، والعكس صحيح. وعمومًا فإن رجحان كفة المكون العسكري في الشراكة الانتقالية على المكون المدني، قد وسم الفترة الانتقالية، بحالة الغموض والهشاشة، التي يصف بها الجميع الأوضاع، الآن. أيضًا، دلت الزيارة الأخيرة التي قام بها الإخوة الجنوبيون الراعين للمفاوضات إلى الخرطوم، مؤخرًا، أن من يمثلون الحكم الانتقالي فيها، ليسوا مفوضين بالقدر الكافي. ولقد حرصت على متابعة اللقاء الذي أجرته قناة السودان مع ممثلي الجبهة الثورية، ولم أخرج منه بشيء واضح، يتعدى التبشير والتطمينات التي تعقب اللقاءات الدبلوماسية عادة. جاءت هذه الزيارة المفاجئة للوفد الجنوبي الشمالي المشترك، بعد مرور التوقيت الذي أُعلن قبل فترة للتوقيع على الاتفاق، دون نتيجة. والآن أُعلن عن توقيتٍ تقريبيٍّ جديدٍ لتوقيع الاتفاق، نأمل ألا يسفر عن تأجيلٍ جديد.
ما رشح في الأنباء عن مطالبة قوى الكفاح المسلح بـ 140 مقعدًا في المجلس التشريعي، و9 وزراء اتحاديين و4 أعضاء في مجلس السيادة، وأن يكون غالبية ولاة ولايات دارفور من الحركات المسلحة، أثار الشكوك، مرة أخرى، حول نهج المحاصصة، الذي اتهم به الرأي العام هذه المحادثات قبل شهور. فهذه الفترة فترة انتقالية، المهم فيها العناية بالتفاصيل الدقيقة المحكمة للاتفاق، التي تضمن سلامًا عادلاً مستدامًا على الأرض، وليس الاهتمام بمن تُملأ المقاعد، وكم عددها. في تقديري أن نخبنا السياسية لا تزال لا تملك القدرة على الخروج من الطبيعة التي تربَّت عليها. أيضًا لم نسمع في الزيارة الأخيرة، وما قبلها، شيئًا واضحًا عن وضع حركتي عبد العزيز الحلو، وعبد الواحد نور. ولا أدري ما السبب وراء التعتيم بشأنهما. فهل سيكون هذا السلام شاملاً أم جزئيًا. نحن، فيما يبدو، بحاجةٍ لثورةٍ في العقول، لن تحدث بغيرها ثورةٌ في واقعنا السياسي المعتل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.