الصادق المهدي في “العين الأخبارية”

0 96
كتب: د. النور حمد
.
صدرت يوم أمس 4/9/2020 تصريحات لافتة للسيد الصادق المهدي، في المنصة الرقمية المسماة “العين الأخبارية”، جاء فيها: مواقف الإمارات تجاه السودان إيجابية منذ عهد الشيخ زايد ونشيد بدورها في اتفاق جوبا. كما جاء فيها: نحن مع تسليم البشير وبقية المطلوبين للجنائية الدولية، لأنه وسيلة للتطبيع مع الأسرة الدولية. وجاء فيها، أيضًا: إذا فشلت التجربة الديمقراطية سيكون السودان مرتعًا للإرهاب، والعالم يؤذي نفسه بعدم تحركه لإنقاذ التدهور الاقتصادي في السودان. وحول الانخراط التركي في الملف الليبي قال السيد الصادق المهدي: إن وقف التدخل الخارجي وإجلاء المرتزقة نهائيًا من ليبيا يمثل أهم الحلول للأزمة فيها، وأن تركيا تدعم توجهات ضد الأنظمة القائمة في المنطقة بإيواء الجماعات الإرهابية.
كل هذه التصريحات إيجابية، ولا يملك المرء سوى أن يبصم عليها بالعشرة. وهي تمثل، في نظري، تحولاً مهمًا في رؤية السيد الصادق المهدي السياسية. كما تمثل نقلةً فارقةً في تكتيكاته في التعاطي مع المستجدات الآنية. تمثل هذه التصريحات منعرجًا لافتًا، لأن السيد الصادق المهدي ظل متهمًا، وبحق، بأنه إخواني الهوى، ما جعل الحركة الإسلامية، منذ ثورة أكتوبر 1964 وحتى قبل ثلاثة أيام، الحليف المفضل إليه، على مدى عقود، في المناورات السياسية، بل، وكذلك في العمل العسكري ضد الأنظمة العسكرية. وقد صرح السيد الصادق المهدي قبل بضعة أيام أنه اتفق مع المؤتمر الشعبي، وهو فرع الحركة الإسلامية الذي أنشأه الدكتور الراحل حسن الترابي، على أن يشكلا معًا حاضنة سياسية جديدة لحكومة الفترة الانتقالية. وهذه واحدة من الأعاجيب التي لا يفتأ يتحفنا بها السيد الصادق المهدي، كل حينٍ وآخر.
ما من شك أن تحالف السيد الصادق المهدي مع المؤتمر الشعبي رغم بقاء الأخير متشبثًا ببقاء الرئيس البشير في السلطة حتى سقط، ليشكلا معًا، حسب زعمهما، الحاضنة الجديدة لحكومة الفترة الانتقالية، ليس سوى قفزة في الظلام. وهي قفزةٌ من جنس تلك القفزات الكثيرة المماثلة، التي اعتدنا عليها منه. لا يمكن للسيد الصادق المهدي أن يكون واقفًا مع التوجهات الإماراتية السعودية المصرية، خاصةً في حالة الشد الحادة الراهنة في الإقليم، ويصبح في نفس الوقت واقفًا مع المعسكر التركي القطري الإخواني الذي تمثل الحركة الإسلامية السودانية، بسائر فصائلها، وكيلته الحصرية في السودان. لقد انتقد السيد الصادق المهدي الدور الذي تقوم به تركيا حاليًا في الإقليم وهذا عمل صائب. بل ذهب إلى وصف تركيا بأنها تؤوي الجماعات الإرهابية، وهذا اتهامٌ صحيح.
أما موافقة السيد الصادق المهدي على تسليم الرئيس المخلوع للمحكمة الجنائية الدولية، فتمثل استدارةً بمقدار 180 درجة، من قولته الشهيرة السابقة: “البشير جلدنا وما بنجر فيهو الشوك”. وهي نقلة لافتة لا نملك إلا الإشادة بها. فإنه لا مجال للتطبيع الكامل مع المجتمع الدولي إلا بتسليم مجرمي حرب دارفور إلى العدالة الدولية. كما أن موقف السيد الصادق المهدي من تركيا، زعيمة المحور الإخواني الإمبراطوري التوسعي، فتمثل نقلة لافتة أخرى. ختامًا، بقي أن ينأى السيد الصادق المهدي بنفسه عن ديدنه القديم في اتخاذ الكتلة الإخوانية السودانية بطاقة للمناورة في الداخل السوداني. وأن يثبت على هذه التصريحات الراشدة، فلا يخرج علينا لاحقًا بما يناقضها. وعمومًا، ليس من الميسور أن نقف في لحظتنا الراهنة على نفس المسافة من المحورين الإقليميين القائمين الآن. وكما قيل قديمًا: “بعض الشر أهون بعض”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.