الطائرة الاسرائيلية والنفي المضطرب

0 120
كتب: د. النور حمد
ظللنا نعاني عبر تاريخنا السياسي المعاصر من أزمة مستحكمة في الوضوح والشفافية في العلاقة بين المسؤولين الحكوميين والشعب. تتغير الأوضاع لدينا بالانقلابات العسكرية وبالثورات، لكن يبقى سلوك المسؤولين في الدولة فيما يتعلق بالجنوح إلى التعمية، والغموض، وعدم الشفافية، كما هو، بلا تغيير. من منا لا يعرف اليوم أن التطبيع مع إسرائيل أصبح واقعًا معاشا، في كثير من الدول العربية، فلماذا نواريه عن الشعب السوداني متوهمين أنه يقف ضده. من المخجل أن يتعامل مسؤولونا مع الإسرائيليين سرًا، وينكرون ذلك التعامل معهم في العلن. إن الذين يرفعون سلاح الإرهاب بتصوير أن التطبيع مع اسرائيل خط أحمر، يعلمون علم اليقين أن الدول الداعمة لهم، وهي قطر وتركيا، لها علاقات وطيدة مع إسرائيل منذ وقت طويل. لكن، رغم كل ذلك لا يزال المسؤولون الحكوميون لدينا يمارسون سياسة التعمية والإخفاء، واضعين كل فئات الشعب، بلا استثناء، في خانة القصور وقلة النضج وعدم الأهلية لمواجهة الحقائق، ويتصرفون بهذه البهلوانية التي تثير نحوهم الشعور بالرثاء.
تردد أول أمس أن طائرة إسرائيلية هبطت في مطار الخرطوم. ولأن كارهي الثورة يبحثون عن كل شاردة وواردة لشيطنة الثورة وحكومة الفترة الانتقالية، فقد زحم خبر هذه الطائرة وسائط التواصل الاجتماعي. ولأن تابوو التعاطي مع إسرائيل لا زال يعشش في أدمغة بعض هؤلاء المسؤولين المساكين، فقد هرعوا في ذعرٍ وعجلة قاتلة إلى نفي الخبر. بل ذهبوا في النفي مذهبًا يطعن في المصداقية ويجلب السخرية. فقد قالوا إن السلطات السودانية لم تسمح أصلاً للطيران الإسرائيلي بعبور أجواء السودان، دع عنك أن تتركه يهبط في مطار الخرطوم. وهذه كذبة بلقاء لم يكن هناك داعٍ أصلا للتفوه بها في هذا النفي. وهو نفي لا ضرورة له أصلا، سواء أن هبطت تلك الطائرة أو لم تهبط في مطار الخرطوم، لولا الخوف والتلفت، فزعًا، من فوق الأكتاف.
لقد سمح السودان عقب لقاء البرهان بنتنياهو في كمبالا، في بدايات فبراير الماضي، بعبور الطيران الاسرائيلي أجواءه. وقد أعلن نتنياهو بنفسه خبر عبور أول طائرة إسرائيلية أجواء السودان في اليوم التالي لعبورها. وقد أوردت الخبر قناة الجزيرة في 16 فبراير، نقلاً عن موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية. المدهش، أن تركيا المتضامنة مع قطر في تعويق ثورة السودان أرسلت قبل بضعة أيامٍ معدات طبية إلى إسرائيل. وبعدها بيوم هبطت طائرة إسرائيلية في مطار اسطنبول. لكن، سيرًا على نهجها في ازدواجية المعايير، لم تنشغل قناة الجزيرة، ولا رهطها هنا في السودان، بهذين الحدثين. فيا أيها المسؤولون في السودان عاملوا شعبكم في مستوى درجة الوعي الذي يتمتع به. وضعوا بطاقات اللعب مع إسرائيل، جميعها، فوق الطاولة. فأغلبية هذا الشعب لم تعد أسيرة لتابوو تطبيع العلاقة مع إسرائيل. بل إن أهل القضية أنفسهم لم يعودوا يتقيدون بذلك التابوو، وبلغوا في التطبيع معها درجة جعلتهم يذهبون لتأدية واجب العزاء في موتى أسر القادة الإسرائيليين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.