العنف السياسي: أوغندا تحت حصار الأبوية السياسية لموسيفيني وشعبية واين

0 83

 

كتب: متوكل قادش

.

تتسم معظم النُّظُم السياسية الإفريقية بخصائص الأبوية السياسية؛ من حُكْم شخصيّ، وعدم الفصل بين الحياة العامة والحياة الخاصة، مع وجود شبكة من العلاقات الإطارية التي تقوم على أُسُس من التبعية، بها تابع ومتبوع مع تعظيم الحكام، وانتشار واسع للفساد، وتأييد للحاكم مستند إلى أُسُس إثنية أو فئوية، يصحبها قَمْع للمعارضة، وانتهاك لحقوق الإنسان([1]).

وتتمظهر الأبوية السياسية في أيّ مكان في شكل مفاهيم تصدر للشعب بأن ضمان استمرارية الدولة ونجاحها ومسألة أمن الناس مرتبط ببقاء الحاكم بشكل أساسيّ، وبالتالي لا إمكانية لإزاحته مطلقًا وإلا ستحدث الفوضى.

وتظل أوغندا خلال حكم يويري موسيفيني نموذجًا لهذه الأبوية السياسية التقليدية، هذا في ظل وجود حكومة تقوم على حكمه الشخصيّ، وسيطرته على مفاصل الدولة والحياة السياسية في أوغندا، والأخطر بناؤه لسياج من الخوف حول الشعب في حالة مجرد التفكير في إخراجه من الباب الكبير للحكم.

الوضع السياسي في أوغندا:

اتَّسم الوضع السياسي في أوغندا لسنوات طويلةٍ بنوعٍ من الاستقرار النسبيّ مقارنةً بالدول المجاورة لها، التي شهدت اضطرابات وصل بعضها إلى حالات نزاع شامل وحروب أهلية. ولكنَّ ذلك بالتأكيد لا يعني أن الداخل الأوغندي لا يعرف أيّ نوع من أنواع الاضطرابات السياسية، التي تصل إلى درجة تهديد الاستقرار، وتنذر بانفراط الوضع الأمني فيها.

فعلى مدى سنوات كانت تهديدات جيش الرب بقيادة جوزيف كوني حاضرةً، وكذلك كانت الاضطرابات التي تصاحب حملات الانتخابات لكل من الرئيس موسيفيني والمعارض البارز كيزا بيسيجي تعود مع كل موعد جديد لهذه العملية الديمقراطية. حتى بات العنف هو العامل الحاضر دائمًا قبل وبعد كل انتخابات تجري في أوغندا.

الشيء الذي يتأكد الآن، في ظل قمع مناصري مرشح الرئاسة بوبي واين ومواجهة حملته الانتخابية بكل أشكال العنف الممكنة. ليصل الأمر إلى حالة تُنْذِر بخطرٍ كبيرٍ في ظل هذا العنف الذي أوْدَى بحياة أكثر من 54 شخصًا بحسب إحصائيات الحكومة الأوغندية نفسها.

طبيعة الأزمة الحالية:

لم تشهد أوغندا الواقعة في شرق إفريقيا، ويُقَدَّر عدد سكانها بحوالي 37 مليون نسمة، أي تناوب سياسي أو عملية انتقال سلمية للسلطة، منذ استقلالها في 1962م. وقد صل موسيفيني إلى السلطة قبل 34 عامًا بعد سيطرة مجموعته المسلحة على العاصمة كمبالا عام 1986م، وتنصيبه رئيسًا للبلاد. ومنذ إقرار الدستور عام 1995م، ترشح موسيفيني لخمس دورات انتخابية في أعوام 1996م و2001م، 2006م، 2011م، 2016م، وها هو يستعد للترشح للمرة السادسة، في الانتخابات الرئاسية التي ستُجْرَى في مطلع العام المقبل.

وبعيدًا عن الاتهامات المتكررة بشأن تزوير حكومته للانتخابات ورفض نتائجها بناء على هذا الأمر، فإن الأزمة الحالية تأتي في سياق رفض المعارضة لمسألة ترشح الرئيس موسيفيني من الأساس؛ وذلك لاعتبارات دستورية، تتعلق بالقيد الزمني المحدد لمدة الرئاسة، والحد الأقصى لسنّ الترشح لها، وهي اعتراضات لا تجد آذانًا صاغية من الرئيس وزمرته.

فاجأ يويري موسيفيني الجميع مع بداية يناير/كانون الثاني 2018م، بإصدار قانون يُدْخِل تعديلاً دستوريًّا يلغي الحد الأقصى لسنّ الترشح للرئاسة في بلاده، بغرض التمهيد لترشحه للولاية القادمة 2021م. ويلغي التعديل الدستوري المثير للجدل شرط الحد الأقصى لسنّ الترشح، الذي لا يسمح لمن تجاوز 75 عامًا الترشح للانتخابات، وقد قدَّمه نواب حزب حركة المقاومة الوطنية الحاكم في البرلمان في ديسمبر/كانون الأول 2017م. وعليه أعلنت الحكومة أن “الرئيس موسيفيني وافق على المشروع الذي أصبح الآن قانونًا، وذلك لمصلحة الأوغنديين”. وأعاد القانون الجديد فرض ولايتين رئاسيتين كحد أقصى، وهو ما كان الحزب الحاكم ألغاه عام 2005م للسماح لموسيفيني بالترشح لولاية ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة الآن. واعتبر زعيم المعارضة والمرشح الرئاسي السابق كيزا بيسيجي هذا التعديل جزءًا من خطة مدبرة بعناية لجعل حكم موسيفيني يستمر مدى الحياة([2]).

 أطراف الصراع:

1- يويري موسيفيني:

يمتاز الرئيس يويري موسيفيني بشخصية كاريزمية، تجعله من أكثر الرؤساء الأفارقة تأثيرًا في الوقت الحالي، أما على مستوى الفاعلية فيُعْرَف عنه أنه أكثر الرؤساء الأوغنديين الذين ساهموا بشكل كبير في نهضة أوغندا الحالية، التعليمية والاقتصادية والاجتماعية.

ولكن كل هذه الجوانب المشرقة للزعيم الأوغندي تضيع في زحمة التجاوزات التي يقوم بها على المستوى السياسي، لا سيما في ملفات مثل الديمقراطية والمشاركة السياسية.

وكان موسيفيني قد التحق بالمخابرات الأوغندية في العام 1970م، في عهد الرئيس أبولو ميلتون أوبوتي. وبعد نجاح انقلاب عيدي أمين وإطاحته بحكم الرئيس أبولو، فرَّ موسيفيني إلى تنزانيا، وفي عام 1973م أسَّس جبهة الخلاص الوطني. وبعد فرار عيدي أمين إثر هزيمته في الحرب ضد تنزانيا التي شاركت فيها تنظيمات معادية لنظام عيدي، وكان بينهم موسيفيني وجماعاته المسلحة، دخلت البلاد ابتداء من عام 1981م في حرب أهلية سقط فيها آلاف الضحايا المدنيين، وعزز فيها موسيفيني موقعه بالسيطرة على مناطق مهمة.

وفي 1985م سقطت حكومة الرئيس أوبوتي بعد انقلاب عسكري قاده تيتو أوكيلو، مما دفع موسيفيني ورفاقه إلى إعلان التمرد بدعوى أن جهودهم للتغيير أُجْهِضَتْ بفعل مبادرة أوكيلو. تزامن ذلك مع نجاح مؤيدي عيدي أمين في دخول أراضي أوغندا، وهو ما دفَع بالحكومة الوليدة إلى إرسال الجنود لمحاربتهم، فاستغل موسيفيني الفرصة ودخل بقواته إلى العاصمة كمبالا.

نتيجة لذلك، أعلن عن تنصيب موسيفيني رئيسًا جديدًا لأوغندا يوم 29 يناير/كانون الثاني 1986م، وتعهَّد بإدخال تغييرات جذرية على الحكم في البلاد، دشَّنها بالتفاهم مع صندوق النقد الدولي لإدماج بلاده ضمن برنامج التأهيل الاقتصادي؛ بغرض إنعاش الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع التجارة([3]).

2- بوبي واين

 نجم البوب ومرشح المعارضة للرئاسة، واسمه الحقيقي روبرت كياغولاني سينتامو، ويبلغ من العمر (38 عامًا).

يحظى واين بتأييد عدد كبير من الأوغنديين، عبر دعواته المستمرة لموسيفيني البالغ من العمر 76 عامًا إلى التقاعد. ويتمتع بشعبية خاصة لدى الفقراء في المناطق الحضرية.

نال واين شهرة في أوغندا ودول إفريقية أخرى كواحد من أشهر مغني الراب في شرق إفريقيا شهرة جلبت معها الثراء، و”فيلا” في قرية تبعد حوالي 30 ميلاً عن العاصمة كمبالا، لكنَّه لا ينسى أنه جاء من وسط الشعب.

الآن أصبح أحد قادة المعارضة في بلاده، وأصبحت شهرته في عالم السياسة لا تقل عن عالم الغناء. دخل واين، الذي يتجمع الشباب أمام منزله لإظهار الدعم له، البرلمان عام 2017م، والآن يريد “استخدام طاقة الشباب” للوصول إلى منصب الرئيس.

ويقول واين بحسب مقابلة أجرتها معه صحيفة “كريسشان ساينس مونيتور: “إن الواقعة التي أحدثت تحولاً جذريًّا في حياته، حدثت قبل 10 سنوات. عندما توجَّه إلى ملهى ليلي في سيارته الجديدة “كاديلاك إسكاليد” الرياضية، وعندما خرج من الملهى، قفز شاب في السيارة “وضربه بشدة”، وسأله: “لماذا تتباهى هكذا كما لو كنت لا تعرف أن هناك أصحابًا لهذه البلاد؟”.

يقول واين للصحيفة: إنه لن ينسى تلك الليلة، ويضيف: “الآن نريد أن نقول: إن هناك أصحابًا لهذه البلاد، وهم نحن جميعنا”.

ورغم دخوله عالم السياسة ظل يعمل في مجال الغناء، لكن أغانيه تطورت مع تطوره هو، وأطلق نمطًا غنائيًّا جديدًا أسماه (الترفيه التثقيفي). وعقب قبول أوراق ترشحه، قال في تغريدة: “نحن الآن ندخل المرحلة الأكثر أهمية في كفاحنا من أجل التحرير!”([4]).

.

نجم البوب ومرشح المعارضة الأوغندية للرئاسة: بوبي واين

.

المسارات المستقبلية:

1- إقرار إصلاحات سياسية

هو مسارٌ سياسيّ متكرّر في الحياة السياسية في أوغندا، فبعد كل اضطرابات تعقب الانتخابات الرئاسية كان يتم إقرار إصلاحات سياسية. لكنَّ القضية المحورية كانت تكمن دائمًا في مدى جدية حكومة يويري موسيفيني في الالتزام بتنفيذ هذه الإصلاحات، ففي كل مرة كانت تتم عودة الممارسات القديمة بمجرد تهدئة الشارع المضطرب، وعودة الحياة إلى طبيعتها.

وبالتالي ربما لا تجدي عملية إقرار أيّ إصلاحات سياسية نفعًا، إلا إذا أقرَّ الرئيس حزمة من القرارات التي تسمح بتقليص صلاحياته هو وحزبه، وسمح بتوسيع المشاركة السياسية، وذلك بإدخال بعض عناصر المعارضة في حكومته الجديدة في حال فوزه.

2- ثورة شعبية على غرار مالي والسودان:

لسنواتٍ ظل هذا الأمر مستبعدًا لعدة أسباب؛ أولاً: للرضا النسبي عن سنوات حكم الرئيس موسيفيني “لنقل حتى العام 2005م”. وثانيًا لسيطرة الخوف على الشارع الأوغندي من القمع المفرط الذي يلاقي به النظام كل مظاهرة أو محاولة احتجاج. وثالثًا بسبب هيمنة النظام بشكل كبير على كل وسائل الإعلام المحلية وآليات الحشد والتعبئة، وأخيرًا ربما بسبب انقسام المجتمع الأوغندي رأسيًّا إلى إثنيات.

 لكنَّ ثمة متغيرات عدة تجعل المسألة معقدة هذه المرة، وتُفسح مجالاً لسيناريو مخيف لحكم الرئيس موسيفيني:

 أولاها: اعتماد الخصم هذه المرة على حَشْد فئوي يتمثل في الشباب بطاقاتهم الجبارة وتعطشهم للقيم الديمقراطية والحرية السياسية، وتتمثل خطورتهم في قدرتهم على خوض معارك النفس الطويل وإرهاق مؤسسات الدولة القمعية كالشرطة والأمن.

وثانيتها: اعتماده على تعبئة المواطنين في المدن والقرى الطرفية المنسية في ذاكرة الدولة، وربما الأكثر رفضًا للحكومة.

وثالثتها: اعتماده في التعبئة والحشد والتواصل مع الجماهير والأنصار على وسائل الإعلام غير التقليدية كوسائل التواصل الاجتماعي، وهي مسألة تجعل المعركة الإعلامية متكافئة نسبيًّا تحت هذه الظروف.

 وأخيرًا: تركيزه على إخفاقات الرئيس موسيفيني، والتركيز على إثارة الوعود التي فشل الرئيس في الوفاء بها.

الخلاصة:

تبدو المسألة في أوغندا هذه المرة أصعب مما هو متخيَّل ومتداول عبر وسائل الإعلام؛ إذ يحيط الشك بالرئيس يويري موسيفيني ودائرته الضيّقة، وعما إذا كان بالإمكان تمرير هذه الأزمة، والوقوف بنجاح في وجه هذه العاصفة القوية.

فبوبي واين خَصْم غير تقليديّ بالمعنى السياسيّ، وبالتالي لا يُعْرَف له نقاط قوة وضعف واضحة يستطيع من خلالها موسيفيني وأتباعه الإمساك بها والبناء عليها لإسقاطه من قلوب الناس والشارع في أوغندا، خاصة الشباب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.