الفرق بين النقد، والحسد 

0 82

كتب: صلاح شعيب

.

وجد مصطلح التنمر موضعا كبيرا في نقاشات شبكات وسائل التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع على خلفية ما حدث للفنانة التشكيلية روني مصباح. والحقيقة أنه منذ أن استشرت فرص الإخبار، والتعبير، وجد المبدعون والمفكرون، أو الكتاب، أو الصحفيون، أو المغنون، أو الفنانون التشكيليون، أو المسرحيون، اهتماما بإنتاجهم.

وفي ذات الوقت – كلما توغلنا في عمق زمن الميديا الحديثة – كثرت شكاوى المبدعين من النقد الذي يصعب قياسه كونه موضوعيا، أو غير موضوعي.. مغرض أم مدمر؟.. أهو نقد مستحق طبيعي، أم حرث في الحسد ليس سواه؟. وهكذا تتنوع الأسئلة، ولكن الإجابات أيضا تتنوع ما يجعل العلاقة بين ما هو نقد، أو حسد شائكة. وأذكر أن كثيرين ربطوا بين هذا الموضوع بغالب الشعب السوداني. فعلق أحدهم أن شعبنا حاسد بذات الصورة التعميمية التي عد بها أحد الخلايجة شعبنا بالكسل. وهل بالفعل نحن شعب كسول أم أن الأمر هو تنمر علينا؟

كونك تتنمر على شخص كما لو أنك تحدر في الضلمة لمن لا تريده كما جرى القول. ولكن هل القول بأن فلاناً تنمر على فنان، أو شاعر بعينه، يعد القول الفصل أم أن هناك حبة من نظرة نقدية انفلتت، وخرجت عن الموضوعي لتدخل في باب التجريح، والزراية بذلك الشخص، أو زميله المبدع؟.

من تجربتي في كتابة المقال عانيت كثيرا من الانتقادات غير الموضوعية كما أحسستها، وبعض الشتائم من إسلاميين، واتهامات منهم تجاهي لا أساس لها من الصحة. ولكن على كل حال كنت مستعدا لتقبل النقد، والشتائم أيضا. فالذي يخرج للعمل العام ينبغي ألا يتصور أن المتلقين لعمله، أو المتابعين لنشاطه من الجمهور، وزملاء الحقل، قد يفرشون له الورد، والرياحين. وإذا كان المرء يخشى النقد، والشتائم، فينبغي ألا يدخل المجال العام أصلا. فقد هرب بجلدهم كثير من المتعلمين الذين يحبذون ألا تمس شخصياتهم بقول سلبي حين يدخلون أنفسهم في أمر مشكل حوله. ومع كل هذه المعاناة، والشتم، والتجريحات، يبقى المبدع الحقيقي، ويذهب الزبد جفاءً.

ولكن كيف نفرق بين النقد، والحسد؟ بمعنى آخر كيف ندرك أن الذي ينتقد ملكتي الأدائية الغنائية، أو المسرحية، ينطلق من حسد تجاهي أكثر من محاولته تبيين القصور بحكمة؟

اعتقد أن هناك خطا رفيعا بين ما نراه حسدا، وما نراه نقدا خصوصا في فترة مجتمعية انتقالية نعايشها الآن بعد مرحلة استبداد. وهذه اللحظة تلقي بظلالها على بعض المفكرين، والمبدعين، والذين هم بصورة، أو أخرى، متورطون فيها بحكم انتماءاتهم السياسية.

على مستوى الإنتاج الفني نلاحظ في كل مجالاته، وعند أجيال متباينة الآن، انتقالات أيضا بين مرحلة إبداعية، وأخرى، بسبب الدور الذي لعبته الوسائط في إفراز أعمال فنية جديدة خصوصا على مستوى الكتابة، والنقد، والرواية، والتلحين، والغناء، ومنتجات القنوات الفضائية الإخبارية، والبرامجية. وهذا الانتقال أفرز رؤى جديدة في محاولات التحديث للعمل الفني، وأصبحت محط الجدل، والنقاش، والضجيج أحيانا. وعندئذ تكثر رؤى الناس حولها، ومن هنا ينشأ الكلام عن تنمر فرد، أو طائفة، على عمل فني جديد. ومع حقيقة أن الحسد خصلة في طبيعة الإنسان، وأداته البحث عن الصغائر، فإن النقد البريء من كل شخصنة أيضا موجود، كما أن الغيرة الفنية التي تقود للحسد – وربما تحرض للإبداع أيضا – موجودة.

قال الطيب صالح مرة إن أجمل نقد هو ما كتب عن محبة. ذلك لأن الناقد حريص على المبدع، وأمين معه، بحيث ألا يحبطه، أو يعطيه أكثر مما يجب. ومع ذلك فإن هذا المعيار لا يصلح في كل الأحوال. فقربنا الجيني، وصداقتنا مع المبدع، وتشاركنا انتماءاته الايدلوجية، والعشائرية، والجهوية، أحيانا تغض البصر عن إخفاقاته. بل وأحيانا ندافع عن جارنا المبدع ضد الذين ينتقدونه بحق. ولذلك يبلع الناس ذمتهم إزاء ضعف عمل شاعر، أو فنان ما اقترف موقفا سياسيا خاطئا. وتجدهم يعنفون مبدعا آخر من ذات البيئة اقترف موقفا أقل سلبيةً.

التعنيف الشديد، وباستمرار لشخص المبدع، لا إنتاجه حتى لو كان مبتدئا، لا يعد نقدا. فالنقد يأتي لتقويم الاعوجاج لا الهدم، وليس وظيفة النقد التركيز على الزراية بالمبدع بصورة تسعى لتحطيم شخصيته، أو تدمير أي محاولة لاستمراريته.

الموضوعية في النقد مسألة نسبية. فما تراه خروجا عنها يرى البعض أن المكتوب، أو الملفوظ من نقد، يدخل في صميم تفكيك النص، أو الاداء المسرحي، او اللوحة، أو الفكرة لتبيان خطأها، أو قصورها، أو خطورتها. ولذلك يبقى ما هو تنمر إنما هو محاولة للتساؤل حول إبداعية فكرة المبدع متى ما ابتعدت من الشخصنة، أو الخروج من سياق المادة المطروحة للجمهور.

الأسلوب الذي يُكتب به النقد يكشف لنا جانبا من فاعليته، أو حسده. ففي السطور، وما بينها، يكمن سر فكرة النقد، والناقد. فالتهجم على الكاتب، أو المغني، أو الرسام، بأسلوب تقريعي عنيف، وعبارات زاجرة، وتهكمية، يبقى هو النقد المغرض سواء تعلق بحسد، أو سخائم النفس الأخرى. والموقف السلبي المسبق من الفنان ينعكس على منتوج نقدته. فكثيرا ما تأخذنا العزة بمواقفنا السياسية تجاه فنان اتخذ موقفا مخالفا، ومن ثم نبخس عمله نتيجة لعلو النظرة السياسية، أو تحديدا الايديولوجية، على الفنية.

الحسد الاجتماعي، أو الطبقي، تجاه الفنانين موجود. وكثيرا ما يحاول بعض زملائهم، أو المتلقين، عقلنته في شكل محاولة نقدية لتبيان القصور بشكل أكثر ذكاء. وهنا يختلط المكتوب، أو الملفوظ، في منزلة بين الحسد والنقد.

اعتقد أن روني شابة مبدعة، وعليها أن تتحمل نقد الحادبين، والمغرضين، وأن يكون هذا النقد، أو الحسد، عاملان لإثبات وجودها أكثر فأكثر، ومعالجة الضعف هنا وهناك في تجربتها. وربنا يوفقها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.