اللغة الإنجليزية وتكنولوجيا المعلومات

0 110
كتب: د. النور حمد
لم تتعرض اللغة الثانية في نظامنا التعليمي لتجريف كالتجريف الذي تعرضت له في فترة حكم الإنقاذ البغيض. السبب هو غلبة الأيديولوجيا الدينية المنغلقة، على النظر العقلاني المنفتح. وكذلك، غلبة التشبث العاطفي المحض بالتراث، وضعف الإدراك لتحديات الحاضر ومتطلباته. من هذا المنطلق الخاطئ في فهم الأصالة، وفهم كيفية الحفاظ على الهوية، انطلقت السياسات التعليمية للإنقاذ، فأضعفت اللغة الإنجليزية، وأضعفت التعليم بصورة عامة. والآن، علينا، ونحن ندير هذه الفترة الانتقالية، أن نصلح ما أفسدته الإنقاذ في حقل التعليم. وعلى رأس ما ينبغي عمله هو تقوية اللغة الإنجليزية، وكذلك منح المزيد من الاهتمام لتكنولوجيا المعلومات، وللتعليم الفني.
تسببت العولمة في خلق سوق للعمل عابرة للحدود. فنزعة مضاعفة الأرباح لدى النظام الرأسمالي دفعت بالولايات المتحدة الأمريكية، وبقدر أقل، الدول الأوروبية، إلى نقل التصنيع إلى دول شرق آسيا، حيث العمالة الأرخص. وقد حظيت الصين والهند بنصيب الأسد، من فوائد هذا التحول. وأصبح هذا التحول عاملا من عوامل نهضة هذين البلدين الكبيرين اللذين تحولا في عقود قليلة إلى قوتين عظميين. يضاف إلى ذلك، فقد انتفعت بلدان شرق آسيوية أخرى من سوق العمل المعولم هذا، مثال: تايوان وإندونيسيا والفلبين وغيرها. لكن، ما ساعد هذه البلدان على أن تصبح بؤرا للصناعات الغربية، هو التعليم الفني، وتكنولوجيا المعلومات، واللغة الإنجليزية.
أصبحت الصين مصنعا للعالم الغربي، وأصبحت الهند مقرا للعمل الإداري المكتبي، الذي يجري عن طريق الإنترنت، لصالح كبرى الشركات الغربية. ولقد أشرت في كتابات سابقة إلى أن الفلبين تحصل على مليارات الدولارات، سنويا، بسبب مغتربيها الذين يعملون في الخارج، في مهن استثمرت الفلبين في تعليمها لمواطنيها بتركيز خاص، كالتمريض وكصناعة الضيافة (الفنادق والمطاعم والمقاهي وغيرها). وأيضا في صناعة السفر، (حجوزات السفر والضيافة الجوية، وغيرها). كل ذلك، إلى جانب المهن الأخرى كالهندسة بأنواعها والطب وتكنولوجيا المعلومات وغيرها. أما النتيجة فهي أن الفلبين لها الآن نصيب الأسد من الوظائف في هذه المجالات في السوق الخليجية. المهم هو أن يختار كل بلد نامي ما يناسبه من هذه السوق وفق خطة مدروسة.
يتجه العالم أكثر فأكثر إلى أداء العمل من البيوت. وسوف تلغي هذه النقلة، إلى حد كبير، الوجود الفعلي للموظف في مقر العمل. فالتوظيف في الأعمال الإدارية سوف يكون عابرا للحدود. وكذلك التوظيف في مجالات الصناعة. ومع تراجع العمل اليدوي بسبب ثورة الروبوتات التي تتسارع الآن ستنتقل المهارات المطلوبة إلى مستوى جديد. فالذي سيجعل الدول النامية تنال قسطها من هذه السوق المفتوحة، هو التعليم الذي يعتني باللغة الانجليزية وبتكنولوجيا المعلومات وبالتعليم الفني، وغير ذلك من المعارف والمهارات الأخرى، التي يوفرها النظام التعليمي الجيد. وغني عن القول أن اللغة الانجليزية وتكنولوجيا المعلومات ستزداد أهميتها لسوقي العمل الخارجي والداخلي سواء بسواء. الشاهد ان العالم يتغير الآن بسرعة كبيرة جدا، وتتغير مع ذلك مفاهيم العمل ومفاهيم الاقتصاد، ومن ثم مفاهيم التعليم. ومن يتخلف عن إدراك هذه التحولات وعن بذل الجهود من أجل اللحاق بالركب، فسوف يجد نفسه منفيا في الهوامش القصية، حيث الجهل والفقر والمرض وقلة الحيلة والحروب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.