الهويّة والصراع الاجتماعي في السودان (3)

0 82
.

1

كان من العقبات التي وقفت أمام حل قضية الهوّية والتعايش الاثني في السودان وأدت الي تعميقها، نقض العهود والمواثيق التي ابرمتها القوي الحاكمة مدنية وعسكرية مع الحركات في الجنوب ودارفور وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق والشرق، كما حدث بعد الاستقلال في عدم الوفاء بتحقيق الحكم الفدرالي للجنوب، مما أدي لانفجار التمرد عام 1955 وتعميق المشكلة ، وكما حدث في اتفاقية اديس أبابا 1972، فقد كفل دستور 1973م الذي جاء بعد اتفاقية أديس ابابا الحقوق والحريات الأساسية فيما يختص بالمسألة الاثنية والدينية في المواد 38، 47،52،56.والتي أشارت إلى الآتي :ـ

– المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تميز بسبب اللغة أو الدين أو العرق أو المركز الاقتصادي أو الاجتماعي .

– حرية العقيدة والضمير وحرية ممارسة الشعائر الدينية .

– حظر السخرة والعمل الإجباري .

– حق الأجر المتساوي للعمل المتساوي .

– حق استعمال الاقليات للغاتها وتطوير ثقافاتها.

لكن النظام الديكتاتوري الشمولي أو حكم الفرد الذي كان سائداً في الفترة (1969- 1985م ) أجهض اتفاقية أديس ابابا، واندلعت نيران التمرد من جديد ، وازداد الأمر تعقيداً بعد صدور قوانين سبتمبر 1983م .

2

* بعد انتفاضة مارس ـ أبريل 1985م ، تواصلت الجهود لحل المسألة الاثنية ، فكان إعلان كوكادام الذي وقعة وفد التجمع الوطني لإنقاذ البلاد ووفد الحركة الشعبية لتحرير السودان في 24/ مارس/1986م ، والذي أشار إلى إلغاء قوانين سبتمبر 1983م وجميع القوانين المقيدة للحريات ، واعتمد دستور 1956م المعدل في 1964م ، مع تضمين الحكم الإقليمي وكافة القضايا الأخرى التي تجمع عليها القوي السياسية ، وكان من ضمن الأجندة التي اتفق عليها في إعلان كوكادام للمؤتمر الدستوري : مسالة القوميات ، المسالة الدينية ، الحقوق الأساسية لإنسان ، التنمية والتنمية غير المتوازنة …. الخ

* بعد ذلك جاءت مبادرة السلام السودانية (الميرغيي – قرنق) في 16/نوفمبر 1988م والتي تم فيها الاتفاق علي تهيئة المناخ الملائم لقيام المؤتمر الدستوري ، والذي يتلخص في الأتي :ـ

– تجميد مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة المضمنة في قوانين سبتمبر 1983م ، وان لا تصدر إيه قوانين تحتوي علي مثل تلك المواد وذلك إلى حين انعقاد المؤتمر الدستوري والفصل نهائياً في مسالة القوانين .

– كما اتفق الطرفان علي ضرورة عقد المؤتمر الدستوري.

ولكن انقلاب 30/يونيو/1989م الإسلاموي قطع مسار ذلك الحل ، وتم الرجوع للمربع الأول ، وتصاعدت الحرب الأهلية ، ودخلت المسالة الاثنية في مرحلة اكثر تعقيداً وخطورة .

3

* تواصلت الجهود بعد انقلاب الإسلامويين للحل السلمي الديمقراطي لقضايا التعدد الاثني والديني في السودان ، فنجد إعلان نيروبي 1993م الذي أشار إلى أن تضمن القوانين المساواة الكاملة للمواطنين علي أساس المواطنة واحترام المعتقدات الدينية والتقاليد ودون تميز بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة، وإعلان المبادئ لمجموعة الإيقاد يوليو 1994م الذي أشارإلى الأتي :ـ

– السودان مجتمع متعدد الأعراق والاثنيات والديانات والثقافات يجب الإدراك والاستيعاب التامين لكل أنواع التنوع هذه .

– يجب أن يكفل القانون المساواة السياسية والاجتماعية الكاملة بين كل المواطنين في السودان .

– يجب التأكيد علي حق تقرير المصير علي أساس الفيدرالية ، الحكم الذاتي . الخ لكل أهالي المناطق المختلفة .

– يجب أن تقوم بالسودان دولة ديمقراطية علمانية تكفل حرية الاعتقاد والعبادة لكل المواطنين السودانيين ، يجب فصل الدين عن الدولة ، يجوز للدين والأعراف أن تكون اساساً لقوانين الأحوال الشخصية .

* بعد ذلك جاء مؤتمر القضايا المصيرية للتجمع الوطني الديمقراطي ” اسمرا في يونيو 1995م” ،الذي أشار بيانه الختامي الي حق تقرير المصير كحق اصيل وأساسي وديمقراطي للشعوب ، وان تعمل سلطة التجمع الوطني خلال الفترة الانتقالية علي بناء الثقة واعادة صياغة الدولة السودانية حتى تأتى ممارسة حق تقرير المصير دعماً لخيار الوحدة .

فيما يختص بالدين والسياسة في السودان أشار البيان إلى الأتي :ـ

– إن كل المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الإنسان والمضمنة في المواثيق والعهود الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان ، تشكل جزءاً لا يتجزأ من دستور السودان ، وأي قانون أو مرسوم أو قرار أو أجراء مخالف لذلك يعتبر باطلاً وغير دستوري .

– يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيساً علي حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة ، ويبطل أي قانون يصدر مخالفاً لذلك ويعتبر غير دستوري .

– لا يجوز لأي حزب سياسي أن يؤسس علي أساس ديني .

– تعترف الدولة وتحترم تعدد الأديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمل علي تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمساواة والتسامح وتمنع الإكراه ، وأي فعل ، أو أجراء يحرض علي إثارة النعرات الدينية والكراهية والعنصرية في أي مكان أو منبر أو موقع في السودان.

– يلتزم التجمع الوطني الديمقراطي بصيانة كرامة المرأة السودانية ويؤكد علي دورها في الحركة الوطنية السودانية ، ويعترف لها بالحقوق والواجبات المضمنة في المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان .

– تؤسس البرامج الإعلامية والتعليمية والثقافية القومية علي الالتزام بالمواثيق والعهود وحقوق الإنسان الإقليمية والدولية .

لكن الحكومة أفرغت مقترحات بيان مؤتمر القضايا المصيرية ، كما سنري في اتفاقية نيفاشا، عندما وافقت علي تقرير المصير في ظل عدم وجود الديمقراطية وحرية الإرادة.

* في ابريل 1997م تمت اتفاقية السلام بين حكومة السودان وبعض الفصائل المقاتلة في جنوب السودان ، أشارت الاتفاقية إلى : حرية الاعتقاد ، والمواطنة علي أساس الحقوق والواحبات. الخ، لكن لم يتم التنفيذ، وتحولت الاتفاقية لمحاصصات ومناصب، وكانت النتيجة عودة للحرب.

* في 25/نوفمبر /1999م ، ثم توقيع نداء الوطن بين السيد الصادق المهدى والرئيس عمر البشير، الذي أشار إلى ان: تكون المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات الدستورية، ولا تنال أي مجموعة وطنية امتيازا بسبب انتمائها الديني والثقافي أو الاثنى، وتراعي المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وتكون ملزمة، والاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية والاثنية في السودان. الخ.

ولكن النداء ظل حبراً على ورق، لم يجد طريقة إلى الواقع.

* بعد ذلك تم توقيع اتفاقية نيفاشا التي كان جوهرها:

– تغليب خيار الوحدة علي أساس العدالة ورد مظالم شعب جنوب السودان، وتخطيط وتنفيذ الاتفاقية بجعل وحدة السودان خيارا جاذبا وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلا (بروتكول مشاكوس).

– التحول الديمقراطي وقيام نظام ديمقراطي يأخذ في الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنسي واللغة والمساواة بين الجنسين لدي شعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية الحقوق والحريات الأساسية، وأكدت علي أن يكون جهاز الأمن القومي جهازا مهنيا ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز علي جمع المعلومات وتحليلها (المادة:2-7 -2-4)، وتم تضمين ذلك في وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م، علي أن يتوج ذلك بانتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية للانتخابات مستقلة ومحايدة(المادة:2-1-1-1)، واستفتاء علي تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية يدعم ويعزز خيار الوحدة.

– ايجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام، بل أيضا بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحترم الحقوق الانسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني.

لكن لم يتم تنفيذ الاتفاقية وتحولت لمحاصصات ووظائف ، وكانت النتيجة فصل الجنوب

كما وقع النظام ايضا اتفاقيات مع حركات دارفور مثل : اتفاقية ابوجا مع حركة مناوي ، وتحولت لمحاصصات ولم يتم تنفيذ الاتفاقية، وكذلك اتفاقية الدوحة مع مجموعة التي لم يتم تنفيذها.

4

بعد ثورة ديسمبر تم توقيع اتفاق جوبا (3 أكتوبر 2020) مع الجبهة الثورية الذي أشار الي :

– العدالة والمساءلة والمحاسبة والمصالحة والعدالة الانتقالية متطلبات جوهرية لضمان السلام، والالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1593 لسنة 2005 والذي بموجبه تمت احالة حالة دارفور الي المحكمة الجنائية الدولية، والتعاون غير المحدود مع المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر القبض ومثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية”..

– الفصل التام بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة ، ووقوف الدولة علي مسافة واحدة من جميع الأديان وكريم المعتقدات، علي أن يقنن في دستور البلاد وقوانينها ( الباب الأول : 7 – 1)

– اقرار واحترام الهوّية السودانية والتنوع الأثني والديني والثقافي للشعوب السودانية دون أي تمييز ، وعكسها في نظام الحكم وسياساته من أجل بناء دولة تقوم علي المواطنة المتساوية لجميع السودانيين.

– تعتبر جميع اللغات السودانية لغات قومية ويجب احترامها وتطويرها والاحتفاء بها بالتساوي.

– اقرار مبدأ الوحدة القائمة علي الاعتراف والاحترام المتبادل بين المكونات البشرية والاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية للدولة السودانية.

– أهمية تمثيل المرأة في جميع مستويات السلطة ومراكز اتخاذ القرار بصورة عادلة وفاعلة وبنسبة لا تقل عن 40 % (الباب الأول: 20 – 1).

نلاحظ عدم شمول الاتفاق ، فلم يشمل حركات مثل : حركة وجيش تحرير السودان “عبد الواحد نور”، والحركة الشعبية لتحرير السودان ” عبد العزيزالحلو” .الخ، وتلكؤ ومعارضة المكون العسكري أو اللجنة الأمنية في تسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية ، ومعارضة إعلان رئيس الوزراء حمدوك مع عبد العزيز الحلو الذي أشار لفصل الدين عن الدولة!! من المكون العسكري والفلول، علما بأن ذلك ورد في اتفاق جوبا الذي أشار الي “الفصل التام بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة” ، اضافة لتجاهل تمثيل المرأة في جميع مستويات السلطة بنسبة 40%. الخ ،

مما يشير الي أن اتفاق جوبا في سيره ليصبح حبرا علي ورق، كما حدث في اتفاقات ابوجا والدوحة ونيفاشا التي أدت لفصل الجنوب ، ونافع – عقار الذي أدي لتجدد الحرب، والشرق والتي تحولت الي محاصصات ومناصب ومنافع شخصية ، وتجاهل مطالب أهل دارفور والمنطقتين والشرق في التنمية والتعليم والصحة وتوفير خدمات المياه والكهرباء ، وتعويض اللاجئين وعودتهم لقراهم وإعادة تعميرها .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.