الى يوتيوب هربا من السياسة

0 63

كتب: جعفر عباس 

.

عانيت لعدة أسابيع من دوخة خفيفة كلما نهضت واقفا من قعاد او رقاد، ولجأت الى الطبيب فكان التشخيص انني لا أعاني من ذلك بسبب خلل في الأذن الوسطى أو الثانوية او الجامعية (فيرتيقو vertigo)، وأن الكركاسة التي وضعوها في شرياني التاجي النازل شغالة تمام التمام، ثم صاح الطبيب كما ذلك الإغريقي قليل الحياء ارخميدس الذي خرج من حوض الاستحمام عاريا وهو يصيح: يوريكا، وجدتها eureka عندما توصل الى قانون الطفو، وما وجده الطبيب هو انني أعاني من خلل في معدل هرمون الكورتيزول الذي يسمى هرمون التوتر يسبب لي خللا في ضغط الدم صعودا وهبوطا.

جلست أفكر: توتر لماذا ومن ماذا؟ الحمد لله علاقتي بأفراد أسرتي الصغيرة والممتدة في أفضل حال، ولا أعاني من مشكلة ما تجعلني متوترا، ولست ميالا الى النكد والنقنقة والشكوى، ثم يوريكا.. وجدتها: لا شيء يسبب لي التوتر والقلق إلا مجريات الأحداث في وطني. كلما تكلم البرهان او حميدتي تسببا في خرق الأوزون الوطني، ثم دخل المشهد أردول وأبو الهول ومناوي وترك، وارتفع عدد جنرالات الخلا الى نحو عشرين بعد ان منح كبار قادة الحركات المسلحة أنفسهم ترقيات الى رتبة فريق، ومجلس الوزراء أيضا لا يهش ولا ينش ولا يحل ولا يربط وبه وزراء يجعلونك ت”واري اللو”.

ستموت في الأربعين يا أبو الجعافر إذا واصلت متابعة أخبار الوطن فما الحل؟ الحل في مقاطعة تلك الأخبار، فماذا يستفيد الوطن من موتك سمبلة وهو الذي لم يستفد من موت زهرة شبابه شهداء دفاعا عن قضية؟ وكان الطبيب قد نصحني بالإكثار من الاستماع الى الموسيقى، فهجرت قروبات واتساب والتلفزيون ولجأت الى يوتيوب مستمعا للغناء المعتق، واكتشفت ان ذوقي الموسيقي ما زال معافى وسليما، ولم يتلوث بما يردده المغنون المطاليق وحارسات المرمى (القونات)،

بحثت في يوتيوب فقط عن الأغنيات المعتقة التي أسرتني في صباي وشبابي الباكر، وتذكرت كيف أنني وأصحابي في بدين كنا سعداء بعد أن حسبنا ان إبراهيم عوض رطاني، عندما سمعناه يغني “منقا إسا” وتعني “ماذا قالوا؟” وتخيل احساسي بالخجل عندما اكتشفت انه يقول “مين قساك ومين قسى قلبك؟”، وتذكرت سوء ظني بعثمان حسين لأنني سمعته يغني “حاولت الديك”، وبعد سنوات اكتشفت انه يقول “حاولت أديك من روحي شويه”، وكنت كلما استمعت الى قصيدة علي المساح “نغيم فاهك” أتساءل: ماذا يقصد بقوله: شفاي البج برغواي؟ لأن برغواي جمهورية في أمريكا الجنوبية، وبعد سنين عددا اكتشفت انه يقول: شفاي ال بجبر قواي (الذي يجبُر قواي).

ساعدني على محاربة التوتر باستذكار كيف كنت مثلي تؤلف مقاطع من الأغنيات الشائعة (أي تقطعها من رأسك)، وما في داعي لسيرة قصيدتي: من نارك يا جافي/ انا طالب المطافي لحن وأداء علي كبك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.