بيان مركزية الحزب الشيوعي: في الماركسية وما بيعرف الطبقة العاملة

0 53
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
قرأت تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأخير الذي جاء بحيثيات قرار الحزب بإسقاط الحكومة. وهو هدف لم يطرأ حتى لمثل المؤتمر الشعبي المظنون به الشراسة على الحكومة الانتقالية. فاكتفى بمناشدتها الاستقالة. وبالطبع لم يخل البيان من مصطلح “الرأسمالية الطفيلية” الذي بطريقه أن يصير نكتة. وكان عرض أحدهم عليّ بياناً قال لي إنه للحزب الشيوعي. فقرأته. وعدت له لأقول: لم يأت البيان بذكر للرأسمالية الطفيلية. قطع شك مزور.
سألت نفسي ما طبيعة النظام القائم الذي يسعى الحزب لاقتلاعه؟ والسؤال عن طبيعة النظم من أبجديات الماركسي. وطبيعة النظام هنا تنصرف إلى منشأه الطبقي بصورة رئيسة. فلما وقع انقلاب ٢٥ مايو سأل بيان مركزية الحزب الصادر في مساء يوم الانقلاب “ما هي طبيعة أحداث هذا الصباح . . . وما هو وضعها الطبقي؟”. وقال إن طبيعة ذلك النظام مما نبحث عنه في التكوين الطبقي للمجلس الذي باشر الانقلاب وهو البرجوازية الصغيرة. فمهما كان الرأي في ذلك التحليل إلا إن مثله فريضة على الشيوعي.
وبدلاً عن البحث عن التكوين الطبقي للانتقالية جنح بيان الحزب إلى التعريض بسياساتها. فالانتقالية تنتمي إلى تيار الهبوط الناعم في مقابل قوى الثورة. وهو انقسام برز خلال “الانقسام الطبقي والاجتماعي”. وصمت عن مفردات هذا الانقسام الطبقية. إلى أي الطبقات ينتمي أهل الهبوط الناعم؟ وإلى أي طبقة تنتمي قوى الثورة؟ فيطرشني لم أسمع طوال البيان عبارة “الطبقة العاملة”. وهذا إلحاد في عرف الماركسية. وليس واضحاً بالتالي ما هي المصالح التي تخدمها قوى الهبوط الناعم سوى تبني “سياسات النظام البائد المعبرة عن مصالح الرأسمالية الطفيلية”. وتمت ختمت. وعليه فقوى الهبوط الناعم منزوعة المصالح أصالة لأنها مجرد وكيل للرأسمالية الطفيلية.
يتحاشى الحزب ذكر الأصل الطبقي لقوى الهبوط الناعم ونقول بقول الحزب جدلاً. وهو البرجوازية الصغيرة المتعلمة المدينية. لم يعد الحزب لهذا المصطلح منذ ارتكب انقلاب ١٩ يوليو ١٩٧١. فكان تحليل الشيوعيين المقرر هو أن الانقلاب تكتيك البرجوازية الصغيرة في الثورة الوطنية الديمقراطية. وما أن قام الحزب نفسه بانقلابه، وقبضه الناس ويده في برطمانية الحلاوة، حتى استثقل مصطلح البرجوازية الصغيرة إلى يومنا. فتجده سمى انقلاب يونيو ١٩٨٩ ب”انقلاب الكيزان” وليس انقلاب البرجوازية الصغيرة اليمينية.
استغربت لحزب يرتب لإسقاط حكومة قائمة ولم يعد لها الجيش السياسي. وجيش الحزب الشيوعي السياسي هو الطبقة العاملة بشكل رئيس إلا من أبى واستكبر. فلا أعرف كيف جاز للحزب اسقاط الحكومة وهو خلو اليد من طبقته مرتكز جيشه السياسي. فتجده في البيان يطالب ما يزال بإجازة قانون النقابات الموحد والحفاظ على استقلالية وديمقراطية ووحدة الحرة النقابية. ومعنى هذا أن تنظيمات العمال والمزارعين، التي ناشدها للانتظام في الجبهة العريضة لإسقاط الحكومة، ليست جاهزة للاستخدام وحسب، بل إن قانونها نفسه لم يجز بعد. وتعيش “النقابات” القائمة بيننا كلجان تسيير لعامين طويلين. ويتجدع الرزيقي والمهندس محجوب في المحافل النقابية الإقليمية والعالمية بوضعيتهما الفلولية يستصدران الإدانات للحكومة الانتقالية. ولا أعرف من أين اتفق للشيوعيين أن النقابات لا تُكون إلا بعد صدور قانون بها. فأول نقابة عمالية، نقابة عمال السكة حديد، قامت لتنتزع قانون شرعيتها لاحقاً من أنياب الإنجليز. والوضع عندنا مختلف جداً. ولكنها “المحقة” والرفاق يعرفون ما أعني بها.
وتوقفت عند نقد الحزب في بيانه لنفسه خلال تعاطيه مع قوى الهبوط الناعم. فبدا كمن يفتش عن سبب لفض الاعتصام حول القيادة. فعاب في الواضح طول أمد الاعتصام وتحوله لأداة شبه اجتماعية. ولم أفهم المغزى منه هنا. هل يأخذ الحزب على الاعتصام “اجتماعيته” التي هي سر حيويته، وذكائه، ونبله، تطهر فيه الشباب من درن الإنقاذ في استعادتهم لحريتهم. كان ذلك كرنفالاً لميلاد جديد. وجاء البيان الشيوعي بعبارة أعتقد أنها بلهاء نوعاً منا. فالبيان كمن يوحي أن اجتماع الخلق في مكان اعتصام واحد هو ما عرضهم للضرب. فلو تفرقوا في الشوارع لما تمكن منهم خصمهم. وأتركها عند هذا الحد.
وجدتني أؤيد البيان في مطلبه مراجعة اتفاقية جوبا والإعداد للمؤتمر الدستوري الذي سيرفع أثقالا عن المفاوضات التي جرت، وتجري، في جوبا لا تعرف لها اختصاصاً: هل هي اتفاقات سلام للفترة الانتقالية أم أنها لوضع لبنات الدستور القادم. ولا أعرف أن كان مطلب البيان بمجانية التعليم والعلاج هو أضغاث من الماضي، أم أنه ثمرة تفكير مستتب في حقائق مجتمعنا الطبقية المستجدة. فلن تغري بعض أهله المرتاحين بمجانية تعليم أولادهم وبناتهم أو علاجهم بمستشفيات الدولة ومدارسها لو انطبقت الأرض. الناس دي عرفتلها درب كما قال أستاذنا عبد الخالق محجوب في مناسبة ما.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.