تجربة فشل الفترة الانتقالية بعد اتفاقية نيفاشا ( يناير 2005- يناير 2011) (1 – 2 )

0 38

بقلم : تاج السر عثمان

أشرنا في مقالنا السابق لفشل تجربة الفترة الانتقالية بعد انتفاضة أبريل 1985 ، ودور المجلس العسكري الذي تحالف مع الجبهة القومية الإسلامية في ذلك، حتى تدبيرها لانقلاب 30 يونيو 1989 الذي دمر البلاد، ونتابع في هذا المقال تجربة فشل الفترة الانتقالية بعد التوقيع علي اتفاقية نيفاشا بين المؤتمر الوطني بقيادة عمر البشير والحركة الشعبية بقيادة جون قرنق في 9 يناير 2005 علي أن تتم فترة انتقالية يتم بعد استفتاء حول الوحدة أو الانفصال في 9 يناير 2011 ، والذي كانت نتيجته انفصال الجنوب بسبب ممارسات المؤتمر الوطني وخضوعه للضغوط والابتزار الأمريكي برفع العقوبات عنه اذا وافق علي الانفصال ، وكانت نتيجة الاستفتاء الانفصال، وظل نظام البشير في قائمة الدول الراعية للارهاب ولم ترفع عنه العقوبات، وظل فيها حتى كنسته ثورة الشعب السوداني في ديسمبر 2018 ، وما زالت العقوبات الأمريكية وقائمة الدول الراعية للإرهاب تطارد الحكومة الانتقالية الحالية. وكما سنري فشل الفترة الانتقالية حتى الاستفتاء التي لم ينفذ فيها سوى أسوأ ما فيها وهو الانفصال، وضرورة الاستفادة من تلك التجربة لضمان نجاح الفترة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر 2018 ، والمحافظة علي وحدة ما تبقي من الوطن، خاصة بعد المخاطر التي برزت التي تهدد وحدة قوى الحرية والتغيير بعد تجميد حزب الأمة نشاطه فيها، لمدة اسبوعين لحين الاستجابة لشروطه.

جاء توقيع الاتفاقية وسط زخم إعلامي كبير وحضور وتدخل دولي لم يشهد له تاريخ السودان مثيلا، بهدف ضمان تنفيذ الاتفاقية والوصول الي استقرار السودان، ولكن جاءت حصيلة التنفيذ بما لا تشتهي سفن الشعب السوداني، كانت الاتفاقية مشهودة دوليا من ممثلي كينيا ويوغندا ومصر وايطاليا وهولندا والنرويج والمملكة المتحدة وايرلندا الشمالية وامريكا والاتحاد الافريقي ومنتدي شركاء الايقاد، والجامعة العربية والأمم المتحدة.

كان جوهر الاتفاقية، الذي بنت عليه جماهير شعبنا الآمال العراض، يتلخص في ثلاثة أضلاع:
الأول : تغليب خيار الوحدة علي أساس العدالة ورد مظالم شعب جنوب السودان، وتخطيط وتنفيذ الاتفاقية بجعل وحدة السودان خيارا جاذبا وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلا (بروتكول مشاكوس).
الثاني : كما جاء في بروتكول مشاكوس، هو التحول الديمقراطي وقيام نظام ديمقراطي يأخذ في الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنسي واللغة والمساواة بين الجنسين لدي شعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية الحقوق والحريات الأساسية، وأكدت علي أن يكون جهاز الأمن القومي جهازا مهنيا ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز علي جمع المعلومات وتحليلها (المادة:2-7 -2-4)، وتم تضمين ذلك في وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م، علي أن يتوج ذلك بانتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية للانتخابات مستقلة ومحايدة(المادة:2-1-1-1)، واستفتاء علي تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية يدعم ويعزز خيار الوحدة.
الثالث : كما جاء في بروتكول مشاكوس: ايجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام، بل أيضا بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحترم الحقوق الانسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني.

كانت تلك الأضلاع الثلاثة الحد الأدني الذي بنت عليه جماهير الشعب السوداني الآمال العراض و تأييدها للاتفاقية التي اوقفت نزيف الحرب، رغم عيوب الاتفاقية التي لا تخطئها العين، التي كانت ثنائية ،وتم استبعاد ممثلي القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني الأخري، ولا سيما أن الاتفاقية تناولت قضية أساسية تتعلق بمصير السودان ووحدته فلا يمكن ان تترك لشريكين، فالمؤتمر الوطني لايمثل الشمال ولا الحركة الشعبية تمثل الجنوب، وكانت الحصيلة شراكة متشاكسة كّرست الشمولية والديكتاتورية.
اضافة للثغرات الأخري في الاتفاقية مثل تقسيم البلاد علي أساس ديني، واقتسام السلطة الذي كرّس الصراع بين الشريكين وهيمنة المؤتمر الوطني في الحكومة المركزية والمجلس الوطني من خلال الأغلبية الميكانيكية والتي افرغ بها المؤتمر الاتفاقية من مضمونها وتم إعادة إنتاج الشمولية والديكتاتورية، اضافة لوجود نظامين مصرفيين والذي اكدت التجربة العملية فشله، اضافة للخلل في توزيع عائدات النفط بين الشمال والجنوب والتي لم تذهب الي التنمية وخدمات التعليم والصحة والزراعة والصناعة والبنيات الأساسية.الخ.

ماذا كانت حصيلة تنفيذ الاتفاقية؟ :

1- الحقوق والحريات الأساسية:
تم ّانتهاك الحقوق والحريات الأساسية واحتكار المؤتمر الوطني للإعلام والرقابة علي الصحف ، واستمرار القوانين المقيدة للحريات ،حتى أصبح الدستور الانتقالي حبرا علي ورق واستمرت الممارسات السابقة في قمع المسيرات السلمية مثل: مسيرتي: 7/12، 14/12/2009م، وقمع مسيرات واعتصامات العاملين والطلاب السلمية رغم عدالة مطالبهم، وقمع موكبي مواطني كجبار والبجا مما أدي لاستشهاد أعداد منهم اضافة للجرحي، اضافة للاعتقالات بسسب ممارسة النشاط السياسي المشروع مثل : توزيع منشورات لأحزاب مسجلة!!، وتزوير انتخابات العاملين والمهنيين بالقمع وتسخير جهاز الدولة لخدمة ذلك، وعدم الاستجابة الكافية لطلبات الطعون، واسقاط الأسماء غير المرغوب فيها ، واعداد الكشوفات من خارج المهنة كما اوضح ممثلو تحالف المحامين في مؤتمرهم الصحفي بعد التزوير، وتم تتويج مصادرة الحريات بقانون الأمن الأخير الذي أجازه المجلس الوطني والذي يتعارض مع الدستور الانتقالي الذي حدد مهام ووظائف جهاز الأمن في جمع المعلومات وتحليلها، اضافة لانتهاكات الحرب في دارفور، وقرار المحكمة الجنائية بتوقيف الرئيس البشير، واستمرار الصراعات القبلية ونسف الأمن في الجنوب، ولم تتغير طبيعة النظام التي تقوم علي القمع سياسيا والنهب اقتصاديا منذ انقلاب 30- يونيو- 1989م.هذا اضافة لعدم توفير مقومات الاستفتاء للجنوب وابيي والمشورة الشعبية والتي تتطلب حرية الارادة والتعبير من قبل المواطنين بدون قوانين مقيدة للحريات مثل قانون الأمن، وبالنسبة للانتخابات، وكما أشار تحالف القوي السياسية الي التلاعب في الاحصاء السكاني وتزوير السجل الانتخابي بشكل يضمن فوزا مريحا بأغلبية ساحقة للمؤتمر الوطني، وعدم استقلال وحياد المفوضية التي اصبحت اداة في يد المؤتمر الوطني كما أشار تحالف القوي السياسية الذي طالب بقيام مفوضية مستقلة ومحايدة بما يتمشي مع اتفاقية نيفاشا في مؤتمره الصحفي الأخير بتاريخ 6/1/2010م.

2- تدهور الأوضاع المعيشية:
تدهورت الأوضاع المعيشية لجماهير الشعب السوداني، كما يتضح من غلاء الأسعار وانخفاض الأجور وموجة الاضرابات الكثيرة للعاملين من اجل صرف استحقاقاتهم اضافة لشبح المجاعة الذي خيّم علي البلاد بسبب فشل الموسم الزراعي، اضافة للفساد الذي وصل الي قمته كما يتضح من تقارير المراجع العام وتقارير منظمة الشفافية العالمية، وبيع مؤسسات القطاع العام وتشريد الآلاف من العاملين، ونسبة العطالة وسط الخريجين التي بلغت حوالي 70%، وعدم تحقيق التنمية في الشمال والجنوب، ولم يحس المواطنون في الشمال والجنوب بأن الاتفاقية حسّنت من أحوالهم المعيشية.
كما أجاز المجلس الوطني ميزانيات الأعوام:2006، 2007، 2008، 2009م، 2010م، والتي أرهقت الشعب السوداني بالمزيد من الضرائب وغلاء الأسعار، اضافة الي تدهور الإنتاج الصناعي والزراعي واعتماد البلاد علي البترول الذي أصبح يشكل نسبة 90% من الصادرات، وتمّ نهب عائداته التي لم يذهب جزء منها للتنمية ولدعم القطاعين الزراعي والحيواني والصناعة وتوفير فرص العمل لآلاف العاطلين عن العمل، ودعم التعليم والصحة والخدمات.الخ، وتحسين الأوضاع المعيشية، اضافة الي تذبذب أسعارالنفط عالميا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 وانعكاساتها السالبة علي السودان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.