تشريح إتفاق جوبا (3 ) !

0 82
كتب: زهير السراج
.
* قبل أن أواصل تشريح اتفاق جوبا، أود ان اعلق على حديث (حميدتى) بأن (المدنية تحتاج الى حماية)، وحديث ياسر عرمان (ان كل بلاد الدنيا فيها عساكر) رداً على من هتفوا (مدنية) في ميدان الحرية خلال الاحتفال بتوقيع الاتفاق، بأن المدنية تحتاج فعلا الى حماية، كما ان كل بلاد الدنيا فيها عساكر، ولكن لا ليجلسوا على كراسي السلطة ويحكموا ويتحكموا ويؤخروا الانتقال الى المرحلة الديمقراطية باسم اتفاق السلام، وإنما لحماية الوطن والدستور!
* ولقد كان من المؤسف أن تشارك الحكومة وبعض المدنيين في هذا الاتفاق المهزلة بدون أن يتبينوا اهدافه الخبيثة رغم التحذيرات المتكررة إلا مؤخرا، حيث تفاقمت المظاهرات في الشرق بعد الاعلان عن الاتفاق، وأصدر تجمع أبناء الشمال (الأصل) بيانا يرفض فيه الاتفاقية ويقدم جملة من المطالب أسوة بما حصل عليه غيرهم، وقال الأستاذ (صديق يوسف) مؤخرا بأن القصد من الاتفاق هو “إبعاد قوى الحرية والتغيير من المشهد واستبدالها بالحركات المسلحة”، وليت ذلك كان هو الهدف يا عم صديق، ولكنه أكبر من ذلك بكثير، وهو التمهيد لإمبراطورية (حميدتى) العسكرية ومناصريه من الحركات المسلحة أو تمزيق البلاد الى شظايا، حسبما تكتظ به الاتفاقية من بنود غريبة!
* منحت الاتفاقية للجبهة الثورية 3 مقاعد في المجلس السيادي و5 في مجلس الوزراء و75 مقعدا في الجمعية التشريعية (بنسبة 25 %)، والقصد من فصل نصيب الجبهة الثورية عن قوى الحرية والتغيير الذى حدث في وقت سابق في العاصمة التشادية بتخطيط من (حميدتى) وبعض قادة الفصائل المسلحة، واستكماله في جوبا بإصرار (حميدتى) على رئاسة وفد المفاوضات الحكومي، هو تعزيز وتقوية المكون العسكري وبالتحديد (قائد قوات الدعم السريع ) في المجلس السيادي ومجلس الوزراء وتمثيلهم بكتلة برلمانية قوية وضخمة في المجلس التشريعي، الأمر الذى سيعطى الأغلبية للعسكر في المجلس السيادي، ويجعلها موازية للمدنيين في مجلس الوزراء، والحصول على تمثيل قوى في المجلس التشريعى بدلا عن (لا شيء)، وها هما الجنرال (حميدتى) والكوماندو (عرمان) يهللان لذلك في ميدان الحرية قبل يومين!
* ومما يقوى من الوجود العسكري (خاصة قوات الدعم السريع) الاتفاق الأمني المريب الذى سمح ببقاء قوات الحركات العسكرية بما لديها من سلاح حتى نهاية الفترة الانتقالية ودمجها على ثلاثة مراحل في القوات النظامية، بالإضافة الى تكوين قوة عسكرية في دارفور من 12000 فردا مناصفة بين الحركات المسلحة والقوات الحكومية، وهو ما سيجعل من الفصائل العسكرية المسلحة قوى مدنية تشارك في الحكم وتحتكر السلطة في دارفور، وقوى عسكرية في نفس الوقت تحتفظ بكامل قواتها وعتادها، الأمر الذى سيقوى قبضة العسكريين على السلطة ويؤدى لعسكرة الدولة خلال الفترة الانتقالية، بدلا عن العكس!
* ويزداد الأمر سوءا، بتخصيص الاتفاق ل 40 % من مساهمة دارفور في الثروة القومية لحكومة إقليم دارفور، بالإضافة الى 750 مليون دولار سنويا من الميزانية العامة لمدة عشر سنوات، و100 مليون دولار أخرى يتم تسديدها خلال شهر من توقيع الاتفاقية، وهو وضع لا يتمتع به أحد ولا حتى الحكومة المركزية، وقد يحاجج البعض بأن المبلغ مخصص للإقليم وليس للفصائل المسلحة، وما اسهل الرد على ذلك بأن الفصائل المسلحة هي التي ستحكم دارفور وتتحكم في المال وتتولى الانفاق، ولن يكون في مقدور احد ان يحاسبها إذا أخطأت أو لم تخطئ، حسب الوضع المزدوج الذى تتمتع به!
* ثم من الذى يضمن إذا أخطأت ورفضت الحساب أو خسرت الانتخابات القادمة، ألا تتمرد مرة أخرى حيث سمحت لها الاتفاقية بالاحتفاظ بجزء من قواتها حتى نهاية الفترة الانتقالية ؟!
* غدا بإذن الله أواصل .. انتظروني !

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.