حدث في 6 أغسطس

0 28

كتب: جعفر عباس

.

قبل يومين، أي في 6 أغسطس الجاري كنت أتابع فعاليات الأولمبياد في التلفزيون عندما جاءت ام الجعافر وجلست بالقرب مني وسألتني: موضوعك شنو اليوم؟ فقلت في سري: يا ساتر، ربما أبلغتها واحدة متخصصة في شلب المقالات ما كتبته عن سعر الزوج المغترب؛ وربما تريد محاسبتي لأن التلفزيون كان وقتها ينقل منافسة سباحة نسائية وحال المتسابقات “مكشوف”، واشتغل عقلي كالمروحة، ثم نزل علي الالهام: دا يوم تاريخي محفور في ذاكرتي.. وقبل ان أكمل الجملة رأيت ابتسامة عريضة على وجهها وأحسست بالأمان، فواصلتُ الحديث: في مثل هذا اليوم المبارك (الذي وافق الجمعة) تم عقد قران ست الحسان على فلتة من فلتات الزمان.

فقد كان عقد قراني عليها قبل نحو ربع قرن في 6 أغسطس (يعني لو عمري الآن 39 سنة فقد تزوجت وعمري 14 سنة، وبحمد الله أنجبت 4 عيال، أكبرهم أنجب ولدين- يا للنبوغ المبكر)، وجلسنا نتذكر تفاصيل ذلك اليوم التاريخي، والذي سافرت بعده بثلاثة أيام مبتعثا الى بريطانيا، ليتم الزفاف بعدها بسنة ونحو 6 أسابيع، أي في 19 سبتمبر، وأنا وأم الجعافر من مواليد سبتمبر.

تذكرت أنه وفي يوم عقد القران كان إجمالي ثروتي خمسون قرشا بعد ان نفضت الكيس وصرت ماليا هوبليس كيس hopeless case وكنت قبلها أقوم بتسليم مبلغ معلوم للتي صارت ام الجعافر، على ان تقول لي عوووك عندما تحس بأن ميزانية الزواج اكتملت، مما يؤكد ان أبو الجعافر ديمقراطي لأنني بذلك تركت لها تحديد المهر وشراء أثاث غرفة النوم إلخ، على أن أتولى أنا أمر “الشيلة” أي كسوة العروس من بريطانيا، وقد كان: عدت من هناك محملا بما لا عين سودانية رأت من الملابس اللندنية، وقدمت لها شيلة غير مسبوقة فقد حشرت بين طيات الملابس طقمي شاي ستينلس ستيل (وكانا موضة ذلك الزمان) وبعض الأكواب الزجاجية الزاهية الألوان (أعشق المصنوعات الزجاجية وأكره أكواب الصيني لأنها تخبئ محتوياتها ولنفس السبب لا أطيق المحشي لأنه معمول بأسلوب الغتغتة والدسديس الذي نهى عنهما حجة الزمان حميدتي).

والله زمن: من شاب يرتدي بنطلون كريمبلين شارلستون وشعره آفرو (كما ذلك المسخ الذي يطل علينا اليوم عبر الشاشات- هل عرقته؟) الى شابٍ شابَ شعر رأسه، وعنده ولدان وبنتان وحفيدان: يا ما انت كريم يا رب، وتذكرت ليلة الحنة الخاصة بي في ذات مساء سبتمبري عندما هبت عاصفة رعدية هوجاء واقتلعت الصيوان الذي كان يؤوي المعازيم، وهكذا عرف الجميع أنني أكلت من “الحَلَّة” مباشرة عدة مرات، وتذكرت كمال ترباس وأبو عبيدة حسن يغنيان في حفل الزفاف، وأنا أعيط من فرط الجوع لأنه كلما مددت يدي لتناول لقمة جاءني من يهتف: ابشر يا عريس، فاستعنت بصديق أتى بسمك بلطي وجلسنا في سيارته بعيدا عن الحفل و”ضربنا السمك”، وتذكرت كيف أنني وأم الجعافر كنا وفي أيامنا الأولى بعد الزفاف نلعب الليدو لساعات، وتذكرت انني كنت وقتها أعمل في التلفزيون السوداني ولم اطلب إجازة للزواج بل قمت بتسجيل عدة حلقات من برنامج تعليم الإنجليزية الذي كنت أقدمه واختفيت من المشهد، وتذكرت أمورا كثيرة أخرى.

ومرت رحلة الزواج بالكثير من “الدقداق” ولكن بلا مطبات أو حُفَر تخلخل كيان المؤسسة الزوجية: مناقرات ومشاكسات خفيفة، نتذكر بعضها اليوم ونضحك على “عوارتنا”، ونتذكر كيف أننا كنا وفي أواخر الشهور نعاني من عجز في الميزانية، وكان من آيات الفلس في ذلك الزمان أننا كنا نأكل القريب فروت تحلية بعد الغداء (فتأمّل، واليوم لا يستطيع ان يشتري القريب فروت سوى أمثال أسامة داوود).

يا سلام عليك يا أبو الجعافر: متزوج من نفس “الشخصة” ورزقتما بأربعة عيال جميعهم بحمد الله دخلوا الحياة العملية، ولم تفكر فيما يسمى “تجديد الشباب” بالزواج بأخرى رغم انه من المفترض ان “سوقك حار” كمغترب؟ أم يا ترى فإن ام الجعافر هي التي تستحق الإشادة والتحية لأنها هي من صبرت على أبو الجعافر سنين عددا؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.