(حكاية الساحر و دائرة التأثير..)

0 51

الحكاية السودانية الشعبية تروي أن رجلاً ساحراً أقنع الناس بأنه  خارق صاحب معجزات.. وقف الناس يتفرجون عليه تعلو وجوههم علامات الإيمان بقواه الخارقة إذ يقف الرجل خلف بعير ثم دخل في بطنه ويخرج من فم البعير.. لكن رجلاً كان يقف بعيداً من الناس صرخ فيهم وهو يقول لهم إن الرجل دجال أشِر فهو لا يدخل في البعير بل يدور حوله فقط ويوهمهم بأنه يدخل ويخرج من بطن البعير.. لكن الرجل الخارق ناداه وطلب منه أن يقترب ليرى بنفسه، فجاء الرجل ووقف مع الناس وبدأ الساحر الخارق عمله فذهب إلى البعير وكرر ما يفعله، فهتف الرجل الذي كان يكذب المعجزة قائلاً ( يادوبك عملتها صاح..)..

والفكرة في الحكاية الشعبية أن الوهم له دائرة تأثير، فإذا حافظ المرء على موقعه بعيداً عن دائرة التأثير فهو يرى ما لا يراه الآخرون الراضخون للوهم والتأثير..

بصراحة- وبدون زعل- نحن نكابد حالة (دائرة الوهم).. أحياناً كثيرة أحتار لما أجد الشعب كله منشغلاً ومشغولاً بقضية “هايفة” ومع ذلك تدق من حولها الطبول وتشرخ فيها الحناجر.. وما أن تنتهي القضية “الهايفة” حتى تطل أختها ربما تكون “أهيف” لكنها تنال حظها من الاهتمام الكبير بل لدرجة الانقسام مع وضد بمنتهى الشراسة في طبقات المجتمع السوداني..

ولا أريد أن أسمي مثل هذه القضايا لكن نظرة سريعة للوراء لأيام قلائل وربما لفترة لا تزيد عن شهر تكشف هول هذه القضايا “الهايفة” وكيف تطل برأسها وكأنها تقف في طابور تنتظر موعدها المناسب لشغل الرأي العام ..

السودان الآن أمام فرصة تاريخية نادرة لبناء وطن حديث عملاق يلبي طموحات شعبه النبيل في حياة كريمة مترفة رغدة.. لكن بكل أسف هناك عمليات تضليل متعمدة ، مثل حكاية الساحر التي رويتها لكم قبل قليل، تستهدف إشغال الشعب بالتوافه حتى لا يضغط ويثابر على طلب المعالي التي يستحقها..

الأمثلة كثيرة لكني سأضرب لكم بعضها..

زيارة لأحد مراكز خدمة الجمهور في مدن العاصمة الثلاث تكشف وجهاً مهماً للخلل في كيان الدولة السودانية.. في مواقع خدمات الجمهور في كل موقع زحام كثيف، ويحتاج المواطن لبعض عمره  وجهده ثم ماله لإنجاز مهام صغيرة للغاية.. ولا أحد يطرح السؤال الحتمي، لماذا؟ لماذا الزحام بل ولماذا لا تقدم الخدمات مثل أية دولة محترمة عبر تطبيقات الكمبيوتر؟ هل المشكلة في المال أم في الخيال؟

بكل يقين الإجابة ليست في المال ولا الخيال، بل لأن “عقيدة” الخدمة المدنية في السودان لا تهتم كثيراً بكرامة المواطن أو زمنه أو جهده أو ماله حينما يطلب خدمة حكومية..

آخر هذه الملاحظات تبدو في مراكز التطعيم ضد فيروس كورونا.. زحام لا يبرره إلا غياب الرغبة والإرادة عند السلطات في توقير المواطن.. فمن الممكن تسجيل الراغبين في التطعيم  وتحديد الزمن المناسب لتلقيهم التطعيم دون حاجة للانتظار المهين في زحام يفتقد للتنظيم..

يا شعب السودان،، بالله أنظروا للأمور بعيداً عن (دائرة التأثير)..!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.