حمدوك أيضاً خان العهد

0 74

كتب: جعفر عباس

.

الإعلان الذي قبل به عبد الله حمدوك أمس، هو نفس بيان انقلاب 25 أكتوبر ناقصا بند حل مجلسي الوزراء والسيادة، وبذلك يعترف حمدوك بالبرهان- بطل الانقلاب- كصاحب الحق في تقرير كل شيء، فهو الذي أمر بإنهاء خدمات حمدوك وسجن وزرائه والمئات من أنصار الثورة، وهو الذي أمر بعودة حمدوك دون ان يصطحب معه وزراءه سواء الطلقاء منهم او السجناء، وبوضع بصمته على البيان يكون حمدوك قد قبل بأن البرهان وحميدتي وباقي الجوقة العسكرية هم الأوصياء عليه وعلى الحكم، فقد نص البيان على ان مجلس السيادة هو الذي يشرف على الفترة الانتقالية، كما قبل بأن من حق البرهان كقائد للجيش في عزل أربعة أعضاء من مجلس السيادة وتعيين أربعة من اختياره، وقبل أيضا بسريان قرارات البرهان بعد الانقلاب بإنهاء خدمات المئات وتعيين فلول النظام القديم مكانهم.

ولكن ليس لهذا البيان/ الإعلان أي قيمة قانونية ودستورية لأنه اتفاق بين شخصين لا يملك أي منهما سلطة اتخاذ القرارات وإصدار القوانين، وقد ردد البرهان مرارا منذ انقلابه الأخير وردد حمدوك بالأمس بان المرجعية في كل شيء يتصل بالحكم هي الوثيقة الدستورية، بينما الوثيقة تحدد على نحو صريح ان الأمر بين كتلتين (إحداهما مدنية والأخرى عسكرية) وليس شخصين، بل بصم حمدوك بالأمس على قرار البرهان بتجريد تلك الوثيقة من بعض أهم بنودها، ومنها تفكيك دولة الكيزان وأن يكون مجلس السيادة تشريفيا.

حمدوك لم يكن يملك صلاحية الدخول في أي اتفاق بشأن الحكم الانتقالي مع البرهان وغير البرهان، وبالبصم على بيان الأمس يكون قد وافق على أن يبقى في الساحة بدون حاضنة سياسية، وذلك بالقبول بشطب قوى الحرية والتغيير من المعادلة، و”قحت” على علاتها الكثيرة طرف أساسي فيما يتعلق بتطبيق او تعديل الوثيقة الدستورية، فهل قرر حمدوك جعل الفلول الذي حشدهم البرهان أمس في القصر ليشهدوا على التوقيع على الإعلان المبرم بينه وبين العسكر حاضنة لحكومته المرتقبة؟

قصارى القول هو ان حمدوك برر بالأمس انقلاب البرهان واعترف بحق البرهان كقائد للجيش ثم رئيسا لمجلس السيادة في اتخاذ قرارات غير قابلة للنقض، ويكون بذلك قد خان عهد ومواثيق الثورة ورضي أن يكون مجرد “ألْفه” رهن إشارة المعلم البرهان، وما زال البرهان يحتجز وزراء وأعضاء في مجلس السيادة رهائن لمواصلة المزيد من الضغط على حمدوك حتى يصبح أكثر “طاعة” له.

من أخطر عواقب بصم حمدوك على بيان الانقلاب هو أنه قسم الشارع الثوري، وخلال الساعات القليلة الماضية سعى كثيرون من المخلصين لغايات الثورة (التغيير والحكم المدني إلخ) لتبرير بل ومباركة ما أقدم عليه حمدوك، ومنهم من يقول: الرجل ليس ساذجا وسيفاجئنا بموقف قوي قريبا؛ ومنهم من يرى ان دواعي حقن الدماء هي التي جعلت حمدوك يضع توقيعه على البيان السياسي (أثناء التوقيع سقط يوسف المصري شهيدا في ام درمان بالطلق الناري وجرح معه 4 آخرون)، وكم هو محزن ومؤسف أن يحاول البعض عبر تاريخ بلادنا السياسي على نسيان أمر من يقتلون ظلما وينادوا ب”عفا الله عما سلف” فينجو القتلة من الحساب الذي أمر به الله لمن يقتل نفسا بغير حق.

مؤسف ان يقبل حمدوك بتسليم رقبته للبرهان والجنجويد بينما رفض منصب رئاسة الحكومة في ظل الانقلاب خمسة أشخاص، وهكذا يحقق الانقلابيون واحدا من هدفين او الهدفين معا: شق الشارع الثوري، وحرق حمدوك وتجريده من الشعبية التي حظي بها منذ أغسطس 2019 ليبقى رهينة بين أيدهم بعد فقد السند الشعبي، وإذا اعتاد الناس على حنث البرهان بالعهود والوعود فها هو حمدوك يخون عهد الثورة بالركوب في قارب الانقلاب.

وما سيحدث هو أن الشارع لن يهدأ، فغالبية قوى الثورة ترفض بيان الأمس، وبالمقابل فإن العسكر- وقد وضعوا حمدوك في جيوبهم- سيواصلون حصد أرواح كل من يعترض على سيطرتهم على مفاصل الحكم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.