خاطرة في حب الوطن

0 88

كتب: جعفر عباس

.

اضطرتني ظروف قاهرة الى الاغتراب طويلا عن بلدي، وكان الخيار الآخر هو أن أعيش غريبا فيه، ولإسكات ألم الفراق ظللت أحمل وطني في قلبي وعيني صباح مساء، أناجيه وأغني له وأتغزل فيه، وبدوره يهدهدني لأنام ويأتيني في الأحلام جميلا نبيلا كما هو في الصحو، ولا يعاتبني على طول الفراق لأنه يعرف انه ما جبرني على المُر إلا ما هو أمَرّ منه، ويعرف انني منه وبه ومعه في الحلو والمر، ويعرف نحو 15 مليونا من أهل بلدي أنه لولا تقاسمنا نحن المغتربون بملاييننا الثلاثة عبء أثقال الحياة معهم لكان الحال “بطال” ويغني عن السؤال، ولهذا يغفرون لنا بعادنا القسري عنهم.

يقول شاعر الانجليز الكبير وليام ويردسويرث:

“Thanks to the human heart by which we live,

Thanks to its tenderness, its joys, and its fears,

هذا مقطع من قصيدة “أنشودة الخلود”، يقول فيه الشاعر إنه حامد وشاكر لأن له قلبا رقيقا تتفاعل فيه الأفراح والأحزان، وتحضرني هذه الكلمات البسيطة وأنا أتفاعل مع أفراح وطني القليلة التي يجاهد المواطن البسيط لصنعها، وأحزانه الممتدة كأراضيه التي يتسبب فيها أبناؤه العاقون، ولا أملك إلا أن أتساءل كيف يخون إنسان بلاده وأهله كي يحقق مكاسب شخصية؟ كيف يسعى إنسان سوي لرفع مكانته مقابل أن يحط من قدر الوطن؟ فيشاطرني شاعر العراق الكبير بدر شاكر السياب السؤال: إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون/ أيخون إنسان بلاده؟/ إن خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون؟/ الشمس أجمل في بلادي من سواها/ والظلام، حتى الظلام – هناك أجمل…

ولكن “البطن بطرانة” فمن الرحم الواحد يخرج الفارس ذو القدر الرفيع، ويخرج النرجسي الخسيس الوضيع، وعزاؤنا هو ان الفرسان والفارسات الماجدات أكثر عددا من ذوي الخسة، ويقيني هو أن الغلبة ستكون حتما للفوارس الشرفاء، وأن الليل البهيم الذي يوفر غطاء للصوص ومزوري النقود والتاريخ سينجلي قريبا، وأن ما يحدث الآن من عثرات في طريق نهوض الوطن ما هي إلا صخرة على مجرى النهر الهادر؛ ولكن المنابع تهدر في كل عروق الأرض تمتد وترتد وتعلو وتدافع، لتلهم التيار مجرى سلسا نحو المصب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.