تقدير موقف
ذوالنون سليمان عبدالرحمن
مركز تقدم للسياسات
شهد اليوم الثاني من الهدنة الموقعة بين الجيش والدعم السريع خروقات عديدة قد تؤدي لانهيارها إذا لم تقم الوساطة بإجراءات عملية تحافظ على استمرارها ، أبرز خروقات الهدنة كانت استمرار القصف الجوي من قبل الجيش والتي تستهدف لمواقع الدعم السريع التي استطاعت اسقاط طائرة “ميج” عسكرية نهار اليوم بمدينة أمدرمان والقبض على طاقمها، أيضا استمرار الدعم السريع لحصاره العسكري علي سلاح المهندسين ومنطقة وادي سيدنا بأمدرمان وضربها بالمدافع ,الأمر الدي يضع اتفاقية وقف إطلاق النار قصير الأمد والترتيبات الإنسانية الموقع بجدة في 20 مايو 2023..
تحليل
استمر طرفي الصراع “الجيش والدعم” في اعدادهم لمسرح الحرب على الرغم من توقيعهم على الهدنة , فقد واصل الجيش في عمليات الحشد والتجييش والتعبئة عبر توظيفه لجهاز الدولة خارج الخرطوم , وتتواتر المعلومات عن تسليح بعض سكان الخرطوم علي أساس الهوية ,واستجلاب قوات لرئيس الحركة الشعبية “مالك عقار الذي جري تعيينه حديثا كنائب للبرهان ” للخرطوم من النيل الأزرق وذلك من أجل القتال مع الجيش , وهي الان متواجدة بمنطقة وادي سيدنا شمال أمدرمان .وعمل الدعم السريع علي تعزيز وجوده في الخرطوم عبر وصول مركبات عسكرية وقوات جديدة , واستخدامه سلاح المدفعية في أرض المعركة كعامل قوة جديد لم يكن موجودا في السابق , أيضا يمثل انضمام المك عبيد ابوشوتال , مك قبيلة الهمج ذات الإرث التاريخي “مملكة الفونج ” بالنيل الأزرق للدعم السريع , واعلان دعمه لدقلو في الحرب , إضافة نوعية وقومية لقوات الدعم السريع , فهو قائد سابق بالحركة الشعبية يمتلك مقدرة حشد العديد من المقاتلين لصالح الدعم السريع , ويتميز بالمقدرة السياسية التي ستصب في توضيح أهداف الدعم السياسية , ويؤشر هذا الاستقطاب “عقار وشوتال” لانتقال الصراع لمنطقة النيل الأزرق التي شهدت حرب أهلية منتصف العام السابق لعب فيها مالك عقار دورا محوريا وفق التقارير التي تشير بدعمه العسكري وانحيازه لقبيلة الهوسا ضد قبائل الفونج في صراعهم الدموي العام السابق , جاء انضمام شوتال للدعم السريع كرد فعل لقرارات البرهان بتعيين مالك عقار نائبا له , مما يؤشر لاحتمالية تجدد الصراع بولاية النيل الأزرق الحدودية ..
– تعتبر اعتقالات قوات الدعم السريع للقيادات الإسلامية وكبار قادة الجيش، اخرهم الفريق صلاح الدين كرار، الأمين العام لوزارة الدفاع الذي تم اعتقاله في احدي نقاط التفتيش في محاولة منه للهروب خارج الخرطوم , ، إحراجا للبرهان والجيش , وأحدث أثرا سياسيا إيجابيا لصالح الدعم السريع ,حيث دعم رؤيتهم حول أنهم ضحية لمؤامرة من المنظومة الإسلامية وانهم يحاربون عناصرها العاملة ضد الثورة والتغيير مما أكسبهم قبولا شعبيا وأفشل مخططات الجيش والاسلامين الرامية لمحاربتهم بالحواضن الشعبية .
– علي مستوي الولايات، تعيش دارفور أوضاعا استثنائية جراء الصراع المسلح بين الجيش والدعم السريع ، توجد ثلاثة عواصم ولائية من خمسة خارج السيطرة, لا يوجد بها أمن أو حكومة تباشر أعمالها ، وهي مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، زالنجي عاصمة وسط دارفور، نيالا عاصمة جنوب دارفور , وتتبقي فقط مدينتي الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور والتي توجد بها الحركات المسلحة والدعم السريع , مما يجعلها منطقة توتر , ومدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور , والتي لم تشهد صراعا منذ بداية الازمة وذلك لطبيعة تكوينها الاجتماعي الأحادي”عرب ” .
– تواجد مني مناوي , رئيس حركة جيش تحرير السودان , وحاكم إقليم دارفور بالفاشر بعد خروجه من الخرطوم في الأسبوع الثالث للحرب , وانشائه لقوة مشتركة تتكون من الحركات , بغرض حماية المقرات الدولية والمؤسسات الحكومية والمواطنين مؤشر لمفارقة الحركات الموقعة علي جوبا لمحطة الحياد لأنه يضعها في جبهة القتال , خاصة بعد الاشتباك المسلح بين الدعم السريع والقوات المشتركة مكونة من “قوات مناوي و جبريل” بالقرب من الجنينة بمنطقة سربا الثلاثاء 23 مايو , واستيلاء الدعم علي ثماني عربات دفع رباعي وأسر عدد من المقاتلين , لا تنفصل هذه التطورات عن قبول مالك عقار لمنصب حميدتي “نائب السيادي ” ومزاولة جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة لمهامه كوزير مالية وسط أنباء عن تكليفه بأعباء حكومة الطوارئ ..
– يتضح من خروقات الطرفين لوقف إطلاق النار المؤقت في يومه الثاني، افتقار الطرفين للثقة في الأدوات السياسية كوسيلة للحل، وتبين رغبة العناصر الرافضة لمنبر جدة وهدفهم في تعطيله، خصوصا من جانب التيارات الإسلامية داخل الجيش المراهنة على انتصار الدولة بحواضنها وتحالفاتها على الدعم السريع .
– الخروقات توضح قصور اليات مراقبة وقف إطلاق النار وعجز المسهلين عن إلزام طرفي الهدنة من الوفاء بالتزاماتهم نحوها، تقرير الوساطة حول الخروقات في اليوم الأول كان معمما ولم يحتوي على أي تفاصيل تحدد طبيعة الخرق وزمانه ومكانه وأثره والمسؤول عنه، ولم يقابلها أي خطوات وقائية مما سهل تكراراها في اليوم الثاني، وسيشجع الطرفين على التمادي في تنفيذ أهدافهم العسكرية، من أجل تحسين موقفهم التفاوضي أو توجيه ضربة قاضية تؤثر في مجريات الصراع.
– المراقبة التقنية لوقف إطلاق النار لن تكون مجدية اذا لم تصاحبها لجان على الأرض، والاكتفاء بالتقارير الفضفاضة سيغري الطرفين بالاستمرار في الانتهاكات والاعمال العدائية لتحقيق انتصار عسكري.
الخلاصة
إذا لم تغير لجنة مراقبة وقف اطلاق النار المؤقت استراتيجيتها، ستنهار الهدنة، وستتواصل دائرة العنف المسلح في الخرطوم بين طرفي الصراع الرئيسين، مع قابلية كبري لانتشارها في ولايات الصراع الطرفية، دارفور الكبرى بولاياتها الخمسة , بالإضافة لولاية النيل الأزرق , علي نحو قبلي يستمد جذروه من تاريخ الصراعات الدموية السابقة في المنطقة علي أساس الهوية , مما سيعقد من طبيعة الصراع ويمهد لاحقا للحرب الأهلية الشاملة