سفن البحرية الروسية ترسو في الموانئ السعودية

تجسيد لاستراتيجية التوازن في العلاقات الدولية

0 150

تقدير موقف مركز تقدم للسياسات
ذوالنون سليمان عبدالرحمن

 

تقديم:

رست فرقاطة ” الأدميرال غورشكوف” التابعة للبحرية الروسية في ميناء جدة السعودي وذلك لأول مرة منذ 10 سنوات , وهي سفينة قتالية يطلق عليها مسمي ” الجحيم المائي” وذلك لمقدرتها التدميرية العالية للأهداف البرية و البحرية . استقبل الخبر بقلق في الدوائر الغربية ، ولم تحسب على الزيارات البروتوكولية لسفن الدول الكبرى للموانئ التي تمر بها، خاصة وان مجموعة السفن الروسية على الميناء السعودي، شاركت في المناورات البحرية المشتركة لكل من الصين وجنوب افريقيا وذلك في المياه الإقليمية للأخيرة. وأدرج الحدث أيضا في سياق تطور لافت في العلاقات الروسية – السعودية والتي شهدت تحسنا ملحوظا بالتوازي مع التطور في العلاقات السعودية-الصينية، وهو مؤشر مهم إضافة لتطورات استراتيجية أخرى، تشكل في مجموعها منعطفا جديدا في خارطة التحالفات.

تحليل:
نجحت الدبلوماسية السعودية في توظيف تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا بالتناسق مع المساعي والجهود التي تدفع بالانتقال من مرحلة ” الأحادية القطبية إلى عالم متعدد “وخلق مساحات وهوامش لمصالحها وطموحاتها بعيدا عن الاحتكار الأمريكي، فسياسة صفر مشاكل التي قادتها الإمارات خليجيا في وقت مبكر، بات اليوم نهجا سعوديا. فلم تعد صناعة التهديدات الروسية او الإيرانية لأمن الخليج بضاعة يمكن تسويقها لتبرير الاستقطاب الضار.
تجلى هذا الموقف في التنسيق السعودي -الروسي المشترك في أوبك بلاس ، والتخفيض الجديد لإنتاج النفط ،والذي كان بمثابة صفعة للإدارة الامريكية التي كانت تتوقع زيادة الإنتاج وبالتالي دعمها في حربها غير المباشرة ضد روسيا , استخدام الموانئ السعودية من قبل البحرية الروسية مؤشر قوي لمستوى العلاقات بينها ,علي نحو يجعلها على درجة من التماثل مع العلاقات الامريكية .ثمة مؤشرات على أن واشنطن بدأت تفقد أوراق نفوذ تقليدية حيوية في المنطقة ، بعد نجاح مبادرة المصالحة الصينية بين الرياض وطهران ، والموقف الخليجي المتوازن والحذر من الحرب الأوكرانية , وخسارة ورقة “الفزاعة الإيرانية” لترهيب دول المنطقة ، والشكوك التي تساور الخليج بعد نقل مركز الثقل الأمني والاهتمام السياسي نحو الصراع مع الصين والذي تعتبره خطرا داهما على دورها ونفوذها العالمي .
رسو سفن سلاح البحرية الروسية على الموانئ السعودية له علاقة بالتفاهمات السعودية -الروسية في قطاع الصناعات العسكرية ومنظومة التسليح , الدولتان وقعتا -سابقا- اتفاقية حول التعاون العسكري وذلك أثناء زيارة نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لمنتدى “الجيش 2021″ العسكري التقني في موسكو , نصت الاتفاقية على التعاون الثنائي في المجالين العسكري والعسكري التقني ,والتي تتيح للرياض تنويع قدراتها الدفاعية وتوسيع جغرافية التعاون العسكري التقني بما يحقق لها مرونة الاختيار , بالإضافة الى الاستفادة من التكنولوجيا الروسية والصينية في مسح رواسب اليورانيوم جنوب غرب المملكة والذي يعرف بمشروع ” الكعك الأصفر ” .
اتفاقيات التعاون العسكري بين الرياض وبكين من جهة , وبين الرياض وموسكو من جهة أخرى , تهدف لتعويض استنكاف وتردد الولايات المتحدة في إتمام شراكات عسكرية مع السعودية في مجال الطائرات بدون طيار وإنتاج الصواريخ وتخصيب اليورانيوم , حيث تتمسك أمريكا باتفاقية الحد من صادرات الصواريخ وتتذرع بوجوب توفر المعايير الخاصة المعتمدة ، سواء باستخراج أو التنقيب عن اليورانيوم أو بناء المفاعلات النووية لأغراض سلمية , الأمر الذي يجعل خيار التعاون العسكري مع الصين وروسيا أحد الحلول أمام الرياض وذلك لتعزيز استراتيجيتها المتعلقة بمنظومتها العسكرية ، وبما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 والإصلاحات الجارية في قطاع الصناعات العسكرية، ، وتنويعها ، من أجل تحقيق موازنة العلاقات دوليا وإقليميا.
تواجد البحرية الروسية على المياه السعودية لا ينفصل عن ملامح السعي لبناء تكتل سياسي اقتصادي استقلالي ومتوازن أشبه بكتلة عدم الانحياز والتي تمتد فكرتها لمختلف دول الجنوب وهو ما يتوافق مع الطموحات الصينية والروسية لإنهاء المركزية الغربية الذي تقوده الولايات المتحدة والذي وسم العلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الثاني الى يومنا هذا. كما ان السعي الى التوازن والاستقلالية الذي تقوده الرياض وأبو ظبي، يلبي طموحات أقوي اقتصادات المنطقة، الباحثتان عن موقع ريادي في الاقليم يتجاوز موقعهم التقليدي الذي يرتكز إلى مقولة، أنهم أصحاب آبار بترول فقط واحتياطات مالية وصناديق سيادية ضخمة.

الخلاصة:
ردود فعل واشنطن إزاء تراجع نفوذها في منطقة غرب آسيا، يفرض مراجعة لاستراتيجيتها القديمة واستيعاب المتغيرات التي جرت في العقدين الأخيرين على تركيبة المجتمعات والنخبة السياسية التي يقودها جيل جديد من الحكام في الخليج . فالتوجهات الجديدة لهذا الجيل تقوم على علاقات متوازنة مع الجميع بما فيها الولايات المتحدة وروسيا والصين ،لكن التقديرات الأولية تقول إن ذلك لن يمر بسهولة لدى صانع القرار الأمريكي ، وحتى الآن لا تظهر دلالات على استيعاب الإدارة الحالية للمتغيرات ، ولا زالت استراتيجية المواجهة الشاملة دفاعا عن مركزية دورها وحلفائها الغربيين هي السائدة ، وكل الجدل السياسي الدائر في واشنطن يتركز على الاليات التي يمكن بها محاصرة التوجهات الخليجية والسعودية خاصة ، والتي يعتبرونها تهديدا لنفوذهم ومصالحهم في المنطقة ، محكوما بعقيدة التبعية المجانية أو الترهيب ، وليس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.