عالم جديد وصحافة جديدة

0 84
كتب: طلحة جبريل
***
تعرف أساليب الكتابة الصحافية تغييرات متلاحقة والعالم يعيش جائحة سيكون لها ما بعدها عقب انحسار الوباء، ويمكن الجزم بأن ذلك صار وشيكاً.
ازدهرت على سبيل المثال مدرسة تدعو إلى كتابة الأخبار باقتضاب. وعادت للازدهار كذلك «القصة الخبرية» (News Story) وهو تقرير ميداني يعتمد الوصف، والتغاضي عن قاعدة الأسئلة الست (ماذا، متى و أين، من، كيف، لماذا) التي ظلت قاعدة أساسية في كتابة الأخبار.
إذا كان لي أن أزعم شيئاً، أقول إن كتاباً أصدرته في عام 1994 تكهنت فيه بأن «القصة الخبرية» ستصبح من أبرز الأجناس الصحافية، وصدر الكتاب بعنوان «الخبر والقصة الخبرية».
هناك أيضاً بعض الأفكار المبتكرة، مثل المدرسة الجديدة التي تقول إنه يجب التركيز على «أفضل الأخبار» على أساس أن الوباء نشر ما يكفي من الأخبار السيئة.
لكن أكثر ما يلفت الانتباه هو عودة بعض الصحف وخاصة المجلات إلى جنس كان على وشك الاندثار ، ذلك الذي يعرف باسم المقال المسترسل (NARRATIVE ARTICLE).
قبل عقود قال الصحافي البريطاني الفريد هرمز وورث ناشر صحيفة «ديلي ميل» إن أي خبر أو تقرير إخباري لا يجب أن يزيد على 250 كلمة. كان هرمز وورث يستوحي «ثقافة الساندوتش» أي الحياة ذات الإيقاع السريع بكل تفاصيلها، بما في ذلك حتى الوجبة السريعة، وكان يرى أن الأخبار يجب أن تكون مثل «الساندويتش»، وفي ظنه أن ذلك هو إيقاع العصر ورائحته ومذاقه.
بيد أن هيمنة عصر التلفزيون، وضعت حداً لفكرة الفريد هرمز وورث، حيث انتهت عملياً مع بداية إطلاق شبكة «سي إن إن » في عام 1980، عندما أصبح الخبر والتقرير السريع، أي «الخبر الساندوتش» أسلوباً تلفزيونياً.
ثم هيمنت صحافة الإنترنت مع بداية الألفية الثالثة، لتنقل بدورها فكرة الخبر السريع إلى عالمها الذي بدأت تزدحم فيه الأخبار ازدحاماً غير مسبوق.
لكن حاجة المتلقي إلى عمق في التحليل وغزارة المعلومات أدى إلى أن يضجر قراء كثر من الخبر والتقرير السريع، هكذا عادت مع هذه الجائحة فكرة المقال أو المادة الصحافية المسترسلة، بحيث يجد القارئ المعلومات والتحليل والمادة الأرشيفية التي تساعده على الفهم.
وأصبح عدد كلمات المقال المسترسل تتراوح في الصحافة الغربية خاصة المجلات ما بين 2000 إلى 5000 كلمة، ويمكن أن يجمع حتى بين الحوار والمعلومات والتحليل والمادة الأرشيفية.
أختم وأقول إن العالم يعرف إعصاراً ضخماً بعد جائحة غير مسبوقة، ويشهد ميلاد صحافة جديدة، وميلاد نظام عالمي جديد يبدو غريباً من جميع الأوجه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.