عظام نخرة في دولاب الهامش

0 88

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

تلقيت كالعادة تعليقات من أصدقاء صفحتي في الفيسبوك على ما كتبته أمس عن أن لناشطى الهامش جدوداً في إشكالية الزبير باشا و”الجلابي” وغيرها التي يفحمون بها مطلق الشمالي ممن في نظرهم وحش مركزي بغض النظر. فالإنقاذي والعضو معهم في الجبهة الثورية سواء متى أثار هذا العضو ما لا يرضونه. وهذا إرهاب ضيقوا به الواسع.

لكل ثقافة هيكلها العظمي في دولاب الحائط. وهذه عبارة إنجليزية معناها أن لكل منا عاهة (هيكل عظمي) نخفيها عن الناس. ولهم عبارة أخرى هي الخالة التي في غرفة بسطح الدار. ويعنون بها أن لكل أسرة منا خالة-عمة مجنونة حبيسة غرفة مخصوصة لهم بأعلى الدار منعاً أن يراها الناس.

وجئت في كلمتي أمس بهيكل عظمي لناشطي الهامش. فنشرت قائمة نواب الجمعية التأسيسية في ١٩٦٥ الذين تقدموا لها بمشروع قرار بحل الحزب الشيوعي. فكانوا ستة نواب أربعة منهم من الهامش مع مضوي محمد أحمد (المسيد) ومحمد يوسف محمد (الخريجون). وقلت لهم طالما جيئتم ببدعة المحاكمة بالجدود فأمثلوا لمقاضاتكم أمام جدودكم أولئك الذين قتلوا أجرأ الدوائر في طلب العلمانية في المركز منذ ١٩٤٦. وها هم الحفدة يطلبونها تحت ظلال السلاح، أي بصوفها.

وسمعت من بعض الأصدقاء فارغة ومقدودة مما نحرص في الرد عليه ما وسعنا. ويأخذ من وقتنا الشيء الفلاني. ولا مشاحة. فهم من أجيال يتيمة أعرض كبارها عنها لأنه لا صمغ فيهم ربما. وتركناهم أبناء سبيل نبيل للوطن أكرمونا بثورة جاءت “من السما دا” كما قال جدي أحمد ود حمد إزيرق. وكان جاء الخرطوم مرة لزيارة أبنائه في المقرن القديم. وقطع شارع الخرطوم-أم درمان عند الساقية التاريخية ليملأ عيونه الكليلة بالنهر قبل أن يستبقه لقريته في الشمال. فصدمه موتر وانخلع جداً. وجاءت الشرطة تحقق معه وتسأله من أي جهة جاءه الموتر. فقال: من السما دا. ولم يتحول عن هذه الإجابة بقدر ما تحروا معه. فقفلت الشرطة المحضر.

لم أعرف أن هناك من عقد هذه المحاكمة بالجدود للهامش. وعقدها من لا يطرأ لك أنه من عقدها لأنه المرحوم منصور خالد الذي يخيل لك أن الهامش عنده نعامة الملك. فذّكر الهامش بماض لأجدادهم في الرق حتى لا يفتتنوا بخلوص قماشتهم التاريخية مما يعيب.

فذكر قول أقرى جادين في مؤتمر المائدة المستديرة (١٩٦٥) للشماليين إنهم “أحفاد الزبير”. وقال إن ذلك ربما أثار حفيظة عبد الخالق محجوب لا حديثه عن الزبير باشا كنخاس. وزاد بأنه رغم فظاظة حديث جادين عن الزبير، إذا كانت للزبير مناقب أخرى، كان في مقدور عبد الخالق أن يقول “ربما كان الزبير نخاساً. وهذا لا يسعدنا. ثم يذهب خطوة أخرى إن أراد أن يلحق كيداً بكيد، ويقول لجادين، إن ما كان يقوم به الزبير ليس أقل من مسؤولية أسلافكم من سلاطين الزاندي الذين كانوا يمدون الزبير بالبازنجر الذين كان يطلعهم في الغابات لاصطياد إخوانهم من الاستوائيين. بدلاً عن ذلك قال عبد الخالق “نحن فخورون بأن نكون أحفاداً للزبير”. ويا لذلك من فخر. فأي تفاخر بالرق يدخل في باب المعايب والمثالب” (شذرات، الجزء الثاني صفحة ٦٨).

ونص منصور عن أستاذنا عبد الخالق محجوب موضوع كما بينت في كلمة سبقت. فقال أستاذنا إننا لا نتوارى من تاريخنا وننتقده بموضوعية لنتعلم دروسه. وأضاف عبارته الشهيرة: “فأبناء الزبير تقدموا مع خطى الزمن لبناء السودان الجديد ومؤسساته التقدمية ومن بينها الحزب الشيوعي”. فلا فخر ولا يحزنون. وعموماً فكلمة أساذنا أكثر دماثة مما قترحه منصور عليه من باب كيد بكيد.

أعرف أن الهامش واليسار الجزافي سيعد محاكمتي للهامش بالعظام النخرة في دولابهم (أو عمتهم المجنونة الحبيسة) عنصرية أو ما سار عليه “شنشنة أعرفها من أخذم”. وها جاءهم”المعصوم” بأجداد جعلوا نخاسة الزبير يسراً لا عسراً. فما قولهم؟

كان المرحوم المؤرخ القدال ذا لسان طليق. قال لنا مرة إنه جاء بفكرة في رسالته للدكتوراه استنكرها المشرفون على بحثه. فجاءهم بما يدعم فكرته من نص لبيتر هولت، مؤلف “المهدية في السودان” وأستاذ المشرفين عليه، وموضع إجلالهم. فران الصمت على رؤوسهم. وتم سكتوا.

أترك للقارئ تصور تعليق القدال طليق اللسان على الموقف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.