غيـبــوبة القـيـادات

0 75

كتب: عمـر العمـر

.

مـن أبــرز قسمات تظاهرات السبت الفائت غياب وجوه الطبقة السياسية عن المشهد. كما أنها ليست مصادفة عبثية فهي كذلك ليست وليدة خطة مبرمجة متفق عليه.
بل هي بثور طفح على جلد جسم عليل مترهل بأمراض مزمنة.

إنـه جسم فقد عصب الحس السياسي الوطني المرهف. من اليسير الخوض في تبرير هذا الغياب المخزي، لكنها تبقى كلها تبريرات واهية لا تملك مقومات الصمود أمـام ألسنة الجرأة وأدمغة النقد الواعي. حتى الوجوه المشرئبة في الصفوف الثانية والثالثة لم تخلق فاصلا مثيراً كقوى لافتاً حزبية في المشهد الشبابي العارم المتوقد.
لئن جاء في هذا الغياب درس للطبقة الشائخة والموجات الشبابية المتدفقة عبر الطرقات والساحات فهو يتمثل في حتمية مرور درب التغيير عبر هذه الطبقة المسكونة بالموات السياسي.

نعم هــذه الطبقة ظلت عرضة للتجريف، الترهيب ،الترغيب والتشريد طوال عقود الإنقاذ الظالمة. كلهم- إلا من رحم ربي- تعطلت جوارحهم التنظيمية وتبلدت حواسهم
السياسية تحت ضغوط ذلك الإستبداد الغليظ الممنهج.

هـذا الفهم يمنحهم حق التقاعد المشرف لكنه لا يمنحهم بطاقات البقاء على شرفات القيادة وداخل كابيناتها .حتى الجياد الجديدة في مضمار السباق محط رهاناتنا
في التغيير أصابتها جائحة كرونا الأحزاب التقليدية ربما يذهب المرء حد الجرأة للإفصاح أنه مالم تفسح هذه القيادات العاجزة أمكنة للشباب
المتوثب فإن أًطـرا ومواعين حزبية جديدة ستفرض تشكلها على المسرح السياسي الوطني.

الغياب التلقائي عن تظاهرات السبت يعبر في إحدى تجلياته عن إختراق الشباب صانع الثورة حاجز الوصاية والتبعية إلى القبض على مفاتيح الإبتكار. هؤلاء الشباب
باتوا أكثر قناعة بحتمية التغيير الشامل .
ثمة قناعة تتبلور على نطاق الوطن بأن الطبقة السياسية العتيقة تجسد – في حد ذاتها- جزءاً من الأزمة الوطنية المتراكمة .
أكثر من ذلك تثبت هـذه الطبقة عجزها عن التعافي من عاهاتها المزمنة.بغيابها عن التدافع من أجل الثورة تحرر تلك القيادات بنفسها شهادات وفاتها. بل أخشى كذلك كتابة نهاية سير أحزابها. حتما لن يرتضي شباب الأحزاب نفسها هذا القعود المشين.فاما اطاحوا تلك القيادات أوخرجوا لبناء تنظيمات أكثر دينامكية.

هذا العجز الذليل لتلك القيادات لا يتبدى فقط في إطالة أمـد النظام الفاشي بل كذلك في مراكمة إخفاقاتها المخجلة منذ إنبثاق فجر الثورة المجيدة. هي إخفاقات لا تتطلب نسج سردية مؤلمة لعل أفدحها بقاء أيدي العسكر طويلة تفعل وتترك حسب أهوائها ليس وفق طموحات الثوار أو المصالح العليا للشعب. قبولها بتخليق مجلس الشركاء ينز بكل لا مبالاة الطبقة السياسية مما تشتمل عليه من خنوع للجنرالات.

ذلك القبول المبتذل هو إفراز لعقلية المساومات والمحاصصة الغارقة في المكاسب الشخصية والحزبية الضيقة .في المجلس تبدو جلية – حتى على من على عينيه
غشاوة– أعـراض أوبئة العشيرة، القبيلة وجائحة الجهوية المسلحة . كلها كوابح تعرقل حركة تقدم الشعب والثورة لجهة الأماني الوطنية .

أكثر من ذلك فالمجلس يشكل هتكاً فاضحا للوثيقة الدستورية ؛ حاكمة المرحلة الإنتقالية الأعلى والأغلى.
هذه المراوحة اللزجة في لجاج الفشل تستدعي بل تفرض حالة من التأهب للإستنفار بغية هجر مدرجات الشكوى، البكاء والتأنيب والتلاوم بل تستوجب الخروج من خنادق الدفاع إلى مواقع الهجوم والإنقضاض على بؤر الخيانات الكامنة والصريحة.

المهمة الأولـى المستهدفة هي محاصرة العقلية الإنقلابية من أجل إحتوائها والإجهاز عليها. هذه قضية تتجاوز شخصنة الخلافات إلى رد الظاهرة الإنقلابية برمتها إلى
جذورها ومنابتها. الجنرالات القابضون على مقود القيادة لايصدرون في ممارساتهم الفجة عن طموحات ذاتية .

فهم في الأصل تفريخ منظومة دأبـت على تصفية أصحاب الهمم العالية على المستويين الشخصي والوطني. التقدم على دروب التغيير يبدأ حينما تدفع أمواج الشباب العمل الجماهيري خارج مسارب المناسباتية والموسمية. لابد من الحفاظ على وهج شعلة الوعي متوقدة وسط الجماهير بغية الإحتفاظ بايقاع حركة تقدم المد الشعبي. هذه
مهمة لا تنجزها قيادة غير مدركة تعقيدات الظرف التاريخي وغيرقادرة على ممارسة العمل الدؤوب من أجل عصب إرادة الجماهير وتطوير أدائها. كلما انبثقت موجات الوعي من المستويات العليا للحراك الشعبي كلما انساب ذلك الوعي ميسراً وسط الجماهير.

من المهم في هذه المرحلة انجازعملية فرز ثاقب لتصنيف قوى الثورة ورموز الحراك ووتنظيم قواعده وانتقاء قياداته بالتزامن مع تحديد دوائر العمل المضاد للثورة .هناك دوما مندسون يحاولون التسلل إلى صفوف الثوار. هذه المهمة لاتؤجل بالضرورة إعادة جدولة أولويات المرحلة الإنتقالية وفق طلعات الجماهيرفي سياق ظروف حياتها المعيشة.
مجلس الثورة التشريعي» البرلمان» يشكل محور النضال الساخن عند المنحنى الزماني الراهن . لابد من ضمان تصعيد عناصر تتميز بالاستقامة الوطنية، تتسم بالصرامة، التجرد و التفاني في خدمة الشعب متسلحة بالوعي والحس السياسي . المجلس المرتقب نريد منه جهازا للرقابة الشفافة والمساءلة الثاقبة. مجلس من هذا الطراز فقط يمكن له إعادة ضبط بوصلة الثورة وساعتها. هذه غايات لا يمكن بلوغها عبر معايير المحاصصة المهترئة المستخدمة حاليا في تسمية عناصر مروضة مهجنة لخدمة مــآرب قــذرة.

كما نريد عبر المجلس التشريعي تقديم أنموذج لمؤسسات البناء الديمقراطي في ما بعد المرحلة الإنتقالية.
بالطبع لن تفسح عناصر العمل المضاد المسرح أمام حراك الثورة لإنجاز تلك المهام.هي تظل تستجمع قواها المتهالكة داخل مربع الـثـورة وخـارجـه من أجـل مواصلة إثارة الفتن. عازفة على غرائز السودانيين الفطرية ، المستثارة والمضطربة بالتخويف أحيانا والتلويح بقوة السلاح أحيانا والمال أحاينا .

من ذلك حملة الوعيد الممنهج بتفجير استقرار العاصمة وحمل صور قادة العصابات في مقام رمـوز الثورة من أجل الإستفزاز والإستدراج . الوعي بهذه المخططات يتطلب
منا استثمار كل المنصات الإعلامية منابر لبث اليقظة وحلبات لإدارة صراع فكري عميق يبدد تلك المخططات . لابد من الإعتراف بضعف مستوى الأداء الإعلامي إبان المرحلة التالية لفجر الثورة .كأنما لاندرك معنى العيش داخل عالم ثورة المعلومات تركنا المايكروفونات والكاميرات إلـى جانب الصحف ومنصات الوسائط الإجتماعية بين أيدي أعداء الثورة واكتفينا بالفرجة أحيانا وبمحاولات تبرير فشلنا الذريع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.