قراءة جمالية في تشريح جسد غير قابل للكسر “للكاتب السوداني الشاب منجد باخوس”

0 233

 

بقلم : فايز حسن

عن هذه الكتابة:
الكتابه في إلتحامها مع الكون وفي توحدها مع مكوناته، لوحه عظيمة لرسام انتحر بعد أن رش عليها الرمادي،رسام مات بعد أن أوجد النار والجوع والحروب العبثية سوف لن تنجو من هذه الكتابه ستفقد كلتا عينيك وأنت تركض لاهثا ببصرك بين صفحاتها، ستخسر يدا وأنت تقلب اوراقها المبتلة بالدم والنزيف وستلاحقك أحداثها إلى أبعد نقطة في خارطة هذا العالم، ستركض في الشوارع كالممسوس باحثا عن المعنى أو عن الاجابات التي قد تعفيك من قلقك الوجودي أو تحررك من أقفاص حيرتك المظلمه،سيطل غول الحرب برأسه من عمق هذه الكتابه ومن أقصى بؤرة فيها سيرفع في وجهك إصبعه الأوسط، سيطاردك النازحون،اللاجئون، الجنود المنسيون الذين تركوا اطرافهم تزحف على أرض المعركه وفروا قاصدين قوارب النجاة الإلهية، الأرواح الهائمة في الفلوات بحثاً عن اجسادها التي إبتلعها غول الحرب، ستطاردك الكوابيس وأثناء ركضك ستتعثر خطواتك بأرتال الجثث المكدسة على إمتداد خرائط العالم وستسقط في قبر شاسع ومظلم، قبر لا نهائي، قبر هو هذا العالم نفسه، في هذه الكتابة سترى العالم منتصبا بجسد عاري يتبول على رؤوسنا نحن البشر يغرقنا بسائل لزج ومقزز، يغرقنا في بركة من الدم العبثي، هذه الكتابة ستقودك عبر الشوارع المنسيه حيث السكارى، ستات العرق،السلسيون والاسبلت ،اطفال المايقوما، الجنقو،الملاريا ، العاهرات والمهمشين، ستشعل فيك الاسئله الوجودية المحمومه وسوف لن يتوقف هذا الحريق قبل أن يحيلك إلى جثة من الرماد، شجرة تحرس بوابة المقابر، أو مشروع حرب كامنه تنتظر لحظة اشتعالها، سوف لن تنجو صدقني لن ينجو منها أحد.

حكايا لا ترى بالعين المجردة:.
لأكثر من مئة وسبعين صفحه تعبرك النصوص مسرعة كظل يطارد جسده الهارب،تصفعك الحكايات على وجهك فتخرجك من سباتك العميق،تظل مشدوها فاغرآ فمك من الدهشة طوال الرحلة ولن تشعر بذباب الوقت الذي حط على شفتيك. “مونلوج لأجل جوليانا ماساي وبساتين البنات”هو إحتفاء بالجمال ونشيد في مديح الطبيعه وهذا الإنسان،هذا النص هو عناق لانهائي بين الكاتب وذاكرته المحمومه، هو صرخة في وادي الجسد وفردوسه المفقود،هو تغني بالسحر والفتنه المباركه ،جوليانا ماساي غزالة ضلت طريقها من أدغال افريقيا إلى صفحات هذا الكتاب.تواصل أنت مطاردة النصوص بينما تستعر النار في جسدك كله تبتلعك الحمى وتصاب بالهذيان تسحبك الأحداث إليها عميقا بخيط لامرئي بينما تحاول أنت بلا جدوى الصمود تسقط على رأسك الاسماء،تتلاشى أمام ناظريك تصوراتك ويهيل أحدهم على جسدك التراب، “في عدارييل كائن لايرى بالعين المجردة” نشيج الروح الممزقة والجسد البالي،هو ذاكرة الحرب المسمومة الحرب التي تشعل النار في أحلامنا وتتبول على رؤوسنا الموت والتشظي والخراب، في عدارييل قصة الجسد الممزق والروح التي تم الزج بها في حرب لاتعنيها في شيء، حرب عبثية ابتلعت كل ماهو كائن ولم تترك سوى ذاكرة موبوءة بالعدم ورائحة الجثث المتفحمة،في عدارييل كل الذين تم اقتيادهم من أبواب المساجد والكنائس، المقاهي والاندايات معصوبي العينين إلى حرب لايملكون ثمن دفع فاتورتها، في عدارييل بيوت صدع جدرانها نشيج الأمهات المكلومات وتأوهات البنات تحت أجساد الرجال الانتهازيين الباحثين عن اللذة العابرة، في عدارييل سرطان الحرب الذي ابتلع في جوفه كل ماهو جميل وممكن، الموت ذاكرة الحريق والرماد عفن رجال السلطة ورائحتهم الكريهة التي تزكم الانوف، في عدارييل خيمة عزاء كوني ستظل منصوبة للأبد، في عدارييل حكايا لا ترى بالعين المجردة.

إليك يا إله الخمر:
أكتب إليك وأنت الذي أعلنت انحيازك لكل ماهو غير مرئي ولكل ماهو هامش وغير مذكور، إليك في اسفارك الكونيه الباحثة عن الحقيقة، المطارده لفئران الاسئله الوجودية الهاربه، والمتدثرة بجذوة المعنى المشتعل لاتلقي عصاك وسر في فلوات الرب التي لاتخطئها الأقدام القلقه، عاقر كؤوس خوفك واترعها دفعة واحدة، لايهم أن تكون ايروسيا أو ابولونيا أو دينوسيزوسيا مايهم أنك تدين بالإنسانية وتنحاز لهذا الصفر،ولأنك مشاء وصائد اللحظات أشعل هذا العقل بالتساؤلات واغرس خنجرك في نقطة بعيده على جسد المعنى ولا تلتفت لكلاب السلطة وقطط الحداثه التى تطوف حول موائد الرأسمالية المعاصرة،الة القتل والخراب،اغرس الف خنجر في جسد الحرب واغرس فينا غابة اشجار ذكرنا في اسفارك بسنكارا وسنغور، بهنس ، اتيم سايمون، جونق قرنق، بركة الساكن، ذكرنا بالحرب لكي لاننسى جثثنا الملقاة على صفحات التاريخ .

نشرت في ملف أبعاد بجريدة آخر لحظة ديسمبر2019

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.